الموسم الأدبي الجديد في فرنسا: رواية العائلة عالمه، والشّهادة عنوانُه - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الموسم الأدبي الجديد في فرنسا: رواية العائلة عالمه، والشّهادة عنوانُه - هرم مصر, اليوم الجمعة 12 سبتمبر 2025 09:26 صباحاً

هرم مصر - نعم، فرنسا تتقلب حاليًا في مجموعة أزمات حكومية وسياسية، وعُرضة لأزمة اقتصادية مالية ومديونية حادة، وأوضاع اجتماعية حرجة؛ لكن فرنسا الثقافة والآداب والفنون على ميقات وبرنامج مختلف، نشيطٍ ومزدهر. هي ككل عام على موعد في مستهل أيلول/سبتمبر مع المتداول تسميته بـ"la rentrée littéraire" مرادف للموسم الأدبي الجديد.

اقتضت البيئة الفرنسية منذ عقود، وبما ترسّخ تقليدًا متواترًا، أن يختص الدخول بفن الرواية، وتحديدًا ما تخرجه المطابع وتبنّته دور النشر من روايات جديدة، لكتاب معروفين غالبًا في الوسط، ولآخرين بأسماء خافتة وإما مواهب ناشئة. أجل، يواكب الرواية إصداراتٍ في النقد الأدبي، ومباحث في العلوم الإنسانية للجامعة الفرنسية رائدة فيها منذ الستينات، وانتظام في الإنتاج، لكن ما تعرضه المكتبات، العامة والخاصة، على السواء، من هذا المنتوج، كما عاينّا هذا وتتبعنا مسلسله، يركز على الرواية، هي مجال السوق ورهان العرض والطلب.

 

غلاف رواية La Nuit au Cœur لنتاشا أباناه. (Gallimard)

 

هو السوق الحَكم، والآحاد من كتبٍ في النقد واللغة والإنسانيات والعلوم الدقيقة، لا يعادل أزيَد من خمسمائة رواية منها 340 لكتاب فرنسيين، والباقي مترجمة عن لغات أجنبية ليس منها ولو واحدة عربية (!). هذا الكمّ من الإنتاج والعدد من الكتاب، وهو جانبُ العرض، يقابله ويوازيه في موسم "الدخول الأدبي" جمهور ينتظر، بتعطّشٍ وشغف، المختص منه والهاوي، لأنه في عمومه من شعب يقرأ، ويشكّل قاعدة عريضة تسمّى في السوق قانون الطلب، ينبغي تلبيتُه. وهذا ما تشرع دو النشر الفرنسية فيه منذ شهر حزيران/يونيو. فبعد أن تكون قد طرحت العناوين المناسبة لقراء فصل الصيف وعطلة شهر آب/أغسطس المقدسة عند الفرنسيين الذين يتبرّمون، بعبارتهم، من "أن يسمرّوا بغباء"، تنتقل إلى توزيع إصدارات الموسم وإرسال الدفعة الأولى إلى المجلات والملاحق الثقافية للصحف ليتفرّغ كتابُها ومحرروها لقراءة مبكّرة تأتي حصيلتُها في حملة تعريفية وإشهارية استباقية توجه للقراء منذ منتصف آب لا ينتهي إلا ورفوف وطاولات المكتبات في جميع المدن، وباريس في القلب، عرَضتها تنتظر المستهلك.

إذا علمنا أنه يوجد في فرنسا عشرة آلاف دور نشر ونيف، تنضوي مجتمعةً داخل خمس مجموعات كبرى (هاشيت، إيديتيس، مادريغال، فلاماريون، وغاليمار) وبدون حساب الدور الصغيرة الجهوية وفي الأرياف، بالوسُع إلى حد تَصوّرُ وتقديرُ حَمِيّة الصراع وحِدّةِ التنافس لتزويد السوق بالأجود كمًّا وكيفًا، وتجاذُب أوثقِ الكتاب وأوْعَدِ المواهب، لحصاد بيعٍ وافر، بالطبع يتراوح بين مليون نسخة للرواية الواحدة لخمسة كتاب من الفئة الرائجة (bestseller) وعشرة آلاف نسخة لأضعف مبيع وليس بالضرورة لهزال المنتوج، لذا لا مقارنة مع الوضع المتواضع جدّاً، المؤسف، للرواية العربية تطبع بين ألفين وخمسمائة نسخة تباع إذا بيعت على مدار عامين، ولا اعتبار لأكاذيب الطبعات المتوالية، وبدون أي احتسابٍ لحقوق المؤلفين.

 

غلاف رواية Kolkhose لإمانويل كارير. (P.OL.)

غلاف رواية Kolkhose لإمانويل كارير. (P.OL.)

 

صراعٌ وتنافسٌ يأخذان قيمةً رمزيةً لأن لهما حلبةً كبرى هي التي يجري فيها النِّزال للفوز وتقاسم الجوائز الأدبية مدارُها جميعُها حول الرواية، جدير بالذكر لا ترشّحها دور النشر وتتحكّم في رقاب مؤلفيها، وإنما تختارها هيئات ولجان الجوائز الكبرى المعتمدة في فرنسا أشهرها أربعة: الغونكور أرفعها والأعرق، رونودو، مديدسيس، الأكاديمية الفرنسية، وفيمينا. يليها عديد جواز إقليمية وجمعيات وأفراد ومقاه شهيرة: le Flore وles Deux Magots. بيد أن القيمة المعنوية ورمزية الفوز سند رئيس للمكوّن المادي، يضمنان مبيعًا يصل مع رواية الغونكور الفائزة إلى 500 ألف نسخة في درجة وسطى في بداية الموسم، أي قبل إصدار كتاب الجيب؛ وتجاوزت المليون مع مارغريت دوراس (1914 - 1996) بروايتها "العشيق" (1984)، وحقق المبيع ذاته قياسيًّا هيرفي لوتليي بـ"L’Anomalie" سنة 2020.

عامنا هذا، بما نشهد واطلعنا عليه، وباستطلاع خاص مع نقاد ومكتبات باريسية مرموقة، فنحن مع موسم أدبي روائيٍّ غنيٍّ ودسمٍ، من ناحية الكمّ الموصوفة أعلاه، وكذلك المحتوى والقيمة الأدبية. نجد فيه أسماء شهيرة ومكرّسة نوثمب، كالعادة، وأبرزها إمانويل كارير يليه خصوصًا ناتاشا أبّاناه إضافة إلى لوران موفينييه. يظهر الثلاثة  فرسان الموسم تعالج نصوصهم وغيرهم/هنّ، بإجماع النقاد ورؤساء تحرير المجلات الأدبية منهم باتيست ليجيي في افتتاحية "Lire Magazine" لأيلول الجاري: "العائلة بكل أوضاعها وتجلياتها تيمة مركزية للمؤلفين" تحضر الأم وتحظى بموقع البطولة فبتذكرها، واسترجاع زمنها، ووصف مسارها وشخصيتها ومواقف التوتر والاختلاف معها إلى حدود القطيعة.

 

غلاف رواية La Maison Vide للوران موفينييه. (Editions de Minuit)

غلاف رواية La Maison Vide للوران موفينييه. (Editions de Minuit)

 

رواية كارير "Kolkhose" عن أمّه المؤرخة هيلين كارير دونكوس هي التمثيل الأجلى للنوع. تنافسه نتاشا أباناه، ذات الأصل الهندي، بروايتها تلفت الأنظار La Nuit au Cœur مستوحاة من قصة واقعية مقتل سيدة على يد زوجها الخارج للتو من السجن وحرقها، يثير هذا الحادث لدى الكاتبة ذكرى قريبة لها عاشت محنة زوجية، ومحنة شبيهة الكاتبة نفسها، كله إذن في إطار العائلة. تتصدر رواية موفينييه La Maison Vide التيمة الغالبة على رواية الدخول الأدبي، باشتغاله على سيرة الأجيال أو العائلة الممتدة فتأتي روايته ضمن م يسمى نوعًا بـsaga familiale أي القصة العائلية الممتدة شبه الملحمية، يصنعها من تفاصيل البيت الذي عاش فيه الآباء ويُحيي بواسطتها الذاكرة. لننبه في هذه العجالة إلى أنه نوع كلاسيكي في الرواية الفرنسية كتبه بقوة إميل زولا في مجموعته الروائية Rougon-Macquard وكذلك روجي مارتان دوغار (1881-1958) في ثلاثيته Les Thibault واسترجع نوع الساغا العائلية توهُّجَه مع الإيطالية إيلينا فيرانتي في رواياتها بالعنوان الكبير "الصديقة الرائعة".

 

غلاف رواية Le nom des rois لشريف مجدلاني. (Stock)

غلاف رواية Le nom des rois لشريف مجدلاني. (Stock)

 

نخلص إلى أن الرواية الفرنسية ما تزال تتحرك في فلك الحميمي، وتُسرَد بطراز السيرة الذاتي  والتخييل الذاتي، وفي موسمها الجديد التقليدي، العائلة محورها والأم عمادُها وصورتها دون أن تنفصل عن العالم وتحدياته، تتقاطع معه أيضًا. وهي في الأخير تُكتب بالأنساق السردية المتوارثة بدون تجريبية تُذكر، الرؤية الواقعية كينونتُها، وأدبُ الشهادة عنوان موسم أدبي.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق