نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الذكاء الاصطناعي ورقة واشنطن الاستراتيجية في صراع القرن - هرم مصر, اليوم الجمعة 12 سبتمبر 2025 08:06 صباحاً
هرم مصر - *جلال قناص
تتجه الولايات المتحدة نحو استثمار ضخم في الذكاء الاصطناعي AI على الصعيدين المحلي والعالمي، بهدف تعزيز موقعها الجيوسياسي ومواجهة النفوذ المتنامي للصين. هذا التنافس ليس مجرد سباق تكنولوجي، بل هو صراع شامل على الريادة العالمية في مجالات الاقتصاد، والعسكر، وحتى الثقافة، حيث يُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية حاسمة.
الاستراتيجية الأميركية الداخلية
تدرك الولايات المتحدة أن السباق يبدأ من الداخل. لذلك، وضعت الحكومة الأميركية خططاً طموحة لتعزيز البنية التحتية المحلية للذكاء الاصطناعي، وتسريع الابتكار، وتطوير القوى العاملة. يُعدّ الاستثمار في مراكز البيانات العملاقة وبنية الحوسبة الفائقة محوراً أساسياً لهذه الاستراتيجية، حيث تُضخّ مئات المليارات من الدولارات في مشاريع مثل مشروع "ستارغيت"، الذي يهدف إلى بناء بنية تحتية قوية قادرة على تلبية متطلبات نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
لا يقتصر الأمر على الاستثمارات الحكومية، فالقطاع الخاص الأميركي يلعب دورًا رياديًا. شركات مثل "أوبن إيه آي" و "إنفيديا" و "مايكروسوفت" تتقدّم الصفوف في تطوير النماذج اللغوية الكبيرة والرقائق الإلكترونية المخصصة للذكاء الاصطناعي، مما يعزز هيمنة الولايات المتحدة على سوق التكنولوجيا العالمية. هذه الشركات لا تكتفي بإنتاج التكنولوجيا، بل تعمل على تصديرها إلى الحلفاء لضمان تبنيهم للأنظمة الأميركية وتجنب الاعتماد على المنافسين.
صورة تعبيرية موّلدة بالذكاء الاصطناعي
المنافسة في مجال الرقائق الإلكترونية
تُعتبر الرقائق الإلكترونية، خاصة رقائق أشباه الموصلات، عصب صناعة الذكاء الاصطناعي. تسيطر الولايات المتحدة على تصميم الرقائق، بينما تهيمن تايوان على عملية التصنيع. تدرك واشنطن أن السيطرة على سلسلة توريد الرقائق هي مفتاح التفوق في سباق الذكاء الاصطناعي، ولذلك فرضت قيوداً صارمة على تصدير هذه الرقائق المتطورة إلى الصين، مما يعيق قدرة بكين على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي العالية الأداء. بالمقابل، تستثمر الصين بكثافة في تطوير قدراتها المحلية لتصنيع الرقائق، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي والتغلب على القيود الأميركية.
الاستراتيجية العالمية: إسرائيل والهند كشريكين استراتيجيين
إدراكًا منها لأهمية توسيع نفوذها التكنولوجي، تعتمد الولايات المتحدة على شبكة من الشركاء الاستراتيجيين لمواجهة التوسع الصيني. وتبرز في هذا السياق دولتان لهما أهمية خاصة: إسرائيل والهند.
إسرائيل: تُعرف بكونها "وادي السيليكون" للشرق الأوسط، وتتمتع بقطاع تقني مزدهر وقدرات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في التطبيقات العسكرية والأمنية. تستفيد واشنطن من هذا التفوق الإسرائيلي عبر عدة قنوات، منها:
التعاون العسكري: يُستخدم الذكاء الاصطناعي الأميركي الصنع من قبل الجيش الإسرائيلي لتحليل البيانات الاستخباراتية وتحديد الأهداف بشكل أسرع. هذا التعاون لا يعزز القدرات العسكرية لإسرائيل فحسب، بل يمنح الشركات الأميركية فرصة لاختبار وتطوير تقنياتها في بيئة واقعية.
شراكات الشركات: تستثمر الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى مثل "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" في الشركات الناشئة الإسرائيلية، وتعمل على دمج نماذجها في منظومات دفاعية، مما يؤكد على أهمية إسرائيل كمركز للابتكار الأمني.
الهند: تُمثل الهند ثقلاً سكانياً واقتصادياً هائلاً، وهي شريكة حيوية في استراتيجية واشنطن لمواجهة بكين. تُركز الشراكة الأميركية-الهندية على عدة محاور، أبرزها:
القوى العاملة والمواهب: تمتلك الهند ثاني أكبر عدد من العلماء والمهندسين في العالم، مما يجعلها مصدرًا لا ينضب للمواهب في مجال الذكاء الاصطناعي. تعمل الولايات المتحدة على جذب هذه الكفاءات وتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي لضمان استمرار الابتكار.
البنية التحتية الرقمية: تهدف مبادرات مثل "مبادرة الثقة" (TRUST) الأميركية-الهندية إلى تسريع بناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي في الهند باستخدام التكنولوجيا الأميركية، مما يضمن أن الهند لن تعتمد على النظم الصينية في تطوير قطاعها الرقمي.
التطبيقات المجتمعية: يهدف التعاون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لحل التحديات المجتمعية في الهند، مثل الرعاية الصحية والزراعة، مما يعزز النفوذ الأميركي في البلاد، ويُظهر التزام واشنطن بمستقبل الهند التكنولوجي.
تُعدّ المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين. وتعتمد واشنطن على استراتيجية متعددة الأوجه لتعزيز موقعها، بدءاً من الاستثمارات الداخلية الهائلة في البحث والتطوير والبنية التحتية، وصولًا إلى إقامة شراكات استراتيجية مع دول رئيسية مثل إسرائيل والهند. هذا التوجه لا يهدف فقط إلى الحفاظ على التفوق التكنولوجي، بل أيضاً إلى بناء تحالف رقمي عالمي يضمن أن التكنولوجيا المتقدمة ستكون تحت سيطرة الدول ذات القيم المشتركة، ويمنع الخصوم من الهيمنة على سلاسل التوريد والأسواق.
*الدكتور جلال قناص، أستاذ الاقتصاد في جامعة قطر
0 تعليق