الهجوم على قطر ولوحة بلاد الشّام الجديدة! - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الهجوم على قطر ولوحة بلاد الشّام الجديدة! - هرم مصر, اليوم الجمعة 12 سبتمبر 2025 04:56 صباحاً

هرم مصر - سيكون من المستحيل على المراقبين أن يمروا مرور الكرام على الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، بهدف اغتيال قيادة حركة "حماس" في الخارج، وهي في الوقت عينه أساس الوفد المفاوض عبر الوسيط القطري الذي اختارته الولايات المتحدة بموافقة إسرائيل نفسها.

 

إنه حدث مفصلي لأنه يؤشر إلى تحول كبير في العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي يبدو أنها تستمد جزءاً من فلسفتها من "عقيدة" الرئيس دونالد ترامب العسكرية التي تقوم عموماً على مبدأ استخدام القوة لإحلال "السلام"، وبكلام أوضح، فرض "السلام" بالقوة.

 

طبعاً لإسرائيل أهداف مختلفة عن القوة العظمى الأولى في العالم، فبالنسبة إلى إسرائيل، فإن هذه العقيدة التي يمكن نسبتها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تضع هدفاً أوّلَ يتمثل بتصفية القضية الفلسطينية نهائياً عبر تغيير الواقع على الأرض، لا سيما الواقع الديموغرافي الذي يميل باستمرار لمصلحة الشعب الفلسطيني. بمعنى آخر، لا يسعنا إلا أن نتصور حصول تطورات دراماتيكية كبرى في المديين القريب والمتوسط بالنسبة إلى مصير قطاع غزة، فمخطط التهجير لن يُنحّى جانباً، لا بل إنه سيبقى بنداً أول على لائحة الأهداف الإسرائيلية. ولا ننسى بالطبع مصير الضفة الغربية التي تنتظرها أيام صعبة للغاية. لكن لا بد من التحدث قليلاً عن الموقع الذي يمكن فيه إدراج الهجوم على قطر. فهل هو إنهاء المساحات الرمادية في المنطقة؟ أي ألا يعود بالإمكان رسم هوامش متحررة من الموقف الأميركي – الإسرائيلي كما كانت عليه الحال منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي! فقد بنت قطر لنفسها مساحة مستقلة وهوامش حركة، ودوراً في ما سُمّي ديبلوماسية الوساطة والتفاوض مع المنظمات غير الرسمية والدول الواقعة في مرمى الغرب عموماً مثل إيران.

 

ومن المحتمل أن استهداف قطر كان رسالة إسرائيلية، ومن خلفها الولايات المتحدة، مفادها أن مرحلة الهوامش الواسعة يجب أن تنتهي. نشدد على فكرة الاحتمال، لكن الحدث كبير للغاية ومن الصعب أن يندرج في إطار العمليات العسكرية التقليدية. فالمحاذير كثيرة، واستهداف قطر ليس بالأمر السهل الذي يمكن وصفه بالعمل الروتيني. ثمة ما هو أبعد من محاولة تصفية قيادة "حماس" - الخارج. ثمة توجه جديد في العقيدة الأمنية الإسرائيلية يستند إلى رؤية العالم بلونين فقط: إما أبيض أو أسود!

بعدما نجحت إلى حد ما في تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة عبر ضرب أذرعها، والإسهام أقله بإضعاف النظام الثوري السابق إلى جعل سقوطه ممكناً في زمن قياسي، ترى إسرائيل أن الحدود السياسية للكيانات والدول في المنطقة سقطت. وإن لم يكن المجتمع الدولي في صدد تغيير الخرائط الموروثة من زمني الاستعمار والانتداب، فإن التغيير الكبير هو الذي نرى أنه في طور التحقق وسيكون من خلف الحدود السياسية للكيانات. قد نكون في ما خص بلاد الشام بإزاء بروز ملامح كيانات وسيطة شبيهة بكانتونات مذهبية - إثنية شبه مستقلة بعضها عن بعض، لا ترقى إلى مستوى الدول المستقلة، لكنها تحتفظ بمساحات واسعة من الحكم الذاتي. فمع تسارع الخطى لتذويب القضية الفلسطينية ومحاولة دفن مشروع الدولتين الذي تجتهد المملكة العربية السعودية لوضعه موضع التنفيذ، من المتوقع أن تذهب إسرائيل أبعد في مقاربتها الأمنية للعلاقة بدول الجوار من لبنان إلى العراق مروراً بسوريا. هذه الدول الثلاث (الأردن حالة خاصة) مشتتة مفتتة من الداخل، وهي تعاني نزاعات داخلية بين مكوّنات مذهبية وإثنية، معطوفة عليها حوكمة مركزية ضعيفة مأزومة. هذه فرصة لمن يعملون لخلق معادلات فيدرالية لاقتناصها.

 

في لبنان انتهت الدولة المركزية الوطنية. نحن أمام دولة مركزية تقوم على معادلة طائفية مذهبية غير مركزية. يعني أن الحالة الائتلافية المالكة للمساحات المستقلة تصب في مكان ما في إطار مركزية الدولة من دون أن تخضع بالضرورة لقوانين المركزية. ماذا يعني هذا؟ دويلات تقوم مكان السلطات المركزية التي فشلت في بناء مشروع وطني في العراق، سوريا ولبنان. وهذه الدويلات ستكون مؤهلة لإقامة علاقات خارجية مستقلة عن الدولة المركزية، وتبقى خاضعة لموازين القوى في المنطقة. وفي الوقت الحالي فإن المعادلة ستبقى في المدى المنظور أميركية وذراعها الطويلة إسرائيلية مع الحلفاء الإقليميين الكبار. ولكن ما يميز هذه المرحلة أن بلاد الشام التي تحدث عنها المبعوث الأميركي توم براك أكثر من مرة لن تعود دولاً وطنية كما عرفناها منذ أربعينيات القرن الماضي. وما نخشاه أن يتطلب رسم تلك المرحلة وفق التوجه الذي نتحدث عنه إلى مزيد من الهجرة القسرية في الإقليم، من الأراضي الفسطينية إلى لبنان، سوريا والعراق، حيث سيكون "الأمن" مفتاح البقاء.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق