سعود السنعوسي.. حين تكون كتابة الرواية درعاً واقياً ومساحة آمنة! - هرم مصر

جريدة الايام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كتبت بديعة زيدان:

أكد الروائي الكويتي سعود السنعوسي أن الكتابة بالنسبة له، وخاصة كتابة الرواية هي درع واقٍ ومساحة أمان يُمكنه من خلالها استكشاف التجارب والمشاعر الإنسانية المُعقدة، بقوله: آمنتُ بأن كتابة الرواية هي مساحتي الآمنة رغم كل مخاطرها، وبأنها درعي الواقية من الخذلان، بين شخصيات أكتبها وتكتبني، أثقُ فيها أكثر من أي شخصيةٍ موجودةٍ في ما يُسمونه الواقع... شخصيات أعرفها، وأعرف دوافعها ودواخلها ونواياها.. أقفُ على مسافةٍ واحدة منها جميعاً، أفهمها وأتفهمها ولا أُحاكمها.. شخصيات على خلاف الواقع لن تغدر بي، لن تفجعني برحيلها فجأة وأنا الذي أعرفُ في أيّ صفحة تموت.
كان ذلك في مداخلته التي قدمها تحت عنوان "الرواية.. جدوى افتعال المشكلة"، خلال مشاركته في ندوة "السرد وتحديات التجديد"، ضمن فعاليات الدورة السادسة لملتقى السرد العربي في الأردن، وهي إحدى مكوّنات الدورة التاسعة والثلاثين لمهرجان جرش للثقافة والفنون.
وحدثنا السنعوسي عن علاقته العميقة بالكتابة، وبالرواية على وجه الخصوص، متعمقاً في السؤال المُلحّ حول سبب الكتابة، مُشيراً إلى أنه على الرغم من كثرة الإجابات على مرّ الزمن، إلا أن أيّاً منها لا يُشبع تماماً الفضول العميق حول الهدف الحقيقي منها.
وفي هذا الجانب، قال: سؤال الكتابة أبديّ الإجابات، وهو أكثر أسئلتي لنفسي يوماً بعد يوم، بل هو أكثر الأسئلة تواتراً في رسائل القراء وأحاديث الكُتَّاب وأسئلة المحاورين في اللقاءات الإعلامية؛ لماذا الكتابة؟.. في كل مرة أجيب إجابة مختلفة، غضَّة وصادقة وكافية ولا تنفي ما قبلها من إجابات منذ بدء التدوين على جدران الكهوف وألواح الطين.. غير أن السؤال لا تُخرسه كثرة الإجابات، وكل إجابة مقنعة تبدو، بعد حين، غير كافية، ولا تُشبع فضولك لمعرفة سبب إيمانك بالكتابة إلى هذا الحد، فتحاول أن توجد لك جدوى من ورائها، جدوى حقيقية تسوّغ فعلك وأنت ترهن حياتك من أجلها، فتُصاب بالذعر لمجرد التفكير بمفتاح اليأس الكامن في أصعب الأسئلة وأقساها: وماذا بعد؟.. وتحاول أن تجيء بسبب لا بعد بعده، فتجيب السؤال ذاته إجابة مختلفة للمرَّةِ الألف، ويمرُّ الوقت فيبدو جوابك الألف غير مقنع لك، وأنت تمارس فعلك الكتابي وتغذي حاجة تجهل أسبابها.
وتطرق السنعوسي إلى "العزلة القسرية" التي فرضتها جائحة "كورونا"، وكيف كانت بالنسبة له حافزاً لتعميق علاقته بالكتابة، ولإعادة اكتشافها كملاذٍ حيوي ووسيلة لمواجهة وحل المعضلات الشخصية والوجودية من خلال شخصياته.
وعن ذلك قال: قبل حوالى خمس سنوات آمنت بالكتابة أكثر من أي وقت، وأوجدتُ لنفسي إجابة جديدة حول جدواها، وصارَ لدي فوق الإجابة الألف.. إجابة أخرى، تجلَّت في ذروة العزلة القسرية التي فرضتها جائحة 2020، تلك العزلة تخللتها أوقات فراغ طويلة، مملة قاسية قاتمة وقاتلة في البدء، صرفتني إلى إدمان متابعة الأخبار الرسمية والشعبية عبر مواقع التواصل.. كان الوضع عبثياً وبائساً وغير محتمل، وأنت لا تملك شيئاً حيال كل هذا الجنون البشري الذي يظهره الإعلام ويواجهك بالإنسان في أحط صوره.
وأضاف: إزاء كل المشكلات التي طفحت على السطح في ذروة انتشار المرض، وأنا مضطر لمتابعتها في قفصي، وجدت خلاصي وسلامي الداخلي بالكتابة على نحو جديدٍ، ومغاير، أكثر من أي وقت مضى. فأضاءت لي الكتابة زاوية فسيحة من زواياها. فالكتابة، أعني كتابة الرواية، هي المشكلة الوحيدة التي أتحمل مسؤوليتها كمؤلف، وأنا قادر على حلِّها عوضاً عن الوقوف محل المتفرج العاجز أمام واقع عبثي. فأفتعل لشخوصي مشكلات على الورق وأورط نفسي بإيجاد الحلول، فأرهن وجودي في سبيل العبور بها إلى ضفة أخرى، وفي حقيقة الأمر أن شخصياتي هي التي تعبر بي إلى مكان آمن يخلصني من جحيم الفراغ والأسئلة المعلّقة على حبال الغيب، تلك الشخصيات التي أبتَلي كل واحدة منها بسؤال أو مشكلة تبدو عصية الحل. فأنكب على الكتابة وأُعقِّد الأمور فتزيد مشكلاتي المحببة وأنا أرتدي كل شخصية على اختلاف أنماط تفكيرها وسلوكها ومزاجها، وأمضي في الكتابة أُعقِّد خيوط السَّرد وأحلها عقدة وراء عقدة.
في تلك العزلة الإجبارية تبدَّت لي الكتابة حاجة مُلِحَّة على نحو لم أشعره من قبل، كفرت بأي فكرة ساذجة تستجدي إصلاح العالم، وآمنت بإصلاح نفسي عبر سبر أغوارها كتابة.
وخلص السنعوسي إلى أن فعل الكتابة في حد ذاته يحمل قيمة ومعنى جوهريين يتجاوزان المنتج النهائي أو الاستقبال العام، خاتماً مداخلته التي جاءت على شكل رسالة لصديق لا على وجه التحديد، بالتأكيد: الفعل الكتابي لذاته هو الجدوى، حينما يكون لدي دافع لترك فراشي صباحاً لأن لدي شيئاً أفعله؛ شيئاً أحب القيام به، وهو المشروع الكتابي.
أن أواصل كتابة الرواية ولا أشغل نفسي بأمر إنهائها نشراً أو تأجيلاً أو إتلافاً.. أن أشرف على مسؤوليات عالم ابتدعته بيدي وأفهمه، أو أحاول فهمه، أو أكتب فيه عدم فهمي.
أن أعيش في كل الشخصيات التي لا تشبه واحدتها الأخرى، نكبر معاً، فيشغلني ما يشغلها وأتخفف من الواقع بالخيال(...) كتابتي للرواية في أصلها حاجة ذاتية، أمر شخصي وحميم جدّاً على نحو غير مفهوم وغير قابل للشرح، فأرتكب الكتابة لذاتها دون اعتبارات لنشر العمل.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق