كتب محمد الجمل:
رصدت "الأيام" مجموعة جديدة من المشاهد من وسط العدوان الإسرائيلي المُستمر على القطاع، وما نجم عنه من معاناة كبيرة للمواطنين، منها مشهد بعنوان "السكر من أجل الحياة"، ومشهد آخر جاء تحت عنوان "خان يونس مدينة الانفجارات"، ومشهد ثالث يُوثق عمليات انتظار الحصول على المساعدات، وما يتخلل ذلك من مخاطر كبيرة على المواطنين.
السكر من أجل الحياة
أثّر غياب سلعة السكر في قطاع غزة، وتجاوز ثمن الكيلوغرام منه 350 شيكلاً على مختلف مناحي الحياة، وأدى إلى تعطل العشرات من المشاريع الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، وحرم المواطنين من تناول أطعمة ومشروبات تحتوي على السكر.
لكن كل ما ذُكر يعتبر هامشياً أمام أهمية السكر في إنقاذ حياة الآلاف من المرضى، خاصة من يعانون داء السكري، ويحتاجون السكر عند حدوث نوبات تنتج عن احتراق مفاجئ للسكر في الدم، يصاحبها غيبوبة، يكون المريض فيها بحاجة ماسة لكمية قليلة من السكر لإنقاذ حياته، واستعادة وعيه.
وتجتهد العائلات، التي يتواجد فيها مرضى السكري، لتوفر ولو كمية قليلة من السكر، أو أي مشروبات تحتوي على نسب عالية منه، لإعطائها لمرضى السكري عند نوبات حرق السكر في الدم.
ويقول المواطن إبراهيم ماضي: إنه يعيش في مخيم للنازحين بمواصي خان يونس، وعند الثانية فجراً، وبينما كانت هناك سلسلة استهدافات وغارات على خيام للنازحين، أصيب أحد قاطني المخيم "بغيبوبة سكري"، وكان بحاجة ماسة لملعقة سكر واحدة كي ينجو، وقد بحثوا في كل الخيام، بالتزامن مع محاولتهم الاتصال على سيارات إسعاف لنقله للمستشفى، لكن جميع مركبات الإسعاف كانت مشغولة في إجلاء الشهداء والجرحى من مواقع القصف.
وأكد أنهم لم يجدوا أي كمية من السكر، ولم يستطيعوا إيجاد مركبة تقلّه، فتوفي في خيمته والجميع ينظرون إليه، ولا أحد يستطيع إنقاذه.
وأضاف ماضي: إنه من المُحزن أن نفقد روحاً كان بالإمكان إنقاذها بالقليل من السكر الذي لا يساوي ثمنه بضع أغورات، لكن الحصار حال دون ذلك.
بينما أوضح المواطن سامي ياسين أن والدته المُسنة تعاني من داء السكري، إلى جانب أمراض مزمنة أخرى، وبين الفينة والأخرى تأتيها نوبات حرق السكر، وتصاب بغيبوبة، وأحياناً تشعر بها قبل حدوثها، وكان دائماً معها حلوى، وحين تشعر بالأمر تتناول حبة حلوى صغيرة فتتعافى، لكن في ظل الحصار باتوا يعانون.
وأوضح أنه اضطر لشراء نصف كغم من السكر مقابل 180 شيكلاً، وأبقاه في خيمته للطوارئ حتى لا يفقد والدته.
كما تحدث ياسين عن معاناة المرضى بشكل عام، وأصحاب الأمراض المزمنة على وجه التحديد، حيث تفاقمت معاناتهم في قطاع غزة في ظل الحصار، ونقص الأدوية، وقلة عدد المراكز الطبية التي تهتم برعايتهم.
خان يونس مدينة الانفجارات
باتت محافظة خان يونس، التي يقطنها أكثر من 800 ألف مواطن ونازح، من أكثر محافظات القطاع سخونة، وغالبية أحيائها تشهد قصفاً مدفعياً وجوياً ومواجهات مُسلحة على مدار الساعة.
ويُسيطر الاحتلال على أكثر من 90% من مساحة خان يونس، إما من خلال احتلالها بشكل مباشر، أو من خلال اعتبارها مناطق حمراء مُخلاة، يحظر على الناس دخولها.
ويسمع النازحون، المتكدسون في منطقة المواصي غرب خان يونس، أصوات الانفجارات على مدار الساعة، لا سيما القصف المدفعي الذي يستهدف أحياء شرق ووسط وجنوب خان يونس، وعادة ما تسقط بعض القذائف على مقربة من الخيام، أو حتى داخل المخيمات، متسببة بسقوط شهداء وجرحى.
ويقول المواطن محمود الطويل، وهو نازح من محافظة رفح، ويعيش في خيمة بمنطقة المواصي: إن أصوات الانفجارات لا تتوقف في خان يونس، وتنقسم لثلاثة أنواع، الأول انفجارات تنجم عن نسف منازل، وهي أكثرها قوة، وتتسبب باهتزاز الخيام، وفي ساعات الليل ينجم عنها وميض أحمر يملأ السماء، أما النوع الثاني وهو القصف الجوي من الطائرات، وهذا يمكن تمييزه بوضوح من خلال سماع أصوات قنابل وهي تتجه نحو أهدافها، والثالث القصف المدفعي والأخير لا يتوقف أبداً، ويستمر على مدار الساعة، وهو من أكثر الأصوات إزعاجاً، نظراً لأنه يصدر عن كل قذيفة انفجاران، الأول عند خروجها من المدفع، والثاني عند سقوطها وانفجارها.
وأكد الطويل أنه مكث في رفح عدة أشهر خلال الحرب، وعاش في خان يونس 9 أشهر قبل التهدئة الأخيرة، لكنه لم يسمع أصوات انفجارات كتلك التي يسمعها حالياً، حتى أنه بات يقول لأبنائه: إن خان يونس يمكن تسميتها "مدينة الانفجارات"، من شدة ما يحدث فيها من قصف لا يتوقف
وأوضح أنه رغم اعتياد الناس على أصوات الانفجارات، إلا أنها تترك أثراً نفسياً سيئاً على الجميع، خاصة الأطفال، لا سيما عندما تكون قوية، وتتسبب بفزع النائمين، أو تكون قريبة، وينجم عنها تطاير شظايا.
وأكد أن العمليات البرية الحالية في خان يونس لم تترك منطقة آمنة، فالرصاص يضرب ويصل حتى خيام النازحين، والغارات تستهدف المخيمات المُكتظة كل يوم.
انتظار المساعدات
بات انتظار وصول المساعدات الإنسانية، في مناطق شمال وجنوب ووسط القطاع، واحداً من أخطر المغامرات اليومية، التي يخوضها عشرات الآلاف من المواطنين.
وعادة ما تصل حشود كبيرة من المواطنين إلى ما بات يُصنف على أنه "مناطق حمراء"، بانتظار وصول شاحنات المساعدات من المعابر الإسرائيلية، بهدف اعتراضها، وسرقة محتوياتها.
وسبق أن تعرضت حشود منتظري المساعدات لإطلاق نار وقصف من طائرات ودبابات الاحتلال، خاصة في محيط وادي غزة وسط القطاع، ومناطق جنوب خان يونس، وشمال غربي مدينة غزة، ما أوقع عشرات الشهداء ومئات الجرحى خلال الفترات الماضية، خاصة خلال حزيران الماضي.
ويقول المواطن حسام طه: إنه يتوجه إلى مناطق جنوب خان يونس باستمرار لانتظار وصول شاحنات المساعدات. وقد قسم المتواجدون هناك لنوعين، الأول مواطنون جوعى يأملون بالحصول على فتات المساعدات لإطعام أبنائهم، والثاني عصابات لصوص مُنظمة ومُسلحة تُسيطر على المساعدات وتسرقها بهدف بيعها، وهؤلاء يمنعون المواطنين العاديين من أخذ المساعدات، وحال نجحوا تتم سرقتها منهم مرة أخرى، فهذه العصابات لها سيطرة كاملة على المناطق الحمراء.
وأكد طه أن الوضع في مناطق جنوب خان يونس وغيرها من مناطق انتظار المساعدات خطير جداً، ويومياً يتم استهداف المواطنين هناك، وثمة شهداء وجرحى يسقطون بشكل يومي.
وأوضح أنه رغم ذلك يضطر للمغامرة بحياته، لعلّه يحصل على شوال طحين، أو صندوق مساعدات يحتوي على مواد غذائية.
بينما أكد المواطن أحمد الشاعر أن الاحتلال حوّل بعض المناطق في جنوب القطاع لمرتع للعصابات الإجرامية، التي يحميها، بينما يقصف المواطنين ممن جاؤوا لأخذ فتات المساعدات، ويرتكب بحقهم أبشع المجازر.
وأوضح أنه فقد عدداً من أقاربه ممن دفعهم الجوع للتوجه إلى مناطق جنوب خان يونس ووسط القطاع، لعلهم يحظون ببعض الطحين، في ظل ارتفاع أسعاره على نحو كبير، وعدم قدرة غالبية الناس على شرائه.
وأشار إلى أن انتظار المساعدات عند المناطق الحمراء يسهم في تفاقم المجاعة، فهناك يتم قطع الطريق عليها، ومنعها من الوصول إلى وجهتها حيث مخازن المؤسسات الأممية والدولية، وبالتالي ذهاب هذه المساعدات لفئة محدودة من الناس غالباً ما يقومون ببيعها، ويحرمون الناس منها.
0 تعليق