توقف الحرب الروسية الأوكرانية والبترول - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يُشكّل النفط شريان الاقتصاد العالمي ومرآةً حساسة للمخاطر الجيوسياسية. وقد أدّت الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا -أحد أكبر المصدّرين عالمياً - إلى إعادة تشكيل مسارات التجارة، واتساع الخصومات على خامات الأورال (روسيا)، وارتفاع «علاوة المخاطر» في الأسعار. فماذا لو توقفت الحرب ورُفعت العقوبات؟ كيف ينعكس ذلك على سعر خام برنت، وسعر خام غرب تكساس، وعلى المشتقات النفطية عموماً؟.
بداية سيكون أول التأثير المباشر بعودة الإمدادات الروسية بكفاءة أعلى، حيث إن إزالة القيود على المدفوعات، التأمين، والناقلات، وتخفيف القيود على التسعير تعني زيادة فعلية في المعروض المتاح، وتقليص الفاقد اللوجستي. كما أن الخصم على خام الأورال سيتقلص مقابل خام برنت مع عودة المشترين الأوروبيين، ما يدفع الأسعار العالمية للهبوط نسبياً لكن مع تقارب الفوارق بين الخامات.
أيضاً من المتوقع أن تتحسّن لوجستيات التجارة حيث أن انخفاض تكاليف الشحن وتقصير المسافات (عودة تدفقات روسيا إلى أوروبا بدل الرحلات الطويلة إلى آسيا) يقلّص كلفة «أطنان-ميل»، ويخفض أجور النقل والتأمين، فينعكس ضغطاً نزولياً على سعر التوصيل. كما أن تراجع احتمالات التعطّل المفاجئ أو التصعيد العسكري يخفض علاوة الأمان المضمّنة في الأسعار الآجلة والفورية، وبالتالي يتراجع مستوى برنت المرجعي مقارنة بذروة التوتر.
وكذلك ستشهد إمدادات المشتقات (خصوصاً الديزل) تحسّناً حيث إن رفع القيود على صادرات المنتجات النفطية الروسية- وهي لاعب محوري في سوق الديزل -يساعد على تبريد علاوات تكرير المشتقات، ويقلّ ضغط الطلب على الخام عالي الديزل. أيضاً ستعتمد هذه الآثار على ديناميكيات «أوبك+» وردّ الفعل، فروسيا ركن أساسي في «أوبك+» وعودة براميلها إلى القنوات التقليدية قد تضغط الأسعار نزولًا.
في المقابل، قد تعدل «أوبك+» حصص الإنتاج لامتصاص الزيادة وحماية نطاقٍ سعريّ مفضّل، ما يحدّ من الهبوط المفرط ويحافظ على توازن السوق. وبالتالي فإن التزام روسيا بأي تخفيضات جديدة سيكون عاملاً حاسماً في قوة الأثر السعري.
أما عند عن الحديث عند الآثار غير المباشرة، فيتوقع أن يرتفع الطلب الأوروبي بعد انتهاء الحرب وينعش الثقة والنشاط الصناعي في أوروبا، ما قد يرفع الطلب على الطاقة تعويضاً جزئياً لأثر زيادة المعروض وبالتالي سيكون هنالك انسياب في الخامات الملائمة لمواصفات المصافي الأوروبية يحسّن كفاءة التكرير وهوامشها ويخفّض تقلبات السوق. كما سيترتب على تراجع علاوة المخاطر الحدّ من حالة الBackwardation (أي تفوّق الأسعار الفورية على الآجلة)، وقد يؤدي إلى اعتدال منحنى الأسعار أو حتى إلى ميلٍ طفيف نحو تفوق الأسعار الآجلة ال Contango في حال ارتفاع المخزونات.
أما عند الحديث عن سيناريوهات الأسعار والتقديريات الإرشادية فيتوقع في الأجل القصير أن يضغط سعر خام برنت بنحو 5-10% مقارنة بمستوياته قبل الاتفاق، مع تراجع التقلب. أما في الأجل المتوسط فإذا خفّضت «أوبك+» الإنتاج جزئياً، قد يستقر برنت ضمن نطاق أدنى من السابق بنحو 3-8%، مع تقارب فروق التسعير بين الخامات وتراجع علاوات الديزل.
وفي الأجل الطويل يتحدد المسار بتوازن ثلاثي وهو سياسات «أوبك+»، نمو الطلب العالمي، واستثمارات مناطق الإنتاج. ومن ثم استمرار الانضباط الاستثماري قد يمنع هبوطاً حاداً، ويُبقي الأسعار في نطاق «توازني» داعم للإنفاق الرأسمالي. وأخيراً من الرابح ومن المتضرّر نسبيا؟ فإن الرابحون هم المستهلكون والمستوردون الصافون (أوروبا، آسيا النامية): أسعار واردات أقل، واستقرار في تكاليف النقل. ثم المصافي الأوروبية ثم شركات الشحن.
والمتضررون نسبياً فهم المنتجون ذوو الكلفة الأعلى خارج أوبك ثم ناقلات الخام بعيدة المدى، وأخيراً بعض بنود الميزانيات الحكومية في الدول المعتمدة على سعر نفط مرتفع لتمويل الإنفاق
في الختام ورغم أن ما يلوح في الأفق لا يوحي بقرب توقف هذه الحرب بين الروس والأوكرانيين إلا أن توقفها ورفع العقوبات عن روسيا يُرجَّح أن يخفض علاوة المخاطر ويزيد فاعلية المعروض، ما يدفع أسعار البترول للانخفاض المعتدل مع تراجع التقلب وتقارب فروق التسعير بين الخامات. لكن قدرة «أوبك+» على مواءمة الحصص واستجابة الطلب الأوروبي/العالمي ستحدد إن كان الهبوط مرحلياً محدوداً أم تحوّلاً بنيوياً نحو نطاقٍ سعري أدنى بشكلٍ مستدام وهو مالا نتوقع حدوثه في ذلك الوقت.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق