كيف يتجرأ إبريل على قطف الزهور؟

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف يتجرأ إبريل على قطف الزهور؟, اليوم السبت 26 أبريل 2025 07:18 مساءً

في شهر إبريل غادرنا العملاقة الثلاثة صلاح جاهين وسيد مكاوي وعبد الرحمن الأبنودي 

 

في زمن مضى كتبتُ: "أبريل.. يا أبريل مد يديك المباركتين واخلع عن قلوبنا كآبة الشتاء واكس بحرير ربيعك عُرى الأشجار لتعود كما كانت وطنًا للخضرة والعصافير.

 

سيدي أبريل احمل على أجنحتك المباركة الربيع والعصافير والخضرة ولمعة عيون البنات ــ عندما تدهشهن القبلة الأولى ونسيم الليل وصبر المراكبية ومواويل النيل وألوان بالونات العيال في فرح شم النسيم.. احمل على أجنحتك المباركة كل ما في الكون من جمال واذهب إلى قبر صلاح جاهين واقرأ له الفاتحة إنه صلاح يا أبريل.

 

صلاح الذي كان يضحك فتنطلق فراشات البهجة لتزين وجه العالم، يبكي فتحس أن الضحك لم يقترب أبداً من شفتيه.

 

يمثل فلا تنسى الذاكرة مشهد احتضانه "لسعيد مهران" في فيلم "اللص والكلاب".

 

يؤمن بإنجازات جمال عبد الناصر فيحول خشونة "الميثاق" إلى أغنيات مازالت تحيا وستظل، يكتب الليلة الكبيرة فتصبح نشيدًا قوميًا للسهرانين على مقهى الفيشاوي، يكتب الرباعيات فيفلسف الكون ونهرع نحن إليها لنصنع منها ضمادًا لجروح الروح والقلب معًا.

 

يكتب السيناريو فنصلب أنفسنا كل "شم نسيم" أمام التليفزيون لنري فيلمه "أميرة حبي أنا"، ونغني مع السندريللا "بوسة ونغمض وياللا لما نبقى ملايكة بمبي". تشعر معه أنك مع صديق حميم وتؤكد لنفسك أنك لو قابلته في الشارع فلن تتردد وسترمي بنفسك في حضنه الوسيع، وستحكي له عن البنت التي سهرتك الليالي وسرقت منك النوم وراحة البال، وستكون واثقًا أنه لن يشخط فيك ويعاملك مثل "الكبار الوحشين"، ويقول لك: "امشي يا واد العب بعيد".

 

بالعكس سيأخذك معه إلى مكتبه بالأهرام وسيجبر خاطرك "برسماية" لك وللبنت التي سهرتك الليالي.

 

وآه يا عم صلاح كم نفتقدك، والله لولا شعرك ورسوماتك لخنق الحزن قلوبنا.

 

بقي سؤال كيف تجرأ إبريل شهر الربيع على قطف صلاح جاهين؟".

 

عندما كتبت ما كتبت، كنت ضائقًا بإبريل الذي قطف صلاح جاهين في اليوم الحادي والعشرين منه عام 1986. لم أكن أعلم أن اليوم ذاته من الشهر نفسه باختلاف السنوات سيغادرنا فيه عملاقان آخران، سيد مكاوي في العام 1996، وعبد الرحمن الأبنودي في العام 2015.

 

قبيل رحيل جاهين رأيت مكاوي يصعد المسرح ليغني الليلة الكبيرة، فيبدل الكلمات، فيقول: "يا رب يا عالم بالحال تشفي صلاح ويصبح عال"، ثم تخنقه الدموع فلا يكمل غناء الاوبريت الأشهر والأجمل، فأي مفارقة هذه، بل أي قدر في رحيل كل هؤلاء في اليوم نفسه والشهر ذاته؟

 

عاشوا معًا سنوات طوال ملئوا فيها الدنيا وشغلوا الناس بفنهم، ثم غادروا الواحد منهم في إثر صاحبه، علاقتهم جمعيًا بالموت كانت عجيبة، في ريعان شبابه كان جاهين يعلم أن الموت قادم لا محالة، ويعلم أنه ضروري لكي تستمر الحياة، نعم تعامل مع الموت بوصفه من ضروريات الحياة فكتب: "

أنا كنت شيء وصبحت شيء ثم شيء

شوف ربنا.. قادر علي كل شيء

هز الشجر شواشيه ووشوشني قال:

لابد ما يموت شيء عشان يحيا شيء".

أما مكاوي فأخذ من شعر جاهين المعنيين معًا، الموت والخلود، الرحيل والبقاء فغنى: "

دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت

وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت

وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا

لكن حاجات أكتر بترفض تموت".

 

أما الأبنودي فكان يبدو كأنه يرحب بالموت الذي به سيتحول اسمه إلى محض قصيدة لا يعكر صفاءها شيء، احتال الأبنودي فوضع ترحيبه بالموت على لسان العمة يامنة فقال: "

 

إذا جاك الموت يا وليدي

موت على طول..

اللى اتخطفوا فضلوا أحباب

صاحيين فى القلب

كإن ماحدش غاب..

واللى ماتوا حتة حتة

ونشفوا وهما حيين..

حتى سلامو عليكم مش بتعدي

من بره الأعتاب

أول مايجيك الموت .. افتح..

أو ماينادى عليك .. إجلح..

إنت الكسبان..

إوعى تحسبها حساب.!

بلا واد .. بلا بت..

ده زمن يوم مايصدق .. كداب..!!

سيبها لهم بالحال والمال وانفد

إوعى تبص وراك..

الورث تراب

وحيطان الأيام طين

وعيالك بيك مش بيك عايشين".

 

رحم الله العمالقة الذين لم يكن فنهم إلا لصالح أمتهم.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق