بريكس تتحدى الدولار.. نصف سكان العالم يرسمون خريطة اقتصادية جديدة ومصر في قلب التحول - هرم مصر

صدي البلد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وسط عالم متغير تسوده الصراعات الجيوسياسية والتجارية، شهدت مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية انطلاق قمة بريكس، وذلك في وقت يشهد فيه النظام العالمي اضطرابًا متصاعدًا، نتيجة للحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتفاقم النزاعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا.

وعلى مدار يومين من الاجتماعات المكثفة، كان واضحًا أن مجموعة بريكس التي تضم الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى السعودية، مصر، إيران، والإمارات تسعى بجدية إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، بعيدًا عن الهيمنة الغربية التقليدية.

عملة بديلة للدولار.. الحلم الذي يقترب

من بين المقترحات اللافتة التي طُرحت خلال القمة، جاء اقتراح الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بإنشاء عملة تجارية بديلة للدولار، وهو اقتراح ليس بالجديد من حيث المبدأ، لكنه بات يكتسب زخماً متسارعاً في ظل الأزمات المالية العالمية.

وأكد دا سيلفا على أهمية تطوير أدوات تمويلية جديدة تُمكن دول الجنوب العالمي من التحرر من القيود المفروضة من قبل المؤسسات المالية الغربية، مشددًا على أن "بنك بريكس ليس مجرد أداة تمويلية، بل يمثل دليلًا على إمكانية بناء نظام مالي عالمي أكثر عدالة وتوازنًا".

استقلال مالي.. روسيا تتقدم المقترحات

في الاتجاه ذاته، جاء تصريح وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف الذي أعلن أن هدف بريكس الأساسي يتمثل في بناء بنية مالية مستقلة تُحرّر المجموعة من الاعتماد على النظام المالي الغربي.

واقترح سيلوانوف دعم استخدام العملات الوطنية، بالإضافة إلى الأصول الرقمية والعمل على تطوير شبكة دفع عابرة للحدود، تتجاوز قيود نظام "سويفت" الخاضع للهيمنة الغربية.

وقال سيلوانوف: "وجود نظام مالي مستقل، قائم على التكنولوجيا الرقمية، يُمثل ركيزة ضرورية لتوسيع التجارة البينية لدول البريكس".

العملات المشفرة ضمن الحلول

وفي تطور لافت، لم تستبعد القمة في مناقشاتها إمكانية الاستفادة من العملات المشفرة مثل "بيتكوين"، شرط الالتزام بالأطر التنظيمية للدول الأعضاء، مما يشير إلى استعداد بعض الأعضاء لتبني أدوات مالية بديلة بشكل أكثر انفتاحًا.

تجنب الصدام مع واشنطن.. لكن الرسائل واضحة

رغم انتقادات قادة بريكس للحمائية الاقتصادية وتوسيع التعريفات الجمركية، فإن البيان الختامي المكون من 126 بندًا تجنّب الإشارة المباشرة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو الولايات المتحدة، رغم أن تهديداته بفرض رسوم جديدة كانت حاضرة في خلفية المناقشات.

وأكد البيان أن "انتشار الإجراءات المقيدة للتجارة، سواء كانت تعريفات جمركية غير مبررة أو تدابير حمائية مغلّفة بأهداف بيئية، تُهدد بمزيد من تقليص التجارة العالمية".

الصين توضح.. لا نستهدف أحدًا

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أكدت خلال المؤتمر أن "مجموعة بريكس ليست ضد أحد، ولا تسعى للمواجهة"، في رد مباشر على تهديدات ترامب بفرض رسوم إضافية بنسبة 10% على الدول "المنحازة لبريكس".

وكررت نينغ موقف الصين الرافض للحروب التجارية، مؤكدة أن "لا أحد يربح في صراع اقتصادي مفتوح".

مصر والبريكس.. شراكة من أجل الاستقلال والتنمية

بالنسبة لمصر، يُعد الانضمام إلى بريكس أكثر من مجرد عضوية رمزية. فبحسب دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر تتطلع إلى الاستفادة القصوى من التعاون مع دول بريكس في عدة مجالات، أبرزها، توطني التكنولوجيا في قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة، توسيع قاعدة التبادل التجاري باستخدام العملات المحلية مثل الجنيه المصري، الروبل، والروبية ،وتأمين السلع الاستراتيجية، خاصة القمح والوقود، دون الحاجة إلى الدولار، الحصول على تمويلات ميسرة عبر بنك التنمية الجديد لدعم المشروعات القومية، جذب استثمارات أجنبية مباشرة وزيادة تدفق النقد الأجنبي.

أهداف تنموية مستدامة عبر بوابة بريكس

ترى مصر في عضوية بريكس مسارًا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا الهدف الثامن (العمل اللائق والنمو الاقتصادي)، والهدف التاسع (الصناعة والابتكار والبنية التحتية)، والهدف السابع عشر (عقد الشراكات من أجل التنمية).

وتأمل القاهرة في الاستفادة من استثمارات دول مثل الصين وروسيا في مشروعات البنية التحتية والطاقة، ما من شأنه تعزيز النمو الاقتصادي المحلي.


توجه استراتيجي نحو السيادة الاقتصادية

وأوضح الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن انضمام مصر إلى مجموعة البريكس لا يُعد مجرد تحرك دبلوماسي، بل يمثل توجهًا استراتيجيًا نحو الاستقلال المالي، وتحرير القرار الاقتصادي من قيود التبعية النقدية والسياسية للغرب.

وأكد أن التحول نحو استخدام عملات بديلة أو تعزيز التعامل بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء في البريكس، من شأنه أن يخفف الضغط عن الاحتياطي النقدي الأجنبي المصري، الذي يتأثر بشكل كبير بتقلبات الأسواق العالمية وارتفاع فاتورة الاستيراد بالدولار.

فوائد اقتصادية مباشرة لتقليل الاعتماد على الدولار

وبحسب الشامي، فإن تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة الخارجية من خلال التعامل بالعملات الوطنية بين أعضاء التكتل، يمثل خطوة جوهرية لتحسين الوضع المالي الداخلي لمصر. ويضيف أن ذلك سيساهم في خفض تكلفة استيراد السلع الاستراتيجية مثل القمح والطاقة، ما ينعكس إيجابًا على الميزانية العامة ويقلل من أعباء التمويل الخارجي.

شراكات استراتيجية مع قوى صناعية وزراعية كبرى

ولفت الدكتور الشامي إلى أن دول البريكس تمثل أكثر من 50% من سكان العالم وتنتج حوالي ثلث الإنتاج العالمي من الحبوب، ما يجعل التعاون معها خيارًا استراتيجيًا لمصر، خاصة في ظل محاولات تأمين الاحتياجات الأساسية بأسعار معقولة خارج منظومة الوسطاء الغربية.

وأضاف أن الانضمام إلى هذا التكتل يفتح الباب أمام شراكات مع قوى صناعية وتكنولوجية مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل، وهو ما يتيح لمصر فرصة توطين التكنولوجيا المتقدمة في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة.

نحو نظام مالي عالمي بديل

ويرى الشامي أن الظروف الدولية الحالية أصبحت مهيأة لطرح بدائل حقيقية للنظام المالي العالمي القائم على هيمنة الدولار، خاصة بعد أن تحولت العقوبات الاقتصادية الأمريكية إلى أداة سياسية لمعاقبة الخصوم. ويؤكد أن إطلاق عملة بديلة للدولار بين دول البريكس قد يُخفف من ما وصفه بـ"الابتزاز الاقتصادي الأمريكي"، ويوفر هامشًا أوسع من الاستقلال المالي والسياسي للدول الأعضاء.

التحول المدروس.. من العملة إلى الإدارة

وفي ختام حديثه، شدد الشامي على أن فك الارتباط بالدولار لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، بل يتطلب استراتيجية طويلة الأجل تشمل توحيد السياسات النقدية، وتكامل الأسواق المالية، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام داخل التكتل.

وقال: "المعركة الحقيقية ليست في إعلان عملة جديدة، بل في إدارتها بفعالية واستقرار لضمان نجاح هذا المشروع الطموح."


في عالم يموج بالفوضى والتغيرات المتسارعة، تسعى مجموعة بريكس إلى إعادة تشكيل قواعد النظام الاقتصادي العالمي، بعيدًا عن الهيمنة الغربية والدولار الأمريكي. القمة الأخيرة في ريو دي جانيرو لم تكن مجرد حدث دبلوماسي، بل كانت بمثابة إعلان نوايا لتكتل عالمي جديد، يؤمن بالاستقلال، والتكافؤ، والشراكات العادلة.

بالنسبة لمصر، فإن دخول هذا التكتل ليس مجرد ورقة سياسية، بل خطوة نحو التحرر الاقتصادي الحقيقي، وتعزيز الأمن الغذائي، وزيادة فرص التنمية المستدامة.

المرحلة المقبلة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة هذه الدول على تحويل الطموحات إلى واقع، والانتقال من التصريحات السياسية إلى البنى التحتية المالية التي تعزز استقلال القرار الاقتصادي وتؤسس لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق