نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
6.5 تريليونات دولار سنوياً بحلول 2030: كيف يغيّر محو الأميّة وجه الاقتصاد؟ - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 07:47 صباحاً
هرم مصر - يعد محو الأميّة من أبرز الاستثمارات ذات العوائد الاقتصادية والاجتماعية العالية، إذ تشير أحدث بيانات اليونسكو في تقرير GEM 2025 إلى أن التقاعس عن الاستثمار في التعليم الأساسي يكلف العالم نحو عشرة تريليونات دولار سنوياً، وأن تحسين مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة يمكن أن يزيد الناتج العالمي تراكمياً بنحو 6.5 تريليونات دولار سنوياً بحلول عام 2030. وفي سياق مماثل، يحذر تقرير ASDR 2024 من أن ضعف التعلّم الأساسي يولّد خسائر دخل تراكمية قد تصل إلى 800 مليار دولار مدى حياة الأفراد، بينما تتحمل الأسر أعباء تعليمية متزايدة في البلدان المخفوضة والمتوسطة الدخل، ما يعرقل العدالة الاجتماعية ويبطئ النمو الاقتصادي.
ينعكس الاستثمار في محو الأميّة اقتصادياً بطرق عديدة مترابطة. أولاً، تحسين مهارات القراءة والكتابة والحساب يرفع إنتاجية العامل ويزيد أجره، وهو ما تمثل فيه عوائد الاستثمار العام أعلى المستويات وفقاً للبنك الدولي واليونسكو. كما يؤدي ارتفاع الدخل وزيادة فرص التشغيل الرسمي إلى توسيع القاعدة الضريبية، ما يعزز الإيرادات العامة ويخفف الضغط على الموازنات الحكومية. من جهة أخرى، يقلل رفع مستوى الإلمام بالأساسيات من معدلات البطالة والجريمة، ويحسن الصحة العامة، ما يقلل الإنفاق على الرعاية الاجتماعية ويعزز استقرار المجتمع. فضلاً عن ذلك، يساهم تراكم المهارات الأساسية في رفع رأس المال البشري، ويعزز الابتكار، ويجعل الاقتصاد أكثر جذباً للاستثمار الأجنبي من خلال قوة عمل قابلة لإعادة التأهيل بسرعة.
صورة تعبيرية (وكالات)
يشير أحدث الإحصاءات لعام 2023 إلى تباين واضح في معدلات الأمية بين الدول العربية، إذ تراوح بين مستويات مخفوضة جداً وأخرى مرتفعة نسبياً تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لكل دولة. في ليبيا، يبلغ معدل الأمية نحو 3.28%، مع تفاوت بين الجنسين، إذ يصل بين الإناث إلى 14.41%. أما العراق، فتراوح معدلات الأمية فيه بين 18% و20% ، مع ارتفاع ملحوظ بين النساء ليصل إلى 26.4% في مقابل 11.6% لدى الرجال، وتصل النسبة في المناطق الريفية إلى 50% بين النساء من الفئة العمرية 15–24 سنة.
في مصر، لا تزال الأمية تشكل تحدياً كبيراً بحيث بلغت 25.5% عام 2022، مرتفعة عن 71% في 2017، وهو ما يعكس بطء وتيرة التحسن. بينما حقق الأردن تقدماً ملحوظاً بانخفاض معدل الأمية إلى 5% عام 2023 مقارنة بـ 11% عام 2000.
أما في دول الخليج، فتسجل معدلات الأمية مستويات مخفوضة للغاية؛ إذ بلغت في الإمارات والسعودية وقطر نحو 2%، مع نسب إلمام بالقراءة والكتابة تصل إلى حوالى 98% من السكان، مع تفاوت طفيف بين الجنسين في بعض الحالات، مثل الإمارات حيث تصل النسبة بين الذكور إلى 99% وبين الإناث إلى 97% .
وفي سوريا، بلغ معدل الأمية حوالى 6% عام 2021، مع فروق بين الذكور (91.72% معرفة القراءة والكتابة) والإناث (80.98%).
هذا المشهد يعكس جهوداً متفاوتة بين الدول العربية في مجال محو الأمية، بحيث حقق بعض الدول تقدماً ملحوظاً بفضل السياسات التعليمية وبرامج التنمية البشرية، فيما لا تزال دول أخرى تواجه تحديات مرتبطة بالحروب والنزاعات أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا الإطار، يلفت الخبير الاقتصادي الدكتور خلدون عبد الصمد، في حديث إلى"النهار" إلى أنّ "تسريع محو الأميّة في المنطقة العربية يعني رفع الدخل القومي من خلال سد فجوات الإلمام بالأساسيات، وزيادة الإنتاجية وتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل. كما يُترجم ارتفاع الإلمام إلى وظائف أفضل وأجور أعلى وقاعدة ضريبية أوسع، ما يخفف الضغط على الموازنات العامة ويعظم الإيرادات الحكومية".
وفي الأجل الطويل، يقول عبد الصمد، "يساهم رفع مستوى التعليم الأساسي في تحسين المؤشرات الصحية، وخفض معدلات العنف، ورفع مستوى رأس المال الاجتماعي، ما يعزز استقرار المجتمع ويجعل الاقتصاد أكثر قدرة على استيعاب التحديات المستقبلية".
ومن أجل تعظيم هذه العوائد، يشدد على "ضرورة ربط برامج محو الأميّة بسوق العمل عبر مناهج "أميّة وظيفية" تدمج القراءة والكتابة والحساب والمهارات الرقمية الأساسية، مع شهادات توظيف قصيرة المدة تراوح بين ثلاثة وستة أشهر. كما يمكن تحفيز الأسر عبر برامج دعم مالية مشروطة بالحضور والتعلّم، خصوصاً في مناطق الفجوة العالية مثل مصر والعراق وسوريا".
وتشكل محو الأميّة الرقمية والمالية أولوية اقتصادية للإمارات والسعودية وقطر لرفع إنتاجية القطاعات غير النفطية وتحفيز الابتكار. كما يساهم التمويل القائم على النتائج عبر عقود outcomes-based مع مزوّدي التدريب المحليين في خفض التكلفة على الخزينة وتحسين جودة التعليم.
وأخيراً، يشدد عبد الصمد على ضرورة تحديث بيانات الإلمام سنوياً عبر مسوح قصيرة باستخدام الأجهزة المحمولة لسد فجوة البيانات، بخاصة في قطر والعراق وسوريا".
في المحصلة، الاستثمار في محو الأميّة ليس مجرد واجب اجتماعي، بل يمثل استراتيجية اقتصادية مباشرة لتعظيم الناتج القومي، تعزيز الإيرادات العامة، وتحقيق عوائد اجتماعية بعيدة المدى في العالم العربي، مع ضرورة تكييف السياسات والبرامج وفق واقع كل دولة لضمان الاستفادة القصوى من رأس المال البشري المتاح.
0 تعليق