كتبت بديعة زيدان:
حلت الروائية اللبنانية نجوى بركات، ضيفة على مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة الأردنية عمّان، كشخصية ثقافية مرموقة تحظى أعمالها بتقدير كبير في المشهد الأدبي العربي والعالمي.
واستعرضت الحواريّة، التي أدارتها، مساء أول من أمس، الروائية الأردنية سميحة خريس، تحت عنوان "محفّزات الكتابة: من بيروت إلى باريس"، محاورة عدّة، بينها: تجربتها في الحرب الأهلية اللبنانية، وسنوات تكوينها في باريس حيث بدأت مسيرتها الصحافية والإبداعية، ونهجها الدقيق والحساس في كتابة الرواية، وإسهاماتها البارزة في الأدب العربي من خلال ست روايات وبرامج ثقافية، علاوة على تسليط الضوء، وبشيء من التفصيل، على إبداعاتها السردية، ومكانتها الأدبية، ومساهمتها في الخطاب الثقافي.
وتحدثت بركات عن محطات محورية في مسيرتها الأدبية، وتأملاتها في الهوية واللغة والواقع الاجتماعي والسياسي الذي شكل أعمالها، هي التي استعرضت في سردها تجاربها المبكرة في لبنان الذي مزقته الحرب، ومنفاها في باريس، علاوة على تطرقها لجهودها المستمرة في إعادة ابتكار الذات من خلال الكتابة، مؤكدةً على أهمية اللغة ككيان حي وجسر ثقافي، ودعوتها المتكررة إلى المقاومة الثقافية، والحفاظ على الصرامة الأدبية، ورعاية الأصوات العربية الجديدة في ظل الاضطرابات السياسية والتشرذم المجتمعي.
وتطرقت بركات أيضاً إلى تحديات الكتابة عن بيروت، حيث اختارت تصوير جوانبها الأكثر قتامة وأقل رومانسية، والتي شكلتها الحرب والصراعات الاجتماعية، كما تحدثت عن تأسيسها "ورشة احتراف الكتابة" لرعاية المواهب الأدبية العربية، مقدمة برنامجاً إرشاديّاً منظمّاً على مدار عام، تُوّج بالنشر والظهور الإعلامي، بحيث أنتجت هذه المبادرة العديد من الروايات الحائزة على جوائز، وساهمت في إحياء ثقافة أدبية جادة في العالم العربي، في ظل ما يشهده النقد الأدبي والصحافة الثقافية العربية من تراجع، على حد تعبيرها، مُنتقدة سطحية الكثير من الإنتاج الثقافي العربي المعاصر، والتأكيد على الحاجة إلى تعليم أدبي دقيق، والتفاعل مع اللغة وفن السرد بطرق إبداعية.
وتناولت الحواريّة الحديث عن تجسيد روايتها "لغة السر" تعمّقاً في اللغة، مستكشفة قوة الكلمات والنصوص وسلطتها، علاوة على ملامسة الروائية اللبنانية لمواضيع نسوية في أعمالها، لا سيما في رواية "غيبة مي"، التي تتناول الشيخوخة وتجربة المرأة بعمق ودقة، متحدية التوقعات المجتمعية والصور النمطية عن أجساد النساء وهوياتهن.
ويهدف برنامج نجوى الثقافي الحالي المُعنون بـ"دراسات مع نجوى بركات"، وفق ما أشارت إليه في الحواريّة، إلى تعزيز النقاش الأدبي الجاد وثقافة القراءة في العالم العربي، لمواجهة هيمنة الترفيه التافه، ما يتكامل مع تسليطها الضوء على ضعف الدعم المؤسسي للأدب، وغياب الأطر النقدية التي تُعنى بالقراء والكتاب على حد سواء.
وتناولت الحوارية الثريّة، أيضاً، من بين ما تناولته، تأثير الاضطرابات السياسية والاجتماعية على الإبداع، مختتمة بحثّ الكُتّاب الشباب عن المثابرة والتمسك بطموحاتهم الأدبية رغم تحديات العالم الحديث.
والمتابع للحوارية، يستنتج تأثر أعمال نجوى بركات الأدبية بشكل كبير بأصولها اللبنانية، وتجاربها في الحرب، ومنفاها في باريس، ما جعلها تشكل صوتاً سرديّاً مُغايراً، ومدافعتها عن التجريب المستمر في الكتابة، بحيث ترى كل كتاب جديد كمغامرة تعليمية وخطوة أبعد من الإنجازات السابقة، ورفضها تصوير بيروت المثالية، بل اتجاهها للكشف عن حقائق المدينة الأكثر قتامة، والتي شكلتها الحرب الأهلية والتفتت الاجتماعي، متحدية بتصويرها الدقيق لواقع بيروت المظلم السرديات السائدة، في دعوة للقراء إلى مواجهة حقائق مؤلمة عن الحرب والانقسام الاجتماعي، بالإضافة إلى اكتشاف التفاعل بين التاريخ الشخصي والصدمة الجماعية في كتاباتها، وكيف يمكن للأدب أن يكون وسيلة للذاكرة الثقافية والحفاظ على الهوية، وكيف أنها بقيت مُصرّة على التجريب الأدبي لإدراكها أهمية الابتكار في الحفاظ على حيوية الكاتب الإبداعية، رافضة التكرار، بحيث قدّمت نموذجاً لعملية إبداعية ديناميكية تُشجع الكُتّاب على التطور المستمر، ما يمنع الركود ويعزز حضور مشهدٍ أدبي نابضٍ بالحياة، فيما تعكس هذه الفلسفة مقاومة ثقافية أوسع للرضا عن الذات على الصعيدين الشخصي والإبداعي.
0 تعليق