نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بالورقة والقلم.. طوفان الأقصى و(700) يوم من النجاحات! #عاجل - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 12:10 مساءً
كتب كمال ميرزا -
من باب الابتعاد عن "النظرة الصفريّة" كما يحثّنا دائماً "العقلانيّون" و"الموضوعيّون" و"الورديّون" و"الملوّنون"، والبحث عن صيغة "رابح - رابح"، والنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس.. بعد (700) من إنطلاق معركة "طوفان الأقصى" المباركة، وحرب "الإبادة والتهجير" المُمنهجة التي تلتها، يا ترى ما هي أهم النجاحات التي استطاع كلّ طرف من أطراف الصراع تحقيقها؟!
بالنسبة للكيان الصهيونيّ، فإنّ أكبر نجاح استطاع قادته وزعماء عصابة حربه تحقيقه هو تطبيع مَن يُسمّون مواطني إسرائيل، سواء أكانوا مدنيّين، أو عسكريّين نظاميّين واحتياط، أو مستوطنين، أو "حيريديم".. تطبيعهم مع فكرة أنّهم شأنهم شأن مواطني أي "دولة" أخرى في العالم: مجرد عوام، جموع، دهماء، سوقة، مادة استعماليّة ليس لها وزن أو ديّة، لا هم، ولا أسراهم الذين يُفضّل أن يموتوا كي لا يكونوا ورقة في يد الخصم، ولا جنودهم الذين يمكن أن يُقتلوا لنفس السبب باسم القانون (ما يُسمّى قانون هنيبعل).
أمّا فكرة "شعب الله المختار"، وفكرة "التفوّق اليهوديّ"، وفكرة صهيون/ الفردوس الأرضيّ"، وفكرة "واحة الديمقراطيّة وسط محيط متخلّف".. فهي جميعها محض أوهام وخرافات وأكاذيب دعائيّة مصممة للضحك على الذقون، وتسخير ما يُسمّى يهود الشتات (وبخاصة يهود أوروبا) كـ "جماعة وظيفيّة" من أجل خدمة "المشروع الصهيونيّ" الماديّ العلمانيّ المنبثق عن المشروع الرأسماليّ الإمبرياليّ الغربيّ والمتحالف معه.
و"السلام" و"الازدهار" الموعودان جرّاء كلّ ما يحدث عنوانهما الحقيقيّ قلّة عابرة للقوميّات والأديان والجنسيّات من الصهاينة/ الرأسماليين/ أرباب المال والأعمال اليهود والمسيحيّين والمسلمين والعرب والعجم الذين تربطهم شبكة مصالح ماديّة واحدة، ويمثّلون فعليّاً "مِلّةً" واحدة، ويمتلكون ويحكمون ويتحكّمون.. في مقابل أكثريّة من "المواطنين" المقموعين بسيف "الدولة الحديثة" وسيادتها وسيادة قوانينها، والذين رغم اختلافاتهم وخلافاتهم الظاهريّة إلّا أنّ لهم في واقع الأمر جوهراً واحداً، ويعيشون نمط حياة واحد، وعبيد لنفس النظام الرأسماليّ الواحد الذي يمتصّ أعمارهم وعافيتهم ويسلبهم فائضهم ومُلكيّاتهم، وجلّ همّ واحدهم (مع اختلاف في الدرجة وليس في النوع) أن يصل لآخر الشهر، ويؤمّن تكاليف معاشه هو وأسرته، ويؤدّي رسومه وضرائبه، ويسدّد فواتيره وغراماته وأقساط ديونه!
نفس الكلام ينطبق على الدول الغربيّة، وتحديداً أمريكا، والتي نجحت في تطبيع شعوبها مع فكرة قمع الدولة وعسف السلطة، وأن تزيح عن كاهلها عبء مقولات مثل "الحريّة" و"الديمقراطيّة" و"حكم الأغلبيّة" و"سيادة القانون" و"حقوق الإنسان" و"الفردانية" و"الرفاه الاجتماعيّ".. الخ، باعتبارها جميعها كذبات مُقحمة على أصل الحضارة الغربيّة (حضارة الرجل الأبيض العنصريّ الدمويّ المتفوّق)، ومُقحمة على أصل النظام الرأسماليّ الذي لا يعرف سوى "النمو الخطيّ" السرطانيّ، والتنافس والتناحر والصراع الماديّ الداروينيّ النيتشويّ الميكافيلليّ الشرس.
أمّا تبنّي الدول الغربيّة لهذه القيم، أو ما تُسمّى تزويقاً وتنميقاً "قيم الحداثة"، فقد كان حاجة اضطراريّة اقتضتها المصلحة خلال فترة تاريخيّة معيّنة من أجل تجميل وجه النظام الرأسماليّ الصاعد، سواء في صراعه مع النظام الإقطاعيّ الأسبق، أو لكي لا تكون قيم ونماذج أخرى كالاشتراكيّة والشيوعيّة بديلاً برّاقاً في عيون الشعوب الغربيّة المكتوية بنيران استغلال واستعباد أرباب العمل ورأس المال.
وما بعد انهيار الكتلة الشرقيّة ودخولنا رسميّاً مرحلة ما تُسمّى "العولمة"، والتي هي في جوهرها "أمركة"، أي تعميم النموذج الرأسماليّ الأمريكيّ، طوعاً أو كرهاً، على بقية مناطق ودول العالم.. ما عادت الرأسماليّة مضطرةً للتمويه وتجميل نفسها وإخفاء وجهها القبيح!
وبحسابات السوق وقوانينه، فإنّ الحريّة والرفاه وحقوق الإنسان (بما في ذلك حقوق العمّال) تُحمّل أصحابها نفقات وتكاليف إضافيّة تُضعف من موقفهم التنافسيّ في مواجهة قوى اقتصاديّة صاعدة تدخل المنافسة العالميّة متحلّلة من هذه الأعباء مثل الصين والهند وإلى حدّ كبير روسيا.
بالنسبة للأنظمة العربيّة والإسلاميّة فإنّ أكبر نجاح استطاعت تحقيقه خلال "الطوفان" هو تطبيع تخاذلها وخيانتها وعمالتها، وانسحاقها التام أمام الأمريكيّ والصهيونيّ، وتبعيّتها المطلقة للأول، وتماهيها المُطلق مع الثاني!
خيانة وعمالة الأنظمة العربيّة لم تعد "تهمة" تُوجّه أو "حكم قيمة" يصدر بحقّ هذا النظام أو ذاك.. بل أصبحت الخيانة والعمالة بمثابة مُسلّمة، والأصل في الأمور، وطبيعة الأشياء، وحقيقة مُعطاة (given fact) على طريقة "هاظ إلّي إجاكو"!
نجاح الأنظمة العربيّة في تطبيع خيانتها وعمالتها، متذرعةً للغرابة بحجج وطنيّة وقوميّة ودينيّة، لم يمنحها فقط المزيد من القدرة على إخضاع شعوبها، وقمعها، وتكميم أفواهها، خاصة الأصوات المناهضة للعدو الصهيو-أمريكيّ/ المؤيدة للمقاومة، وممارسة الأقليّة و"النخبة" الفساد المُقونن والسلب المُمنهج بأريحيّة تامّة تحت غطاء "الشرعيّة" التي يمنحها إياها العدو كمكافأة لها نظير "الأدوار الوظيفيّة" التي تقوم بها.. بل إنّ هذا النجاح قد جعل الأنظمة العربيّة أكثر جرأةً ووقاحةً في التعبير عن وقوفها إلى جانب العدو، ومناصبتها المقاومة وسلاح المقاومة وثقافة المقاومة العداء جهاراً نهاراً!
من هنا مثلاً يأتي إحجام هذه الأنظمة عن الإتيان بأي تحرّك فعليّ وحقيقيّ على الأرض (رغم الجعجعة والبعبعة الخطابيّة)، والوقت الذي تبيعه لعصابة الحرب الصهيونيّة من أجل إتاحة الفرصة أمامها لإكمال "مهمّتها" القذرة وفرض "أمر واقع" جديد، ورفضها قطع علاقاتها مع الكيان الصهيونيّ، ورفضها الاعتراف بفصائل المقاومة الفلسطينيّة كحركات تحرّر وطنيّ مشروعة!
بالنسبة لما تُسمّى "السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة" فإنّ أكبر نجاح استطاعت تحقيقه، وفي زمن قياسيّ مقارنةً ببقيّة الدول العربيّة، وبمساعدة "كمبردور" البنوك والتجّار والمستثمرين ورجال الأعمال والغزو الناعم لما تُسمّى "منظمات المجتمع المدنيّ".. هو تخنيث مجتمع الضفّة الغربيّة وتجريفه، وإحلال ثقافة البيع والشراء، وثقافة أكلَ.. شربَ.. نامَ.. تكاثرَ.. مكان ثقافة المقاومة وإرادة المقاومة.. وإرساء واقع عمليّ على الأرض يمهّد لتسليم الضفّة "تسليم مفتاح" إلى العدو الصهيونيّ!
وبالنسبة لنا كشعوب عربيّة فإنّ أكبر نجاح استطعنا تحقيقه هو تعزيز قدرتنا على نفاق أنفسنا، وتقبّل ذلك الانفصام والانفصال الحاصل بين ما نقول وما نفعل، وبين ما نؤمن به في قرارة أنفسنا وسلوكنا الفعليّ على أرض الواقع.. وصقل مهارتنا في أن "نفتيها" لأنفسنا متى أردنا، وحسب الطلب، تارةً باسم الوطنيّة والولاء والانتماء، وتارةً باسم الدين وطاعة أولياء الأمر، وإذا استفلسنا فباسم الإحساس بالعجز وانعدام الحيلة واللاجدوى واللامبالاة!
إلى هنا لا بدّ وأن يُطرح سؤال: وماذا عن المقاومة؟ ما هو النجاح الذي استطاعت تحقيقه؟ وما هي الفائدة المرجوّة والأفق المتاح بعد كلّ هذا القتل والدمار والتشريد والتجويع؟!
بدايةً، الذين يؤمنون حقّاً بالمقاومة وثقافة المقاومة لا يحسبون الجدوى والفائدة والإنجاز بالورقة والقلم والدرهم والدينار.
الذين يؤمنون بالمقاومة يُفترض أنّهم يتبنّون معايير أخلاقيّة غير المعايير الماديّة البحتة من أجل تقييم ما فعلوه وما يفعلونه وما ينبغي عليهم فعله!
كلمات مثل الشرف والكرامة والتضحيّة والفداء والبطولة والتحرير والاستقلال.. هي بالنسبة لهؤلاء مقولات مُلزِمة ومُنتجة لآثارها.
وفي حالة الذين يعتنقون المقاومة لمنطلقات دينيّة وشرعيّة يُضاف للمقولات أعلاه معايير أخرى مثل: الحلال والحرام، الثواب والعقاب، الجهاد، الفرض، طاعة الله، الشهادة، البعث، الحساب، الجنّة والنار.
ومع هذا، حتى لو حسبناها بالورقة والقلم، فإنّ المقاومة ممثّلة بحاضنتها الشعبيّة ومقاتليها وهياكلها التنظيميّة قد استطاعت تحقيق النجاحات التالية:
أولاً: إعادة إحياء "القضية الفلسطينيّة" التي أوشكت أن تضمحل وتصبح نسياً منسيّاً، ومنحها روحاً جديدةً وزخماً جديداً لجيل أو جيلين قادمين على الأقل (بغض النظر عن مآلات هذه الجولة من الصراع).
ثانياً: زيادة فداحة الثمن الذي اضطر العدو لدفعه من أجل تنفيذ مخطّطاته المرسومة والمُعدّة سلفاً، والتي جاء "طوفان الأقصى" كضربة استباقيّة من أجل إرباكها وبعثرة أوراقها وتعطيل غاياتها.
ثالثاً: التسريع في نهاية الكيان الصهيونيّ بصيغته الحاليّة كـ "كيان وظيفيّ" أوجده الغرب لخدمة مصالحه، وشيئاً فشيئاً تغدو كلفة الإبقاء على هذا الكيان وإدامته وحمايته أكبر كثيراً من وظيفته والفائدة المتحقّقة منه.
رابعاً، وهو الأهم، أنّ المقاومة قد عرّت جميع الكلام أعلاه، وجعلته بـ "المشرمحي" و"على عينك يا تاجر"، وألزمت الجميع الحُجّة، وسلبتهم القدرة على الاستمرار بالكذب على ذواتهم أو التنصّل من مسؤولياتهم، سواء نحن كأفراد، أو الجماعات والمجتمعات والشعوب، أو الأنظمة والدول والمنظومة الدوليّة برمّتها!
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : بالورقة والقلم.. طوفان الأقصى و(700) يوم من النجاحات! #عاجل - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 12:10 مساءً
0 تعليق