نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الفضة: من زينة الملوك إلى عماد التكنولوجيا والطاقة الخضراء...! - هرم مصر, اليوم الجمعة 12 سبتمبر 2025 02:06 صباحاً
هرم مصر - تُعد الفضة من المعادن النفيسة التي تجمع بين القيمة الجمالية والاستخدام العملي، فهي لم تقتصر عبر التاريخ على الزينة والعملات، بل أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من الصناعات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة، فضلاً عن كونها أداة استثمارية مهمة.
بفضل خصائصها الفريدة، مثل أعلى موصلة كهربائية وحرارية بين جميع المعادن، بالإضافة إلى خصائصها المقاومة للبكتيريا، دخلت الفضة في معظم القطاعات الصناعية. ففي مجال الإلكترونيات، تُستخدم الفضة في تصنيع الدوائر الإلكترونية المطبوعة والموصلات والشاشات والبطاريات. وتعتمد الأجهزة الإلكترونية الحديثة مثل الهواتف الذكية، الحواسيب والسيارات الكهربائية بشكل مباشر على مكونات فضية تضمن كفاءة عالية في الأداء.
وفي قطاع الطاقة الشمسية، تُستخدم الفضة في تصنيع الخلايا الكهروضوئية، حيث تساهم في نقل الكهرباء المولّدة من أشعة الشمس بكفاءة مرتفعة. ومع توسع الاعتماد العالمي على الطاقة المتجددة، ارتفع الطلب على الفضة بشكل ملحوظ. كما تدخل في صناعة المعدات الطبية والضمادات، وأصبحت جزءاً من الابتكارات الحديثة في المجال الطبي.
يتركز إنتاج الفضة في عدد من الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة وتُعتبر رائدة في مجال التعدين. تحتل المكسيك المركز الأول عالمياً في إنتاج الفضة، وتُعرف بـ"عاصمة الفضة" لما تمتلكه من مناجم ضخمة تُغذي الأسواق العالمية. وتأتي الصين في المرتبة الثانية، حيث يُستخرج معظم الفضة هناك كمُنتَج جانبي من مناجم الرصاص والزنك والنحاس. أما في أميركا الجنوبية، فتُعد بيرو من أبرز المنتجين، وتتميّز بصادرات كبيرة من المعادن النفيسة.
ورغم أن إنتاج الفضة في الولايات المتحدة أقل مقارنةً بالدول الكبرى، فإنها تظل لاعباً أساسياً، بخاصة في الأسواق المحلية.
من ناحية الاستيراد، تُستهلك الفضة بكثرة في الدول الصناعية الكبرى بسبب استخدامها الواسع في مجالات الإلكترونيات، الطاقة المتجددة والطب. وتُعد الهند من أكبر المستوردين عالمياً، إذ تُستخدم الفضة هناك في المجوهرات، الأدوات التقليدية والاستثمار. ورغم أن الصين من كبار المنتجين، إلا أنها أيضاً تستورد كميات ضخمة لتلبية الطلب المتزايد في الصناعات الإلكترونية والطاقة الشمسية. أما الولايات المتحدة، فتستورد الفضة لتغطية احتياجات قطاعات الصناعات الإلكترونية والطبية، إضافة إلى الاستثمار.
إلى جانب دورها الصناعي، تُعتبر الفضة وسيلة للتحوّط وحفظ القيمة، حيث تُستخدم كمعدن استثماري مشابه للذهب عبر السبائك والعملات. وتلعب دوراً مهماً في محافظ المستثمرين، خصوصاً في أوقات التضخم أو عدم الاستقرار الاقتصادي، وتمتاز بكونها أقل سعراً من الذهب، ما يجعلها خياراً مفضلاً للمستثمرين الأفراد الذين يسعون لحماية أموالهم من تقلبات الأسواق.
تتأثر أسعار الفضة بعوامل عديدة، مثل التضخم والسياسات النقدية المتساهلة التي تعتمدها البنوك المركزية، إذ تؤدي هذه العوامل إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار، كما حدث في سبعينات القرن الماضي بعد انهيار نظام بريتون وودز عام 1971. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار الفضة بشكل حاد عام 1980 بسبب مخاوف التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي، فلامست مستويات تاريخية عند 50 دولاراً للأونصة، ثم عادت لتقترب من تلك المستويات بعد الأزمة المالية عام 2008. وخلال جائحة كورونا في عام 2020، تراجعت الأسعار في البداية، ثم عاودت الارتفاع نتيجة التحفيزات الاقتصادية وعدم اليقين.
عندما تكون أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة أو سلبية، تصبح الفضة، كونها لا تدر عوائد مباشرة، أكثر جاذبية للمستثمرين. وخلال الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية وأوقات عدم اليقين، يتجه المستثمرون نحو الفضة باعتبارها ملاذاً آمناً يشبه الذهب.
أما في الوقت الحاضر، ومع التطورات التكنولوجية وزيادة الاستخدام في الطاقة الخضراء مثل الألواح الشمسية، السيارات الكهربائية، وتقنيات الجيل الخامس، فارتفعت التوقعات بشأن الطلب على الفضة، إلى جانب استمرار حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي. ومع الأرقام القياسية التي يسجلها الذهب، ليس من المستبعد أن تشهد الفضة ارتفاعات إضافية قد تلامس مستويات قياسية جديدة .
مع التحوّل العالمي نحو الاقتصاد الأخضر وتزايد الطلب على الطاقة النظيفة، إضافة إلى التوسع المستمر في التكنولوجيا الطبية والإلكترونية، يُتوقع أن يزداد الطلب على الفضة خلال العقود المقبلة. هذا المزيج من الاستخدامات الصناعية، التجارية والاستثمارية يمنح الفضة مكانة فريدة يصعب أن ينافسها معدن آخر.
*جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية - Cedra Markets
0 تعليق