عودة جمال ناجي سارداً! - هرم مصر

جريدة الايام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتبت بديعة زيدان:

 

حاملة اسم الروائي الراحل جمال ناجي الأردني من أصل فلسطيني، كما كان يفضل تعريف نفسه على الدوام، انطلقت أول من أمس، من قاعة عقل بلتاجي بمركز الحسين الثقافي بالعاصمة الأردنية عمّان، فعاليات الدورة السادسة من ملتقى السرد العربي في الأردن، بتنظيم من رابطة الكتاب الأردنيين، وضمن فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين لمهرجان جرش للثقافة والفنون.
وأشارت القاصة سامية العطعوط، أمينة سر الرابطة، ومنسقة اللجنة العليا للملتقى، إلى أن جمال ناجي، كان قد ترك بصمته الواضحة في الأدب المحلي ومثلها في الأدب العربي منذ روايته الأولى الموسومة بـ"الطريق إلى بلحارث" وما تبعتها من روايات ومجموعات قصصية، إذ رصد في كتاباته التغيّرات السياسية والاقتصادية التي مرّت بها منطقتنا، وأثرها على العلاقات الاجتماعية والتحولات الطبقية التي صاحبتها، كما كان الروائي ناجي يُمثل المبدع والمثقف العضوي المشتبك مع قضايا مجتمعه وقضايا أمته.
وكانت العطعوط استهلت كلمتها بالقول: "لغزة الوجع كله والمحبة كلها والعزة.. لم تكنْ غزة يوماً شاطئاً على بحر فقط، بل بحرٌ من التضحية والفداء، ينابيع من الدماء الزكية المتدفقة ومن حولها صحراءُ جرداءُ لا نبتَ فيها ولا زرع.. هي البدء حين نبحث عن الكرامة، والمُنتهى حين نشهدُ انحدار إنسانيتنا واندحارها.. هي غزة التي رفعت رأسها عالياً، حينَ دفنّا رؤوسنا في الرِمالِ، كالنّعام"، طالبة من المبدعين القادمين من عدّة دول عربية، والحضور، الوقوف "دقيقةَ صمتٍ حداداً على أرواح الشهداء، وتحيةً لدمائهم، وتجويعهم، وطفولتهم، وحيواتهم المستباحة".
وإضافة إلى عرض فيلم في ثماني دقائق عن سيرة ومسيرة جمال ناجي، من إنتاج وزارة الثقافة الأردنية، اشتمل على شهادات لمبدعين وأصدقاء خبروه جيّداً، انتظمت الندوة الأولى حوله، بعنوان "جمال ناجي سارداً"، شارك فيها كل من الأكاديمي والباحث والناقد الأردني د. نبيل حداد، والأكاديمي والناقد السعودي د. معجب العدواني، والكاتب والروائي الأردني جمال القواسمي، وقدمتها الأكاديمية والباحثة الأردنية د. ليديا راشد.
وقدّم د. نبيل حدّاد نظرةً شاملة على المساهمات الأدبية للراحل جمال ناجي، مؤكداً على دوره البارز في الأدب السردي العربي منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي وحتى وفاته في العام 2018، مُسلطاً الضوء على التزام ناجي الراسخ بالسرد التقليدي، وإبداعه المُبتكر في بناء شخصيات تمثيلية تتجاوز الهوية الفردية لتُجسّد طبقات اجتماعية أوسع، وتصويره المُتقن للمكان والبيئة كجزء لا يتجزأ من سردياته، مُتتبعاً التطور الأدبي لناجي من خلال رواياته التسع ومجموعاته القصصية العديدة، ومؤكداً على تركيزه الموضوعي على النزوح الفلسطيني، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية في الأردن والعالم العربي، والحالة الإنسانية في ظلّ الاضطرابات السياسية والاجتماعية.
وتناول حدّاد بالتحليل تطوّر أسلوب ناجي من تصوير رومانسي إلى نهج سردي أكثر واقعية وطبيعية، علاوة على استخدامه الماهر لأصوات سردية متعددة، وقدرته على نسج حقائق نفسية واجتماعية معقدة دون الخضوع لأي قيود أيديولوجية.
بدوره، قدّم د. معجب العدواني تحليلاً مقارناً مفصلاً لكل من رواية "الطريق إلى بلحارث" للراحل جمال ناجي، ورواية "ثمانية أشهر في شارع غزة" لهيلاري مانتل، مؤكداً أن رواية ناجي، المكتوبة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كثيراً ما يُساء فهمها على أنها مجرد نقد للمجتمع السعودي، مُعتبراً إيّاها رواية رائدة فتحت آفاقاً جديدة للكتاب العرب والغربيين على حد سواء، مُقارناً إياها برواية مانتل الصادرة في ثمانينيات القرن الماضي، وتُقدم رؤية أكثر تشاؤماً حول مدينة جدّة السعودية، تعكس مخاوف الغرب من وجود الأجانب في المجتمعات الشرقية.
وتمحور تحليل العدواني حول ثلاثة عناصر رئيسة: الإهداء، وعلاقة الراوي بالمكان، ومواقف الشخصيات وحواراتها، مشيراً إلى أن إهداء ناجي يتسّم بطابع إنساني عميق، موجهاً إياه إلى ابنه وأصدقاء ابنه، ناقلاً رسالة أمل واستمرارية، أما إهداء مانتل، فهو أكثر رسمية وحذراً، يعكس بيئة مؤسسية وشعوراً بالتوتر، فيما تختلف علاقات الروايتين بالمكان اختلافاً كبيراً، إذ تتعامل رواية ناجي مع مدينة جدّة وبلحارث بنظرة ثاقبة ومتعاطفة وبتوازن بين الواقع القاسي والمودة، بينما تنظر رواية مانتل إلى جدّة بريبة وسلبية، مركزة على عيوبها ومتجاهلة جمالياتها.
ويُصوَّر "عماد"، الشخصية المحورية لرواية ناجي، منفتحاً ومتصلاً بمجتمعه، يكتب رسائل حب ويُقدّر جمال البشرة الداكنة، ويتجلى ذلك في وصفه المُحترم لخادمة أفريقية، وفق العدواني، أما فرانسيس، "بطلة" رواية مانتل، فهي منعزلة، لا تثق بالآخرين، وتُراقب جيرانها بدقة، مُجسّدةً مخاوف الغرب تجاه الشرق، قبل أن يُسلّط التحليل الضوء على كيفية تمثيل العرق واللون بشكل مختلف في الروايتين، حيث يحتفي عمل ناجي بالتنوع، بينما تعكس رواية مانتل التحيّزات الكامنة.
وتعمّق الكاتب جمال القواسمي في الحديث عن أسلوب جمال ناجي الأدبي وإنجازاته السردية، مؤكداً على قدرته على مزج الفن بالرؤى الإنسانية والاجتماعية العميقة، راصدا بذلك أماكن وأزمنة وهويات متنوعة، عبر تصوير حيّ للتغيرات الاجتماعية والسياسية، مع التركيز بشكل خاص على فلسطين من خلال تقنيات سردية دقيقة، وهو ما برز في أعمال تُعدّ روائع فنية غنية بالأبعاد التاريخية والجغرافية والنفسية والسياسية.
وخلص القواسمي إلى أن جمال ناجي جسّد ببراعة تعقيدات الحياة وتحولاتها الاجتماعية وهويته الثقافية من خلال رواياته وقصصه، مُبرزاً رؤيته السردية الفريدة وتفانيه الفني، داعياً جهات الاختصاص إلى الحفاظ على إسهامات ناجي الأدبية وتعزيزها وتوسيع نطاق تقديرها، مُسلّطاً الضوء على أهمية دمج أعماله في المناهج الدراسية، وإنشاء جوائز باسمه لتكريم الإبداع السردي العربي.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق