النّظام العالمي... "لا مع ستّي بخير ولا مع سيدي بخير" - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
النّظام العالمي... "لا مع ستّي بخير ولا مع سيدي بخير" - هرم مصر, اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 12:26 صباحاً

هرم مصر - دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ منظمة شنغهاي التي انعقدت في 31 آب/أغسطس الماضي، بحضور ممثلين عن 20 دولة، إلى لعب دور أكبر في حماية السلام والاستقرار الإقليميين، معتبراً أن بلاده قوة عالمية مستقرة ستدعم العالم النامي. 

 

أتت دعوته هذه، بعدما استضافت مدينة تيانجين الصينية الشمالية العشرات من زعماء الدول لوضع رؤية جديدة تحاكي التحديات المستجدة للنظام الاقتصادي والمالي العالمي. هذا في العلن، ولكن ما خفي من مقررات هذه القمة، يبقى هو الهدف التي تعمل على تحقيقه كل من الصين وروسيا ومن يدور في فلكهما، وهو ما نطق به الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان من الدعوة نحو تشكيل قوة اقتصادية وسياسية قادرة على الالتفاف على العقوبات الأميركية ووضع حدّ لهيمنتها. 

 

من يستمع إلى الرئيس الصيني خلال كلمته في مستهل العرض العسكري الضخم لمناسبة مرور 80 عاماً، والذي يؤكد فيها أن "نهضة الأمة الصينية لا يمكن إيقافها"، مستفيضاً في شرح القضية النبيلة المتمثلة بالسلام والتنمية للإنسانية التي تقودها الصين"، لا يتفاجأ فقط، بل يعيش صدمة "الاستغراب"، خصوصاً من المشهد الذي يجمع إلى جانب الصين تلك الدول التي تمارس القمع التعسفي بحق شعوبها، والتي غالباً ما تتعدى نسبة الزعيم الفائز في عملية الانتخابات الرئاسية الـ90%، ما يؤكد أوتوقراطية الحزب الحاكم، وضرب كل أشكال المعارضة على مختلف أنواعها، وما جماعة الإيغور الصينية إلا نموذج لذلك. 

 

يحق للصين ولحلفائها الحديث والسعي لتغيير النظام الدولي القائم، لا سيما أنه بُني على مبادئ غربية واحتكر من قبل الولايات المتحدة لدرجة أن البعض ذهب في تسمية "العولمة" بـ"الأمركة". فعلى قاعدة "مصيدة ثيوسيديوس" للمؤرخ اليوناني القديم، هناك حتمية للمواجهة العسكرية بين القوة الفارضة وتلك الصاعدة. وبما أنّ شي اعتبر أن بلاده قوة صاعدة لا يمكن إيقافها، يعني حتماً الصدام مع القوة القائمة والمتمثلة بالنفوذ الأميركي على النظام العالمي. 

 

أصاب شي في إشارة مبطنة إلى الولايات المتحدة أن "العقليات العتيقة المتمثلة في الهيمنة وسياسات القوة ما زالت مؤثرة، حيث تحاول بعض الدول إعطاء أولوية لمصالحها الخاصة على حساب الآخرين، ما يهدد السلام والاستقرار الدوليين". فعلاً إن العقلية الأميركية الاستعمارية أدخلت العالم في أتون الحرب الدائمة، ما أبعد الاستقرار العالمي، وحفّز الدول الحليفة لها على ممارسة العنف لأجل تحقيق الغايات. فعلى سبيل المثال، بات الجميع على دراية بأن السلوك الإجرامي العدواني المتمثل في حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية تجاه سكان القطاع هو نتيجة التحفيز من قبل الإدارة الأميركية ودعمها المباشر. 

 

إن العالم في ظلّ الهيمنة الأميركية "ليس بخير"، وهذه حقيقة واضحة، ليس فقط في ما يرتبط بتغذية النزاعات العسكرية لتحصيل مكاسب جيواستراتيجية، كما هي الحال في أوكرانيا، حيث وضعت واشنطن يدها على معادن كييف النادرة مقابل مدّها بالسلاح. كما أن كل القرارات التي أخذتها الإدارات الأميركية المتعاقبة أدت إلى إحداث اضطرابات في الساحة الدولية، كالقرار الذي اتخذته إدارة الرئيس دونالد ترامب في ما خصّ رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، حيث أربك حركة التجارة العالمية. 

 

هذه هي أميركا، هكذا عبّرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت عندما سألت عن السبب الذي يدفع بلادها لتأجيج الصراعات بدل إخمادها. لكن بالمقابل، لا يمكن الرهان على دول ذات أنظمة قمعية في الحديث عن نظام عالمي "بخير". إذ ينظر المتابع إلى تلك الدول التي اجتمعت واصطفت إلى جانب الصين في مشروع التغيير الدولي، لا يعيش مواطنوها الاستقرار، ولا الأمان، بل الخوف والقمع فكيف ستتمكن من جعل العالم أكثر أماناً، أو بناء نظام جديد قائم على تلك المعايير والمفاهيم الجميلة التي قلما نجدها في مجتمعاتهم؟ 

 

طرح بات يسأله الجميع، لكنّ الأكيد أن الدول التي تصطفّ خلف الصعود الصيني لا تجمعها مبادئ مشتركة ولا تطبّق القيم الدينية نفسها، ولا حتى أنظمتها متجانسة، بل هي تجتمع على عدائية للولايات المتحدة، وتعمل على تحقيق هدف واحد هو إزالة الهيمنة الأميركية عن النظام الدولي، كي تستطيع هذه الدول ممارسة هيمنتها إقليمياً ودولياً. 

 

هي حتماً ليست حرباً بين محور الخير ومحور الشرّ كما وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل صراع "ثيوسيديدي" على فرض الهيمنة والسيطرة على النظام الدولي بما يتناسب مع مصالح الدول المنتصرة، كما كانت الحال بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو حتى بعد الحرب الباردة مع سقوط الاتحاد السوفياتي. لهذا فإنّ إبعاد الولايات المتحدة عن المشهدية العالمية، سيفتح المجال للكثير من التكهنات حول المنتظر، فهل سيكون هناك هيمنة قطبية صينية بديلة، وهذا مستبعد لأنّ الصين قوة اقتصادية ولكنها ليست قوة ثقافية ولا نقدية قادرة على تغطية الفراغ الأميركي. لهذا يبقى السيناريو الأكثر ترجيحاً وهو إحلال الفوضى التي ستقوّض النظام القائم، فهل من حرب عالمية ثالثة بعد إصرار ترامب على تحويل اسم وزارة الدفاع إلى وزارة حرب؟

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق