"التياترو الكبير" قصة مسرح يعود إلى الحياة - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"التياترو الكبير" قصة مسرح يعود إلى الحياة - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 05:12 مساءً

هرم مصر - د. هشام زين الدين*

يعتبر مسرح "التياترو الكبير" من أهم مسارح بيروت وأكثرها فخامة ورقياً في منتصف القرن العشرين. يقع في شارع المير بشير بين مبنى اللعازارية وساحة رياض الصلح في وسط المدينة، ويتألف بناؤه من ثلاث طبقات تعلوها قبة كانت قابلة للفتح والإغلاق كهربائياً بهدف التهوئة. 

تفيد المراجع التاريخية بأن المسرح القريب من مرفأ بيروت كان عبارة عن مستودع للزوارق يمتكله أبو عبد الله الشرقاوي وقد اشتراه جورج تابت الذي قرّر الشروع بتحويل هذا المبنى إلى مسرح، إيماناً منه بأن بيروت تستحق مسرحاً على مستوى عالمي نظراً لدورها الثقافي كمنارة للشرق ونقطة التقاء وتواصل بين دول العالم، فكلف مهمة هندسته إلى أحد أشهر المهندسين في لبنان آنذاك يوسف بك أفتيموس الذي كان وزيراً للأشغال في إحدى حكومات الانتداب الفرنسي في لبنان.

يضم المسرح نحو 700 كرسي وقد تم بناؤه على طريقة المسارح اللندنية الفخمة، ويتخذ شكل الهندسة الدائرية من الداخل التي تشبه مسرح “الأوبرا” في فرنسا، أما التقنيات التي استخدمت فيه كالصوت والإضاءة فكانت متطابقة مع أهم المواصفات العالمية لتجهيز وبناء المسارح في النصف الأول من القرن العشرين. افتتح المسرح عام 1929 بعروض مسرحية فرنسية لفرقة ماري بل وشارل بواييه، وبعد عام قدمت فرقة “الكوميدي فرانسيز” الفرنسية الشهيرة عروضها العالمية فيه، كما استضافت خشبته عمالقة الغناء والطرب العربي الأصيل، فقدمت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب حفلاتهما الغنائية للمرة الأولى في بيروت فيه. كما قدم عميد المسرح العربي يوسف وهبي مسرحيات عدة مع فرقته، إضافة إلى عروض الفرقة القومية المصرية للمسرح وعلى رأسها الفنان العظيم نجيب الريحاني، وكذلك عدد من الأمسيات الشعرية للأخطل الصغير.

إضافة إلى العروض المسرحية والغنائية العربية والعالمية شهدت قاعة هذا المسرح عرض أول فيلم سينمائي ناطق باللغة العربية، وكان بعنوان "الوردة البيضاء" للموسيقار محمد عبد الوهاب، وكذلك عرض الفيلم العالمي الذي يقال إنه أشهر فيلم في تاريخ السينما العالمية «ذهب مع الريح» لكلارك غايبل وغيره الكثير من الأفلام العالمية.

هذا المسرح الذي يمثل اليوم بامتياز ذاكرة بيروت الفنية والثقافية تعرض للعديد من النكبات والأخطار التي هددت وجوده تاريخياً، فعندما قرّر الفرنسيون شق طريق يمتد من مرفأ بيروت إلى محلة الحرج أثناء فترة الانتداب في مرحلة الثلاثينيات من القرن الماضي، أرادوا إزالة “التياترو”، الذي كان وجوده يعيق مسار الطريق، لكن أصوات المحتجين آنذاك منعتهم من اتمام مشروعهم وبقي المسرح.

وفي خلال الحرب الأهلية اللبنانية وبحكم وجوده في منطقة نزاع مسلح وخطوط تماس بين الفريقين الأساسيين المتحاربين (المسلمين والمسيحيين) تحوّل المسرح إلى ملجأ للمقاتلين فتم تدمير بعض اجزائه بسبب القصف وسرقة محتوياته وتقنياته أو تلفها بسبب الدمار والحرق، وبعد انتهاء الحرب واستملاك شركة "سوليدير" العقارية لكل المباني في منطقة وسط بيروت ومن بينها مبنى "التياترو" تعرض هذا المسرح لتهديد جديد أشد خطراً على وجوده وتاريخه من الحرب، وهو محاولات تغيير وجهته من مسرح فني ثقافي يختزن بين زواياه ذاكرة بيروت الموسيقية والغنائية والمسرحية والسينمائية إلى سوق تجاري أو فندق كانت تنوي شركة سوليدير إقامته في هذا المبنى بعد ترميمه، لكن رفض المسرحيين والمثقفين وبعض وزراء الثقافة مثل الوزير الراحل ميشال إدة والوزير غسان سلامة لهذا القرار "المتخلف" وغير المسؤول أوقف تنفيذه، ولعل الحدث الأبرز في تاريخ هذا المسرح هو القرار الذي صدر عن وزارة الثقافة اللبنانية وتم بموجبه ادارج مبنى المسرح على لائحة الأبنية التراثية في بيروت، ما يضمن بقوة وحماية القانون عدم إمكانية هدمه، لكن ذلك وعلى الرغم من أهميته لناحية المحافظة على المسرح كمعلم ثقافي تراثي، لا يضمن إعادته إلى وظيفته الأصلية كمسرح، فبقي "التياترو الكبير" العريق على حاله، قابعاً وحيداً من دون ترميم في وسط أبنية متعددة أعيدت للحياة بعد ترميمها، وبقي ينتظر القرار السياسي للدولة باستملاكه أو استئجاره أو إيجاد صيغة تعيد إليه هويته التاريخية.

 

حاول المسرحيون اللبنانيون والمساندون لهم من مثقفين وطلاب وأساتذة جامعيين القيام بمبادرات عديدة لإنقاذ هذا المسرح خلال العقود الثلاثة الماضية. لكن محاولاتهم المتكررة لم تؤدِّ إلى أي نتيجة، ولما كان لبنان بحاجة ماسة إلى هذا المسرح الذي يمثل ذاكرته الثقافية، خصوصاً في ظل عدم وجود مسرح وطني لبناني، وتماشياً مع المطلب التاريخي لمسرحييه ومثقفيه بضرورة إنشاء مؤسسة رسمية تكون تابعة للدولة تشرف عليها وزارة الثقافة عملاً بما هو موجود في غالبية دول العالم، تسمى المسرح الوطني اللبناني، ويكون هذا المبنى التاريخي العريق مركزاً لهذا المسرح، ما من شأنه أن يصحح الخطأ المزمن بحق المسرح اللبناني والمسرحيين على السواء.

 

اليوم يبدو أن المطالبة بإعادة ترميم هذا المسرح العريق وإيجاد السبل القانونية لوضعه تحت وصاية الدولة متمثلة بوزارة الثقافة لكي يكون مسرحاً وطنياً لكل المسرحيين اللبنانين، يعيد إلى وسط بيروت بعضاً من ذاكرتها التي سلبتها الحرب والسياسات التي تلتها، والتي لم تهتم بالثقافة والفنون تاريخياً، وبفضل جهود الوزير المثقف فعلاً لا قولاً فقط د. غسان سلامة، اتخذ القرار بترميم المسرح بدعم من اليونيسكو ومن الشخصية الاستثنائية الراعية للفنون والثقافة في العالم العربي سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ووزارة الثقافة، حدث انتظره المسرحيون اللبنانيون طويلاً، وها هو على مشارف التحقق، هنيئاً لنا بعودة الحياة إلى "التياترو الكبير" وهو مؤشر لعودة الحياة إلى لبنان الجديد، في عهد الرئيس جوزف عون وفي عهد الوزير غسان سلامة المفكر والسياسي الذي يدرك جيداً أهمية الثقافة ودورها في ارتقاء المجتمعات والأوطان. 

*مسرحي، عميد كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية.

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق