نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ذهب 2025: ملاذ الأمان في زمن الحمائيّة والاضطراب - هرم مصر, اليوم الجمعة 12 سبتمبر 2025 01:36 صباحاً
هرم مصر - عندما يرتفع الذهب، لا ترتفع الأسعار فقط… بل هي إشارة إلى ارتفاع المخاوف حتى الذعر، وتُكتب موازين جديدة للأمن الاقتصادي والسياسي. في 2025، نعيد قراءة هذا المعدن الثمين كسفير "الأمان" في عالم مُضطرب.
سوقٌ يلهث… وملاذٌ لا يكفّ عن التنفّس
على المستوى العالمي، دخل الذهب عام 2025 وهو يسير على حبل من التوترات: التضخم لا يتراجع كما كان متوقعاً، عدم اليقين من السياسات النقدية، خوف على استقلالية الفيدرالي الأميركي، قرارات ترامب الحمائية وتأثيرها المبهم على الاقتصادات العالمية، بنوك مركزية تُخزّن الذهب وسط القلق، والتوترات الجيوسياسية التي لم تهدأ، وأسعار الذهب بدأت العام من مستويات 2,624 دولاراً للأونصة.
عوائد الدَّيون (السندات) الأميركية تتحرّك بنقاطٍ معدودة، فتُقلِّب شهية المخاطرة رأساً على عقب، الدولار يعاني، والذهب ينساب وسط الزحام كأنه يذكّر الجميع بأن التاريخ لا يُغيّر عاداتِه بهذه السرعة. كل حالة خوف باتت تٌترجم فوراً إلى سعرٍ على الشاشة؛ وكل إشارةٍ نقدية تُقرأ كأنها فقرة في رواية قديمة عنوانها: “كيف نعيش مع عدم اليقين؟”.
البنوك المركزية تغيّر قواعد اللعبة: الصين في القلب
التقرير الأحدث لمجلس الذهب العالمي أعاد ترتيب أولويات القراءة. شهية الشراء الرسمي لم تخمد؛ هي تتّسع وتتعقّل في آن.
الصين، بحسابٍ استراتيجي بارد، راكمت احتياطياًَ ذهبياً صار جزءاً معلناً من “حصانة” السياسة النقدية هناك.
أرقام المشتريات لم تعد مجرد هامش في نشرات مصرف الشعب؛ إنها رسالة متكرّرة: تنويع الاحتياطيات ليس ترفاً، بل ضرورة في عالمٍ تتقلّب فيه مسارات التجارة والتمويل كما تتقلّب الرياح الموسمية.
الأهم من ذلك أن صورة السندات الأميركية تغيّرت نوعياً.
للمرة الأولى منذ نحو ثلاثة عقود، تُظهر القراءات في السوق وأطرٌ تحليلية أن الذهب بات يستحوذ—قيمياً—على حيّزٍ في محافظ عددٍ كبير من البنوك المركزية يتجاوز سندات الخزانة الأميركية. قد تختلف الدرجات من بلدٍ إلى آخر، لكن الإشارة واضحة:
شهيةٌ رسمية إلى أصولٍ أقلّ خضوعاً للمزاج السياسي وأكثر قدرةً على الصمود أمام سيف العقوبات ومطرقة التقلبات؛ وهو إشارة ضمنية إلى تقليل الاعتمادية على الولايات المتحدة!
تضخّم يناور… وحمائية جمركية تُغذّي العناد
التضخّم لم يرحل. تبدّل شكله وتباطأ إيقاعه، لكنه بقي عنيداً. الخدمات ترفض أن تهبط بالسرعة التي يحلم بها صانعو السياسة النقدية، وسوق العمل في الاقتصادات الكبرى لا يزال ضيقاً بما يكفي ليحمي الأجور من الانكماش السريع.
ثم جاءت الحمائية الأميركية على هيئة تعريفاتٍ جمركية تمتد من المعادن إلى الإلكترونيات، فزادت كلفة سلاسل الإمداد ومرّرت جزءاً من السعر إلى رفوف المتاجر.
في هذه البيئة لا يعود الذهب “زينة محافظ”، بل تأمينً على الدخل الحقيقي، ومظلّةً ضد تسرّب الأسعار إلى جيوب الناس.
منطق السوق هنا بسيط وقاسٍ: ما دامت الرسوم قائمة، فستقى موجات تمرير الكلفة إلى المستهلك حاضرة، وما دامت الخدمات لزجة، فستبقى عوائد الديون الحقيقية رهينة توازنات دقيقة. وبين هذا وذاك، يطوِّر الذهب عادةً سيئة للمضاربين، ومفيدة للمتحوّطين: كلّ هبوطٍ حاد يوقظ مشترين جدداً، وكلّ صعودٍ سريع يستدعي مَن ينتظر نقطة الشراء التالية.
صورة تعبيرية (وكالات)
واشنطن الضبابية: خريطةُ طريقٍ بلا خطوطٍ صلبة
على الضفة الأخرى من الأطلسي، لا تزال السياسة النقدية الأميركية حقل إشاراتٍ متضاربة. بيانات التوظيف ترسل همسات ضعف، ومقاييس الأسعار ترفض الاستسلام. الفيدرالي يتحدّث عن “الاعتماد على البيانات”، والبيانات تتصرّف كأنها لا تريد أن تُحسم. في هذه الحالة الرمادية، يصبح كل اجتماعٍ لمجلس الاحتياطي الفيدرالي اختباراً مزدوجاً: اختباراً للثقة في استقلالية القرار، واختباراً للقدرة على رسم مسارٍ مُقنع للأسعار والفوائد معاً.
إن خفّض الفيدرالي الفائدة على نحوٍ أوسع وأسرع—حمايةً لسوق العمل أو اعترافاً بأن تشديد الأعوام الماضية بدأ يضر الاقتصاد—قد يرسل إشارةً ذهبية بمعنى الكلمة. تكلفة الفرصة البديلة تنخفض، شهية التحوّط ترتفع، والسوق يقرأ الرسالة كالآتي: مزيد من السيولة… مزيد من الميل لاقتناء الأصول الصلبة.
وإذا فُهم الخفض كذلك “غطاءً” لتسارع تضخّمي غير منضبط، يصبح الذهب الحصان الرابح لأن معادلته النفسية عند المستثمرين بسيطة: إن كان النمو هشاً، أمتلك ذهباً. وإن كان التضخّم جامحاً، أمتلك ذهباً. وإن كان الاثنان معاً، أمتلك أكثر.
أما إذا شدّد الفيدرالي لهجته فجأة تحت ضغط العوائد الحقيقية أو الدولار، فسيدفع الذهب فاتورة لحظية؛ لكنها نادراً ما تُمحى القصة الكبى:
البنوك المركزية تشتري، والحمائية ترفع تكاليف التجارة، والطلب الاستثماري الطويل الأجل يتعلّم من كل نوبة تذبذب كيف يبني “قاعاً أعلى” من سابقه.
العالم العربي: لهجاتٌ ذهبية لقلقٍ واحد
في الخليج، ارتباط العملات بالدولار يجعل حركة الذهب مباشرة وسريعة. المؤسسات الاستثمارية تزاحم الأفراد على السبائك والمنتجات المتداولة، فيما تسعى البنوك إلى ابتكار أوعية ادخارية مغطّاة جزئيًا بالمعدن. في مصر وشمال أفريقيا، الذهب دفتر ادخارٍ شعبي حين يضعف الجنيه أو تتسع فجوة الثقة؛ يتّسع الفارق المحلي فوق السعر العالمي ثم يضيق مع انفراج العرض. وفي لبنان، يتحصّن كثيرون بما يعرفونه جيدًا: ذهبٌ عائلي وأسعارٌ تُقرأ بالدولار أولًا تتنفس الخوف المصرفي.
إلى أين يمضي الذهب في نهاية 2025؟
الخلاصة لا تحتاج مبالغة. نحن في عامٍ يميل إلى إبقاء الذهب في منطقةٍ مرتفعة متقلّبة: فوقه سقفٌ يُختبر مع أي توتّرٍ جيوسياسي أو إشارة تيسيرٍ مفاجئة، وتحته أرضيّةٌ يرفعها الشراء الرسمي، وشكٌّ مزمن في وعود هبوطٍ سريع للتضخّم. السيناريو الذكي ليس رهانًا على ذروة اليوم، بل قراءةٌ لهندسة الطلب: ما دامت البنوك المركزية تُراكم، وما دامت الحمائية تضيف طبقات من الكلفة، وما دامت السياسة النقدية الأميركية تلوّح بخفضٍ يمكن أن يُفهم دفاعًا عن العمل أو غطاءً للأسعار، فالميل المهيمن يبقى داعمًا. ليس خطًا مستقيمًا، بل درجًا يصعد درجةً ويتراجع نصفًا، ثم يعاود الارتفاع. لذا قد تبدو مستويات 3725 دولار مستهدفة، وأن الميل الصعودي قد يستمر في حالة الاختراق لتلك المستويات بشكل واضح نحو 3915 دولار مشروطاً مع تسارع الفيدرالي بعمليات خفض الفائدة في عام 2025 وصولاً إلى ثلاث تخفيضات.
** رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي
0 تعليق