نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الزمن: تسارع أم تحول؟, اليوم السبت 26 أبريل 2025 06:37 مساءً
منذ سنوات، وتحديدًا بعد عام 2019، بدأ كثيرون يلاحظون ظاهرة غريبة: الأيام تتسارع، الأسابيع تتطاير، والعام كله يمر كأنه شهر عابر. لم يعد أحد يشعر بالوقت كما كان، وكأن الزمن نفسه قد بدأ يركض وتركنا خلفه نتساءل: هل هذا مجرد وهم، أم أن شيئًا حقيقيًا قد تغيّر في طبيعة الزمن؟
العلماء يؤكدون أن الزمن، فيزيائيًا، ثابت. الثانية تظل ثانية، والدقيقة تظل ستين ثانية. لا شيء يتغير في معادلات الزمن. لكن كيف نفسر إحساسنا بأن كل شيء يتسارع؟
هنا يأتي دور علم النفس، الذي يطرح مفهوم "الإدراك الزمني"، حيث يبدو الوقت أسرع كلما انشغلنا أكثر وغارقنا في تفاصيل الحياة المتسارعة. في الماضي، كان الناس يعيشون اللحظة بكل أبعادها، يشعرون بكل ثانية، ويتذوقون تفاصيل الوقت. أما اليوم، فنحن ننتقل بسرعة من إشعار إلى آخر، ومن خبر إلى آخر، حتى باتت الذاكرة نفسها غير قادرة على استيعاب هذا التدفق الهائل من المعلومات والمشاعر.
في هذه الفترة نفسها، عاد مصادم الهدرونات الكبير للعمل بعد توقف. هذا الجهاز العملاق، الذي يديره العلماء في جنيف، يصدم الجسيمات ببعضها بسرعات قريبة من الضوء، بحثًا عن أسرار الوجود. يقولون إنهم يحاولون فهم بداية الكون، لكن ماذا لو، عن غير قصد، عبثوا بشيء في نسيج الزمن؟ هل يمكن أن يكون تسارع حياتنا انعكاسًا لشيء أعمق، شيء يتجاوز إدراكنا؟ ربما تكون هذه الفكرة أقرب إلى الخيال، ولكن، أليس ما نعيشه اليوم أشبه بالخيال؟ كل شيء يتسارع: الأخبار، العلاقات، القرارات، وحتى الكوارث. كأن العالم دخل في دوامة لا يريد أن يتوقف، والأعجب أن أحدًا لا يرفع يده ليسأل: إلى أين نمضي؟ ولماذا بهذه السرعة؟
في الماضي، كان الإنسان يملك الوقت، بل كان أحيانًا لا يجد ما يفعله به. أما اليوم، فنحن نركض في سباق محموم مع الدقائق، مع هواتفنا، ومع ماكينات الحياة التي لا تتوقف. كل شيء أصبح مرتبطًا بتسارع لا نعرف كيف نواجهه.
في الإسلام، الزمن ليس مجرد وقت يمر، بل نعمة تُوزن بالبركة، وتُختبر بالوعي، ويُقاس بالأثر لا بالدقائق. قال النبي محمد ﷺ: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة." هذا ليس مجرد وصف فيزيائي، بل إنذار روحي؛ فعندما يفقد الزمن معناه، ينهار توازن الإنسان. وحين تنكمش اللحظة، تنكمش الروح معها. ربما يكون هذا كله نتيجة لعصر السرعة الرقمية، حيث لم يعد للانتظار طعم، ولم يعد للصبر قيمة، وكل شيء بات فوريًا: الطعام، العلاقات، الأخبار، وحتى الأحلام.
لكن السؤال هنا: هل يمكننا استعادة السيطرة على الزمن؟ ربما لا نستطيع إبطاء عقارب الساعة، ولكن يمكننا استعادة الشعور بالوقت من خلال ممارسات بسيطة. يمكننا إبطاء الإيقاع اليومي، تقليل التعرض للضوضاء الرقمية، ممارسة التأمل والذكر، والعيش بوعي في كل لحظة. فالزمن، في نهاية المطاف، ليس ما تقوله المعادلات، بل ما نشعر به حين نسجد بقلوبنا، حين ننتظر بحب، حين نرى يد الله في التفاصيل الصغيرة.
ربما لم يتغير الزمن، لكننا نحن من تغيّرنا. ولعل العودة إلى إنسانيتنا، وذكرنا، وهدوئنا هي الطريقة الوحيدة لنوقف هذا الركض المجنون، أو على الأقل، لنستعيد أنفاسنا ونحن نركض.
0 تعليق