العالم الموازي! - هرم مصر

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العالم الموازي! - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 12:02 صباحاً

هرم مصر - بقلم: عيسى المزمومي

في زمن تتسارع فيه عقارب الساعة وتتداخل فيه مواجع الحياة، برزت أمامنا ظاهرة باتت تفرض نفسها بقوة، تُعرف بـ”العالم الموازي”. هذا العالم ليس مجرد وهمٍ أو خيالٍ عابر، بل هو انعكاس لواقع جديد يتشكل على أنقاض منظومات القيم التي كانت في الماضي حجر الأساس لنهضة المجتمعات واستقرارها!
العالم الموازي هو فضاء يُقيم فيه الإنسان بعيدًا عن منظومته الأخلاقية الأصيلة، وينساق خلف عوالم افتراضية صنعتها التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت تلك العوالم تتحكم في تفاصيل حياته وتوجه سلوكه وعلاقاته. وهنا تبدأ الفجوات في الظهور: فجوة بين الأجيال، فجوة بين الأفراد، وفجوة أعمق بين الإنسان ونفسه. في خضم هذا الانفصال، تتآكل القيم الإنسانية الكبرى: الصدق، والاحترام، والرحمة. إن انحدار الأخلاقيات في هذا العالم الموازي لا يُعزى إلى ضغوط الواقع الخارجي فحسب، بل هو نتاج تحولات داخلية في النفس البشرية ذاتها. فمع الانفتاح على تيارات لا حصر لها من الأفكار والمعتقدات، يجد الفرد نفسه ممزقًا بين إرثه الثقافي والقيمي من جهة، ومتطلبات “المجتمع الجديد” من جهة أخرى. وهنا يصبح التخلي عن المبادئ بحثًا عن القبول الاجتماعي أو وهج النجاح الشخصي أمرًا مألوفًا، بل مبررًا في نظر كثيرين!
تظهر هذه التحولات بوضوح في ثقافة استهلاكية متغوِّلة، حيث تُقدَّم المظاهر على الجوهر، وتُمنح الشهرة أولوية على الكرامة، ويُحتفى بالنجاح السطحي أكثر من العدل والمساواة والإنصاف. في هذا السياق، يغدو الإنسان أسيرًا لفقاعة من الأوهام، يعيش واقعًا براقًا لكنه هش، موازٍ للواقع الحقيقي المليء بالتحديات والمكابدة.
وهنا ينهض سؤال جوهري: كيف يمكن لنا كأفراد ومجتمعات أن نواجه هذا الانحدار القيمي؟ لعل البداية تكمن في العودة إلى الجذور، بإعادة ترسيخ القيم في نفوس الأجيال عبر التربية الواعية، والحوار العابر للثقافات، والتأكيد على أن النجاح لا يُقاس بما نملكه من مظاهر خارجية، بل بما نمنحه من أثر وبما نتركه من خير في حياة الآخرين.
العالم الموازي ليس تهديدًا فحسب، بل قد يكون فرصة فلسفية لإعادة تعريف علاقتنا بالقيم وتجديدها بما يتلاءم مع تحديات العصر. فإذا استطعنا أن نُشيِّد منظومة فكرية جديدة تقوم على التعاطف والاحترام والتعاون، فسنحوِّل هذا التحدي إلى بوابة نحو مستقبل أكثر إنسانية وتوازنًا.
إن مسؤوليتنا اليوم أن نكون حراسًا للقيم وحماةً للمعنى، وأن نعيد تشكيل مفهوم التقدّم بحيث يظل منسجمًا مع جوهر الإنسان، فلا يُلغي إرثه ولا يُقصيه، بل يجمع بين التقاليد والابتكار، بين الأصالة والمعاصرة. وبهذا وحده يمكن أن نصنع عالمًا حقيقيًا، لا يوازي الحقيقة بل يُجسِّدها!

*باحث ماجستير في العلاقات العامة والإعلام.

أخبار ذات صلة

0 تعليق