كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتتصاعد حدة المجازر والجرائم الإسرائيلية، وتتواصل المجاعة والحصار، بينما ما زالت العمليات العسكرية متصاعدة في شمال القطاع وجنوبه.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من العدوان، منها مشهد تحت عنوان: "مسرحية التوزيع الآمن"، ومشهد آخر يجيب عن تساؤلات حول أسباب استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الأسواق، ومشهد ثالث يرصد توقعات النازحين السوداوية للفترة المقبلة من العدوان الإسرائيلي.
مسرحية التوزيع الآمن
نفذت الشركة الأميركية لتوزيع المساعدات في مناطق جنوب قطاع غزة، ما يشبه المسرحية للتوزيع الآمن للمساعدات، خلال زيارة مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أحد مراكز الشركة المذكورة.
وخلال فترة الزيارة القصيرة لأحد مراكز توزيع المساعدات شمال رفح، انسحبت الدبابات الإسرائيلية من محيط المركز، واختفى القناصة، وزادت كمية المساعدات التي يتم وضعها، وجرى إدخال عدد محدود من المواطنين، الذين تسلموا المساعدة بشكل سلس وغير مسبوق، وهم ليسوا من عامة الناس، الذين جرى إبعادهم عن المركز، ومنعهم من الوصول إلى المنطقة التي يوجد فيها المبعوث الأميركي.
وخلافاً لما يحدث كل يوم، لم يشهد مركز توزيع مساعدات "الطينة"، أي عمليات إطلاق نار، أو رش لغاز الفلفل، طوال فترة وجود البعوث الأميركي.
وأكد مواطنون كانوا قرب المركز، أن المسرحية حدثت في مكان بعيد عن مقر التوزيع الرسمي، وقبل بدء التوزيع بساعة تقريباً، حيث جرى جلب مجموعة من المواطنين لا يُعرف من أين جاؤوا، وجرى تسليمهم صناديق، بينما كان المجوّعون ينتظرون خارج المراكز، حيث يسمح لهم لاحقاً بأخذ الصناديق تحت أزيز الرصاص كما يحدث كل يوم، وما يتخلل ذلك من سقوط عشرات الضحايا.
وأوضح مواطنون، أنه وبمجرد مغادرة المبعوث الأميركي، عادت الأمور إلى ما هي عليه يومياً، إذ تقدمت الدبابات باتجاه النقطة، واعتلى القناصة مواقعهم، وعاد إطلاق نار يُسمع، وتجدد قمع المجوّعين الذين كانوا ينتظرون في الخارج.
وذكر المواطن محمود سلطان أن "ويتكوف"، لم يشاهد عمليات التوزيع الحقيقية، ولم يرَ أياً من المجوعين لسماع شكواهم، ويبدو أن الاحتلال فبرك مراسم الزيارة بطريقة احترافية، تظهر صورة مخالفة تماماً للحقيقة، بما يخدم الرواية الإسرائيلية المُضللة.
وعلّق الصحافي والناشط يوسف فارس على ما حدث قائلاً: "جرى تمثيل مسرحية استعراضية في مراكز توزيع المساعدات الأميركية بحضور مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، توزيع حضاري للمساعدات، من دون قمع وغاز فلفل، من دون إطلاق رصاص وضحايا، من دون تدافع، يُراد اليوم تكذيب آلاف المقاطع المصورة، مسح دماء نحو ١٠٠٠ شهيــد جائع ومئات المصابين في مصائد الإذلال".
وأضاف فارس: "لترتيب المسرح للعرض، حُصر توزيع المساعدات على عائلات مرتزقة قوات ياسر أبو شباب، وأبعد القناصة ودبابات الجيش، وأقيمت مراسم الخديعة التي جاء مبعوث ترامب وقراره المسبق بتصديقها على أنها الحقيقة".
لماذا لم تنخفض أسعار السلع
رغم دخول عشرات الشاحنات التي تحمل كميات كبيرة من المساعدات إلى قطاع غزة، إلا أن المجاعة ما زالت مستمرة، وأسعار السلع والمواد الغذائية ما زالت مرتفعة في أسواق القطاع.
ويعاني السواد الأعظم من المواطنين من وضع غذائي متردّ، ولا تجد غالبية الأسر ما تأكله، بينما تُباع المساعدات، التي كان من المفترض أن تصل للمُجوعين بشكل مجاني، في الأسواق بأسعار باهظة.
وأشار الخبير في الشأن الاقتصادي محمد أبو قمر إلى أن استمرار ارتفاع أسعار السلع، رغم إدخال كميات منها للقطاع، يعود إلى عدة أسباب، أهمها أن ما يدخل يومياً لا يتجاوز 10٪ من احتياجات القطاع الفعلية، وأن دخول الشاحنات المنتظم بدأ منذ 6 أيام فقط بعد 150 يوماً من إغلاق المعابر.
وبيّن أبو قمر أن المشكلة الأكبر تتمثل في أن نفس الفئة تحصل على المساعدات يومياً، ما يؤدي إلى تكديسها وبيعها بأسعار مرتفعة، في حين أن بعض التجار يشترون ويخزنون كميات كبيرة من السلع استعداداً لإغلاق محتمل، وبيعها لاحقاً بأسعار أعلى، ما يجعلهم يحققون أرباحاً باهظة، حتى لو كانت على حساب جوع وآلام الناس.
وحسب الخبير أبو قمر فإن السوق السوداء باتت هي المسيطرة، بعد أن عمل الاحتلال على تدمير السوق الرسمية، لذلك هناك فوضى في السوق، وإخفاء للسلع، وسياسة تقطير مقصودة، تهدف إلى جعل السوق متعطشة للسلع، ويبقى العرض منخفضاً على حساب ارتفاع كبير في الطلب.
ولفت إلى أن المشكلة الأكبر تتمثل في أن الاحتلال ما زال يمنع دخول البضائع التجارية منذ آذار الماضي، ما يعمّق أزمة الندرة، مشيراً إلى أن العامل النفسي يلعب دوراً؛ فالخوف من استمرار الحرب يدفع المواطنين للتخزين والشراء بكثرة، وهذا يبقي الطلب مرتفعاً باستمرار.
لكن أبو قمر توقع أنه فور الإعلان عن وقف إطلاق النار، انهيار الأسعار حتى دون زيادة في عدد الشاحنات.
بينما طالب مواطنون بضرورة العمل على ضبط الأسواق ومنع سياسة الاحتكار، وملاحقة التجار والباعة الذين يقومون بشراء المساعدات المسروقة، وإعادة بيعها في الأسواق، والأهم من ذلك كله العمل على تأمين شاحنات المساعدات، وضمان وصولها إلى مخازن المؤسسات الدولية، ومنع سرقتها أو التعرض لها من قبل اللصوص.
نازحون يخشون الأسوأ
فقد غالبية النازحين المهجرين عن بيوتهم ومدنهم وأحيائهم الأمل في وقف قريب لإطلاق النار، خاصة بعد انهيار جولة المفاوضات الأخيرة، التي استمرت نحو 3 أسابيع، وبات معظمهم يتوقعون الأسوأ، لاسيما في ظل التهديدات الإسرائيلية بتوسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة، وضم مناطق من القطاع لدولة الاحتلال.
وأعرب مواطنون عن مخاوفهم مما قد تحمله الفترة المقبلة من تطورات قد تكون كارثية، تتمثل في شن عدوان أوسع على قطاع غزة، قد يشمل احتلال مناطق جديدة وواسعة.
وقال المواطن ياسر طه، إن انهيار المفاوضات بشكل مصطنع ومفاجئ، وما تبعه من تصريحات أميركية وإسرائيلية سلبية متناغمة، حمّلت حركة "حماس"، المسؤولية عن انهيار المفاوضات، يعني أن هناك شراً يُحاك لقطاع غزة، وأن هناك استعداداً لتوسيع العمليات العسكرية، لكن ربما بطريقة أخرى.
واستبعد طه كلياً حدوث تهدئة قريبة، خاصة في ظل الحديث عن تراجع فرص التوصل إلى صفقة جزئية، وعدم وجود مؤشرات لذلك، ولا أحد يعرف ماذا يخططون لغزة، وما هو شكل العدوان الجديد الذي يمهدون له؟
وأكد أن استمرار المجاعة، والعمل على ترويج أخبار كاذبة بدخول المساعدات بكميات كبيرة، كلها تخدم الدعاية الإسرائيلية، التي تهدف إلى التغطية على الجرائم والمجازر.
بينما قال المواطن عبد الله عمران، إن كل المؤشرات والمعطيات تؤكد أن قطاع غزة ذاهب إلى مرحلة صعبة، فالمعادلة التي وضعتها إسرائيل وأميركا كانت واضحة، إما اتفاق بشروطهم، أو توسيع العدوان، وبما أن الاتفاق فشل، فالخيار الثاني هو المطروح حالياً، وثمة توقعات بأن تكون هناك عمليات إسرائيلية مفاجئة، على غرار ما حدث في مجمع الشفاء الطبي قبل نحو العام.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مصادر أن العملية العسكرية في غزة ستنتقل إلى مرحلة "أكثر تصعيداً إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات".
كما نقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن الجيش سيعمل على إيجاد "تهديد عسكري حقيقي في مناطق معينة، أملاً في أن يدفع ذلك نحو التوصل إلى صفقة جزئية".
وأشارت إلى أنه من المحتمل أن التنسيق يجري حالياً وراء الكواليس بين إسرائيل والولايات المتحدة بهدف زيادة الضغط على حركة "حماس".
0 تعليق