نحو استراتيجية وطنية لتعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس اللبنانية - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نحو استراتيجية وطنية لتعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس اللبنانية - هرم مصر, اليوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025 08:46 صباحاً

هرم مصر - جبران الخوري* 

أثار نقاش دار مع أحد الاختصاصيين على مواقع التواصل الاجتماعي سؤالاً جوهرياً حول مستقبل التعليم في لبنان: كيف يجب أن نتعامل مع إدخال الذكاء الاصطناعي في المدارس؟ 

لا يخفى أن عدداً غير قليل من المدارس بدأ فعلياً بإدراج الذكاء الاصطناعي كمادة تعليمية أو ضمن برامج الأنشطة، كل حسب اجتهاده الخاص. هذا الواقع يطرح تحديات حقيقية ويؤكد الحاجة إلى خطة وطنية شاملة تضمن أن استخدام هذه التكنولوجيا لا يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل يشمل الأبعاد الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية والعدالة بين الطلاب.

تجارب دول مثل فنلندا وسنغافورة وبريطانيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تظهر أن أفضل النتائج تتحقق حين تُدرج الحكومات الذكاء الاصطناعي ضمن استراتيجيات وطنية واضحة. في هذه الدول، لا يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة تقنية فقط، بل كعنصر حاسم في تنمية مهارات التفكير النقدي، وتحمل المسؤولية، والوعي بالقيم المجتمعية. 

 

تعبيرية.

 

لبنان اليوم بحاجة إلى تبني نهج مماثل، حيث توضع استراتيجية وطنية لإدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، تتولى وزارة التربية أو هيئة وطنية متخصصة مسؤولية تنفيذها، مع ضمان الشرعية والاستمرارية والمحاسبة.

يمكن أن تبدأ هذه الاستراتيجية من الصف الرابع وتتدرج حتى نهاية المرحلة الثانوية. في المراحل الابتدائية، يتعرف التلاميذ على مفاهيم أساسية مثل الأنماط، والقواعد، والخصوصية، والانحياز، مع مشاريع بسيطة تحاكي الواقع وتتيح التفكير في الحالات التي يجب فيها عدم استخدام الذكاء الاصطناعي. في المرحلة المتوسطة، يمكن للطلاب تعلم أساسيات قواعد البيانات، وأنواع الأخطاء، وتدريب النماذج البسيطة، ومناقشة مفاهيم العدالة والتوازن بين المجموعات. في المرحلة الثانوية، يصبح الطلاب قادرين على التعامل مع الخوارزميات، والاحتمالات، وتقييم النماذج، وتنفيذ مشاريع تطبيقية تتطلب مراجعة أخلاقية، مع التركيز على التأثير المجتمعي والوعي الإعلامي.

الاساتذة يشكلون حجر الزاوية في نجاح أي استراتيجية. يحتاجون إلى تدريب منظم على مستويات متعددة: دورات أساسية لجميع المعلمين، وتدريب متخصص لأساتذة العلوم والإنسانيات، وبرامج متقدمة لمسؤولي تكنولوجيا المعلومات. إضافة إلى ذلك، يجب توفير مكتبة موارد، ودعم يومي عبر شبكة معلمين، ومنصات لتبادل الخبرات والحلول العملية.

البنية التحتية للمدارس عنصر لا يقل أهمية. يشمل ذلك توفر أجهزة كافية، وإنترنت آمن، وأدوات وبرمجيات معتمدة تراعي الخصوصية، مع حلول منخفضة التكلفة للمدارس الأقل تجهيزاً، مثل البرمجيات التي تعمل دون اتصال بالإنترنت أو مشاركة الأجهزة بين الطلاب. كما يجب وضع بروتوكولات للأمن السيبراني، لضمان حماية البيانات والاستجابة السريعة لأي خرق محتمل.

التقييم يجب أن يجمع بين الجوانب التقنية والأخلاقية، من خلال قياس وعي الطلاب بالانحياز، وقدرتهم على الاستشهاد بالمصادر، والتفكير النقدي في حدود استخدام الذكاء الاصطناعي. كما يمكن اعتماد ملفات إنجاز ترافق الطالب طوال سنوات دراسته لتوثيق تطوره، مع منع استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم الامتحانات الحاسمة، وتطبيق سياسات إصلاحية في حالات الانتحال أو الغش.

الاستراتيجية يجب أن تتضمن آليات متابعة واضحة ومؤشرات أداء تقيس الوصول والجودة والأمان والمساواة، مع نشر تقارير سنوية شفافة ومراجعات مستقلة لضمان المحاسبة. بالإضافة إلى ذلك، يجب وضع شروط واضحة للشركات المزودة للأدوات التعليمية، تشمل دعم اللغة العربية، وحماية البيانات، ومنع الإعلانات والتتبع، وضمان إمكانية الفصل عن النظام عند الحاجة.

الشراكة مع الأهالي والمجتمع أمر أساسي لنجاح الاستراتيجية. يجب تزويد الأهل بدليل مبسط حول الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي، وحقهم في المشاركة والاعتراض عند الضرورة. كما يجب نشر ميثاق حقوق التلاميذ في كل مدرسة، مع آلية سهلة لتقديم الشكاوى والاعتراضات.

التمويل يجب أن يكون واضحاً ومستداماً، مع مزيج من الدعم الحكومي ومنح خارجية أو برامج المسؤولية الاجتماعية، مع تجنب أي تبعية للشركات المزودة. ويُستحسن الاعتماد على الموارد التعليمية المفتوحة لضمان الاستقلالية على المدى الطويل.

ختاماً، إن إدخال الذكاء الاصطناعي إلى المدارس اللبنانية ليس مجرد إضافة مادة جديدة، بل هو مشروع وطني متكامل يهدف إلى إعداد جيل قادر على التعامل مع هذه التكنولوجيا بوعي ومسؤولية وعدالة. إذا نجح لبنان في تبني هذه الاستراتيجية، فسيصبح الذكاء الاصطناعي أداة في خدمة الإنسان، وليس العكس، وسيكون الطلاب مستعدين لمواجهة المستقبل بثقة ومسؤولية.

 

 *خبير في إدارة الاتصالات

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق