مع استمرار حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطع غزة، تم تسجيل حالات مرضية كانت تعتبر نادرة، ولكنها مع حرب التجويع وغياب الرعاية الصحية أصبحت تظهر وتنتشر.
أحد هذه الأمراض هو متلازمة غيلان باريه، والذي يعرف أيضا باسم الشلل الرخو. كما شهد القطاع الإصابة بمرض "كواشيوركور". ايضا يسجل القطاع انتشارا لأمراض جلدية "نادرة ومعقدة"، حيث يُفاقم نقص المياه والغذاء وخدمات الصرف الصحي، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة، انتشار أمراض مثل القوباء والجرب، وفق لتقرير في التلغراف.
ومرض كواشيوركور نوع من نقص التغذية الحاد الناتج عن نقص البروتين والطاقة. ويعاني الأشخاص المصابون به نقصا حادا في البروتين، إضافة إلى بعض المغذيات الدقيقة الأساسية.
يسبب نقص البروتين الحاد احتباس السوائل في الأنسجة (الوذمة)، وهو ما يميز مرض كواشيوركور عن أشكال سوء التغذية الأخرى. قد يبدو المصابون بمرض كواشيوركور نحيفين في أطرافهم، ولكنهم قد يعانون من تورم في أيديهم وأقدامهم ووجههم وبطنهم. يمكن أن يكون انتفاخ البطن النموذجي لمتلازمة كواشيوركور مضللا للأشخاص الذين يعانون بالفعل سوء التغذية الحاد.
رغم أن عديدا من أشكال نقص التغذية، وكذلك سوء التغذية، يمكن أن تظهر في شكل بطن كبير مميز، فإن كواشيوركور هو الشكل الأكثر شيوعا لسوء التغذية الذي يظهر هذا العرض.
لفهم سبب ذلك، من المهم معرفة أن انتفاخ البطن في حالات سوء التغذية لا يعود إلى تراكم الدهون، بل إلى احتباس الماء وتراكم السوائل في الجسم، مما يؤدي إلى تمدد البطن، ومن ثم انتفاخه.
أمراض الجلد شديدة العدوى
وتقول الجمعيات الخيرية الطبية إن أمراض الجلد شديدة العدوى في غزة تزداد حدةً وانتشارًا بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك سوء الصرف الصحي، وحرارة الصيف، وأوامر التهجير العسكرية المتكررة التي تُعطل العلاج.
على الرغم من أن التهابات الجلد الناتجة عن البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات، مثل القمل، تصيب البالغين والأطفال، إلا أن الشباب وضعاف المناعة هم الأكثر تضررًا.
إعلان
سجّلت جمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP) في أغسطس مئات الإصابات الجلدية لدى الأطفال في أربع عيادات فقط.
وتُظهر صورٌ نُشرتها التلغراف حالاتٍ حادة من القوباء الفقاعية، وهو مرض جلدي بكتيري شديد العدوى يتميز بظهور بثور كبيرة مليئة بالسوائل. عادةً ما يُمكن الوقاية منه باتباع إجراءات النظافة الجيدة والمضادات الحيوية الموضعية، ولكنه قد يُصبح مُهددًا للحياة إذا تُرك دون علاج، مُسببًا التهاب النسيج الخلوي وتلف الكلى والتندب.
تُظهر صور أخرى أطفالًا يُعانون من الجرب، وهو مرض جلدي تُسببه سوسات صغيرة تحفر في الجلد وتُسبب طفحًا جلديًا شديدًا.
تُشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه مشكلة صحية عامة تُؤثر على جميع الأعمار والفئات الاجتماعية والاقتصادية في غزة.
يقول المسعفون إن الحكة والألم، اللذين يتفاقمان بسبب ارتفاع درجات الحرارة، قد يكونان شديدين.
الالتهابات الجلدية
مع محدودية الوصول إلى المياه والصرف الصحي، يقول الخبراء إن معدل الإصابة بالالتهابات الجلدية في ازدياد سريع.
النظافة شبه مستحيلة في مخيمات النازحين الكثيرة في غزة. لا يتوفر سوى مرحاض واحد لكل 700 شخص، وفقًا لبيانات من عمليات الحماية المدنية والمساعدات الإنسانية الأوروبية، وهي جناح تابع للاتحاد الأوروبي.
قالت منظمة أطباء بلا حدود إن محدودية الوصول إلى المياه النظيفة في غزة تسببت أيضًا في ارتفاع معدلات الأمراض الجلدية.
واتهمت المنظمة الخيرية الطبية إسرائيل الشهر الماضي بحرمان سكان غزة عمدًا من المياه، من خلال منع استيراد أنظمة سلامة المياه الأساسية. وأضافت أنه لم تتم الموافقة إلا على طلب واحد من كل عشرة طلبات لاستيراد مواد تحلية المياه منذ يونيو/حزيران 2024.
تُفاقم أكوام القمامة ومياه الصرف الصحي المنتشرة في جميع أنحاء القطاع من سرعة انتشار الأمراض.
كما ألحقت حملة القصف المتواصلة أضرارًا متكررة بالبنية التحتية الأساسية للمياه في القطاع. ومن بين 196 محطة تحلية مياه تُديرها جمعيات خيرية ومنظمات غير ربحية في غزة، فإن أكثر من 60% منها معطلة، وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود.
وقالت فيرجينيا مونيتي، مسؤولة مشروع الطوارئ الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في غزة، إن العدوى مرتبطة أيضًا بالنزوح المستمر للسكان.
قالت لصحيفة التلغراف: "يزداد الحصول على الرعاية الصحية صعوبةً مع وجود المرافق الصحية في المناطق التي تُصدر فيها أوامر إخلاء أو تُستهدف بشكل مباشر".
وفقًا للأمم المتحدة، نزح ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص – أي حوالي 90% من سكان غزة – خلال الحرب. وأضافت أن لكثيرين هُجّروا من ديارهم عشر مرات أو أكثر.
وقال جمال سليم، أخصائي الصحة المجتمعية في منظمة العون الطبي للفلسطينيين، لصحيفة التلغراف: "يمكن أن تؤدي التهابات الجلد غير المعالجة إلى خراجات، والتهاب النسيج الخلوي، وفي الحالات الشديدة، التهابات جهازية".
وأضاف: "يُصاب بعض الأطفال أيضًا بندوب أو تلف جلدي طويل الأمد، خاصةً في حالة عدم توفر الأدوية".
ويقول الخبراء إن نقص الغذاء يزيد من تفاقم المشكلة. حيث يؤكد سليم إن ارتفاع مستويات سوء التغذية يعني أن المرضى يكافحون للشفاء من الأمراض الجلدية لأن العديد منهم يعانون من "ضعف المناعة".
المجاعة
وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الأربعاء، تسجيل ست حالات وفاة جديدة بينهم طفل بسبب المجاعة وسوء التغذية في القطاع خلال الـ 24 ساعة الماضية.
إعلان
وقالت الوزارة في بيان:"يرتفع بذلك عدد ضحايا المجاعة إلى 367 شهيدا ، من بينهم 131 طفلا "، مشيرة إلى أنه منذ إعلان تصنيف المجاعة في قطاع غزة بتاريخ 22 أغسطس/ آب الماضي ، سجلت 89 حالة وفاة، من بينهم 16 طفلا.
وكانت الوزارة أكدت أن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مستمرة بالتفاقم في ظل الحصار ونقص الإمدادات الغذائية والطبية، مجددة دعوتها للمجتمع الدولي ومؤسسات الإغاثة للتدخل الفوري والعاجل.
وقالت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة إنها استنفدت مخزونها من الإمدادات الطبية الأساسية التي تشتد إليها الحاجة في غزة للتعامل مع زيادة حالات الإصابة بمتلازمة نادرة تسبب الشلل في القطاع الفلسطيني.
وذكرت المنظمة أن 10 أشخاص توفوا من بين 94 حالة إصابة موثقة بمتلازمة غيلان باريه في غزة منذ يونيو حزيران، على الرغم من أن هذه المتلازمة كانت نادرا ما تُسجل في القطاع قبل بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
ومتلازمة غيلان باريه هي حالة نادرة يهاجم فيها الجهاز المناعي الأعصاب الطرفية. وتقول منظمة الصحة العالمية إن حالات الإصابة الشديدة منها قد تؤدي إلى شلل شبه كامل ومشكلات في التنفس.
وأضافت المنظمة أن الوفيات شملت أربعة أطفال دون سن 15 عاما وستة مرضى أكبر سنا يبلغ متوسط أعمارهم 25 عاما، مشيرة إلى أن اثنين من المتوفين لم يتلقيا أي علاج مما يعكس نقصا حادا في إمدادات العلاج الضرورية.
ورغم أن متلازمة غيلان باريه يمكن علاجها عادة، تقول منظمة الصحة إن نقص بعض الإمدادات الطبية يعرقل جهودها العلاجية.
وأضافت "الجلوبيولين المناعي الوريدي، وهو العلاج الأول الذي تقدمه وزارة الصحة (في غزة) لعلاج متلازمة غيلان باريه، ومرشحات فصل البلازما لا تزال غير متوفرة، وهو ما يترك المرضى المشتبه بإصابتهم دون خيارات علاجية".
وتتمثل عملية فصل البلازما في سحب بلازما الدم أو مكوناتها ومعالجتها ثم إعادتها أو استبدالها ضمن الدورة الدموية.
وقالت المنظمة إن ارتفاع حالات الإصابة بمتلازمة غيلان باريه يعود في المقام الأول إلى التهابات في الجهازين الهضمي والتنفسي مرتبطة بشكل وثيق بتدهور أوضاع المياه والصرف الصحي والنظافة.
وقال المتحدث باسم منظمة الصحة كريستيان ليندماير للصحفيين في جنيف "بالنظر إلى حالة الصرف الصحي والمياه والوضع الصحي… فإن الظروف مهيأة لأي عدوى".
وذكرت المنظمة أن الاكتظاظ السكاني وضعف المناعة بين السكان، إضافة إلى تزايد حالات سوء التغذية، كلها عوامل تساهم في الإصابة بالمتلازمة.
وذكر تقرير صادر عن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مرصد عالمي لمراقبة الجوع، أن نحو 514 ألفا أي ما يقرب من ربع سكان غزة يواجهون ظروف المجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها.
وأوضحت المنظمة أنه رغم تحسن أعمال الرصد، فإن القدرة على التشخيص لا تزال محدودة إذ تُرسل عينات مصل الدم من الحالات المشتبه بإصابتها بالمتلازمة في مستشفيات غزة إلى الخارج لإجراء الفحوصات.
والشهر الماضي قال المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة الدكتور منير البرش إن المياه الملوثة هي المسبب الأساسي لمرض متلازمة "غيلان باريه"، مؤكدا أن علاج هذا المرض غير متوفر بالقطاع.
وأوضح البرش -في حديث للجزيرة- أن هذا المرض الفيروسي يبدأ بفقدان مفاجئ للقدرة على تحريك العضلات، مبينا أنه يبدأ بالساقين ثم يتصاعد نحو الأعلى ويصيب الأطفال بشكل خاص.
وفي وقت سابق اليوم الاثنين، أعلنت وزارة الصحة في القطاع تسجيل 3 وفيات بمتلازمة "غيلان باريه" نتيجة التهابات غير نمطية وتفاقم سوء التغذية الحاد في القطاع.
وأكد البرش أن الوزارة حذرت منذ فترة من انتشار الأمراض، كما أبلغت منظمة الصحة العالمية منذ ظهور "غيلان باريه" بين سكان غزة، متحدثا عن موت بالجملة لجميع الفئات إما بالقصف المباشر أو القتل في مراكز المساعدات وغيرها.
إعلان
وكشف أن الأمراض تنهش الأطفال في ظل "موت بالجملة"، ولفت إلى انتشار الأمراض المعدية وأمراض الجهاز التنفسي.
وضع كارثي
وفي 12 أغسطس الماضي أصدرت الأمم المتحدة تحذيرا بأن النظام الصحي في غزة "كارثي" مع اكتظاظ المستشفيات ونفاد الأدوية.
وفي بيان الأمم المتحدة صرح الدكتور ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بأن أقل من نصف مستشفيات غزة وأقل من 38% من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل جزئيًا – أو تعمل بمستويات دنيا.
وقال الدكتور بيبركورن للصحفيين في جنيف، متحدثًا من القدس: "يستمر النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وقد تفاقم، حيث وصل مخزون 52% من الأدوية و68% من المستلزمات الطبية إلى الصفر".
وبلغت حالات التهاب السحايا المشتبه بها 452 حالة بين يوليو وأوائل أغسطس، وهو أعلى رقم منذ بدء حرب الإبدة الإسرائيلية. كما ارتفعت متلازمة غيلان باريه، وهي اضطراب نادر يصيب ما بعد العدوى، بشكل حاد، حيث سُجِّلت 76 حالة مشتبه بها منذ يونيو.
أكد الدكتور بيبركورن أن علاج هاتين الحالتين أصعب بسبب "انعدام مخزون" الأدوية الحيوية، بما في ذلك الغلوبولين المناعي الوريدي ومضادات الالتهاب.
وأشار الدكتور بيبركورن إلى أن المسعفين الدوليين يواجهون رفضًا للدخول، بينما لا تزال المواد الأساسية مثل معدات العناية المركزة وأجهزة التخدير وإمدادات سلسلة التبريد محظورة.
0 تعليق