هرم مصر - تُشكّل المعادن جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، فهي تدخل في البناء والصناعة والتكنولوجيا، كما أنها تُعتبر من أبرز أدوات الاستثمار الآمن منذ القدم وحتى اليوم.

وتتنوع المعادن بين النفيسة مثل الذهب والفضة، وبين الصناعية مثل الحديد والنحاس، ولكلّ نوعٍ منها استخداماته الخاصّة وأهميته في حركة الأسواق العالمية. ويُنظر إليها أيضاً كأصول استراتيجية ترتبط مباشرة بالنمو الاقتصادي والتطور الصناعي.

ومن بين هذه المعادن يبرز البرونز، وهو خليط من النحاس والقصدير، استخدمته الحضارات القديمة في الأدوات والفنون، وما زال يحتفظ بمكانة مهمة في الصناعات الحديثة.

البرونز (مواقع).

"ذو قيمة"...
في حديث خاص لـ"النهار"، يؤكد الكاتب في العلاقات الدولية والاقتصاد، رئيس مركز باريس للاستثمار (ICCP)، د. علي حمّود، أن "المستثمرين يميلون عموماً إلى التركيز على الذهب والفضة والبلاتين لكونها أكثر سيولة، ما يعني سهولة شرائها وبيعها".

ويشير إلى أن "الفضة أكثر تقلباً نظراً إلى استخدامها الصناعيّ وصغر حجم سوقها، في حين يتمتع الذهب بقاعدة أوسع من المستثمرين ويُباع بسرعة أكبر".

وفي هذا السياق، يقول حمّود: "لكن عند اختيار البرونز بحكمة، فإنه يوفر ثلاثة عناصر نادرة: قيمة جمالية، ومتانة مادية، وإمكانات مالية طويلة الأجل، لكونه استثماراً خالياً من المخاطر". ويضيف: "لقد أثبت البرونز، على مر السنين، استقراره وقدرته على حفظ القيمة".

ويُشدد على أن "سوق البرونز أصغر من سوق النحاس، وبطبيعة الحال لا يُقارن بالذهب أو الفضة".

والبرونز هو سبيكة معدنية تتكوّن أساساً من النحاس مضافاً إليه القصدير بنِسَب مختلفة، مما يمنحه صلابة ومتانة تفوق النحاس الخالص. وقد اشتهر منذ آلاف السنين بكونه من أوائل السبائك التي صنعتها الحضارات، فكان أساساً للأدوات والأسلحة والفنون.

"خصائص متفوقة"...
وفي الأرقام، يشير الخبير الاقتصادي إلى أن قيمة إيرادات سوق البرونز بلغت نحو 5.6 مليارات دولار عام 2024، "وهو رقم متواضع مقارنة بالذهب والفضة وحتى بالنحاس الذي يتفوق عليه بفارق كبير"، مضيفاً: "من المتوقع أن تنمو هذه السوق بمعدل سنويّ يقارب الـ 4% ليصل إلى ما بين 7.8 و10 مليارات دولار بحلول عام 2033".

ويؤكد أن "البرونز، الذي يتميز بتطبيقاته الواسعة والطلب المتزايد عليه، يُعدّ شريحة أساسية من صناعة المعادن العالمية، إذ عُرف منذ قرون بخصائصه المتفوقة مثل مقاومة التآكل، والمتانة، وسهولة التشغيل بالآلات".

ويتابع حمّود في حديثه إلى "النهار": "شهدت السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في الطلب على البرونز، مدفوعاً بازدهار النشاط الصناعي وتطور تقنيات التصنيع، إلى جانب صعود الابتكارات الذكية، مما عزز مكانته في قطاعات عدة كالبناء والأنابيب والتركيبات وصناعة السيارات والفضاء".

صورة تعبيرية (مواقع).

"مستقبل واعد"...
يؤكد أن "قابلية البرونز لإعادة التدوير تمثل عاملاً رئيسياً في تعزيز جاذبيته، إذ يوفّر في الوقت نفسه فوائد اقتصادية ويحدّ من الأثر البيئي، مما يجعله مادة منسجمة مع مفاهيم الاستدامة الحديثة".

وفي ختام حديثه، يوضح حمّود أن "استمرار الطلب على البرونز في مختلف الصناعات يعكس مستقبلاً واعداً لهذه السوق، بما يجمع بين الاستخدامات التقليدية والتطورات المبتكرة".

وإذا كان البرونز يبرز اليوم كلاعب متجدّد في الصناعة والاستثمار، فإن عالم المعادن بأسره يفتح آفاقاً أوسع لمناقشة دور عناصر أخرى في تشكيل الاقتصاد العالمي. وهنا يبرز السؤال حول مستقبل المعادن الاستراتيجية في عصر التحولات الكبرى.