نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سحب سلاح "حزب الله" ومعادلة لينين! - هرم مصر, اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 04:05 صباحاً
هرم مصر - حين قال لينين عبارته الشهيرة: "خطوتان إلى الوراء، خطوة إلى الأمام"، كان يصف واقعاً سياسياً لا يسير بخط مستقيم، بل يتطلب مناورة وتراجعاً تكتيكياً لتحقيق تقدم استراتيجي. هذا المنطق ينطبق تماماً على المشهد اللبناني الراهن، وتحديداً في ملف نزع سلاح "حزب الله".
في الخامس من آب/ أغسطس اتخذ مجلس الوزراء اللبناني قراراً وصف بالتاريخي يقضي بحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام، وتكليف الجيش بوضع خطة تنفيذية. القرار أثار رفضاً قاطعاً من الثنائي الشيعي، الذي انسحب وزراؤه من الجلسة احتجاجاً، واعتبر أن هذا الفعل السيادي يشكل تعدياً "إجرامياً" على "المقاومة". وهدد "حزب الله" بأن يخوض ضد القرار "حرباً كربلائية" وسط تدخل واضح لإيران ضد الحكومة لمصلحة هذا الحزب الذي كانت قد أسسته واستخدمته في سياق فرض نفوذها على الشرق الأوسط. ونجحت إيران، صاحبة وعود الدعم، في تصليب غالبية قوى الطائفة الشيعية حول الحزب، الأمر الذي أرعب الوزير الشيعي المستقل فادي مكي، ودفعه إلى الانضمام إلى مقاطعي جلسات البحث الحكومية في نزع السلاح. كانت الحكومة أمام خيارين: النزول إلى حلبة المواجهة أو التراجع خطوة إلى الوراء!
وتكوّن القرار: الحكومة في خطوة محسوبة، تراجعت، مستندة إلى "العلم العسكري" عن تحديد المهلة الزمنية "الصارمة"، وهي نهاية العام الجاري، وحوّلتها إلى "مهلة حث"، ولذلك رحبت بخطة وضعها الجيش اللبناني تخلو من أي توقيت صارم، لكنها في المقابل لم تتراجع عن المبدأ الأساسي: السلاح يجب أن يكون بيد الدولة. وهذا التراجع التكتيكي هو ما يمكن وصفه بـ"خطوتين إلى الوراء"، أما تثبيت المبدأ فهو "الخطوة إلى الأمام".
رد "حزب الله" على القرار الأول كان عنيفاً، إذ وصفه بـ"الخطيئة الكبرى"، معلناً أنه سيتعامل معه وكأنه غير موجود. لكن بعد تحويل المهلة إلى مهلة حث، رحّب الثنائي الشيعي بالقرار "التسوية"، ما يعني ضمناً قبولاً بمبدأ نزع السلاح!
الخطة التي وضعها الجيش اللبناني تتضمن مراحل تبدأ من الجنوب وتمتد إلى المخيمات الفلسطينية والحدود مع سوريا، وتربط التنفيذ بانسحاب إسرائيل من خمس نقاط حدودية، ولكن على قاعدة "منع نقل الأسلحة من مكان إلى آخر"!
وزير الإعلام بول مرقص أكد أن الجيش سيبدأ التنفيذ "وفق الإمكانات المتاحة"، من دون تحديد مهلة زمنية، مع إبقاء مضمون الخطة سرياً.
هذا الغموض الزمني أثار تساؤلات حول جدية التنفيذ، لكنه في الوقت نفسه جنّب البلاد أزمة سياسية حادة، وفتح المجال أمام توافق داخلي ودعم دولي.
كثيرون اعتبروا التراجع عن المهلة صفقة غير معلنة، خصوصاً أن الحكومة لم تتخلَّ عن المبدأ، بل ثبّتته، وبدأت بتنفيذه تدريجياً. في المقابل، يرى مراقبون أن "حزب الله" لا يسعى إلى مواجهة مباشرة مع الجيش، بل إلى إدارة الملف ضمن توازنات دقيقة، تضمن له الحفاظ على صورته وموقعه.
ويشير زعيم سياسي يواكب هذا الملف عن قرب: في السياسة، التراجع لا يعني دائماً التقهقر. أحياناً يكون ضرورة لتجنب الاصطدام المنتج للسلبيات والمعوقات، أو لتهيئة الأرضية لحل أكثر استدامة. الحكومة اللبنانية، في هذا السياق، لم تتخلَّ عن مشروع حصر السلاح، لكنها اختارت أن تضعه على سكة الواقعية والإنتاجية، لتجنب تفجير الحكومة نفسها.
وعليه فإنّ هذا التراجع، وإن بدا تنازلًا، قد يكون في الواقع خطوة استراتيجية تسمح ببناء توافق أوسع حول قضية حساسة، طالما شكلت محوراً للانقسام الوطني.
وكما في مقولة لينين، فإن التقدم نحو الدولة القادرة لا يكون دائماً بخط مستقيم. أحياناً، تكون الخطوات المترددة أكثر فاعلية من القفزات غير المحسوبة. المهم أن تبقى البوصلة واضحة: السلاح يجب أن يكون بيد الدولة، ولكن الطريق إلى ذلك يحتاج إلى دهاء سياسي لا إلى قرارات فوقية "كاسرة"، وفق ما يؤكد وزير معني بما فعله مجلس الوزراء بالاستناد إلى خطة الجيش اللبناني التي تقع تحت نظر الولايات المتحدة الأميركية، التي من دون موافقتها على الإجراءات الميدانية لا انسحابات، ولا أسرى، ولا هدوء، ولا إعادة إعمار ولا ضمانات!
0 تعليق