أحمد العمار*
تكاد تتفق الجهود التسويقية والإعلانية والترويجية كلها على هدف بيعي واحد، نبسّطه في الآتي: كيف لنا أن ندفع بعميلنا العزيز من بيته.. مكتبه.. غرفة نومه.. إلى متاجرنا، ليتخذ قراره الشرائي، ويطلب منتجاتنا وخدماتنا، لا بل كيف نستديم هذا الطلب لديه؟ وهو ما يعرف، تسويقياً، بالولاء للعلامة التجارية، أي حالة التفضيل المطلقة، والتي تعني شراءً، دونما تردد أو مفاضلة مع منتجات أخرى.
هنا، يستدعي المسوقون وصانعو الرسالة الإعلانية «السيدة عايدة» للمساعدة، والتي تلعب دور المنقذة والموجهة لسلوك المستهلك، ولكن من هي «عايدة» يا تُرى؟!
بالتأكيد، هي ليست اسماً لنجمة سينمائية مشهورة، أو قارئة فنجان أكثر شهرة، كما أنها ليست بنت الجيران، أو زميلة العمل..!
إن اسم هذه الفتاة (الافتراضية)، هو الأقرب في اللغة العربية لتعبير (AIDA)، والذي يتفق عليه مخططو ودارسو التسويق والإعلان. إنه يلخص الأهداف النفسية للرسالة الإعلانية، بجمع الأحرف الأولى من هذه الأهداف.
والبداية من هدف جذب الانتباه أو الصدمة الحسية والإدراكية (Attention)، ثم إثارة الاهتمام أو الصدمة النفسية الوجدانية (Interest)، فاستثارة الرغبة (Desire)، وأخيراً الاستجابة أو الفعل (Action)، والتي تعني نجاح الرسالة في جذب المستهلك أو العميل لطلب السلعة أو الخدمة.
لذا، نجد كيف تتبارى المتاجر ومنافذ البيع لكسب انتباه المتسوقين والمارة في الشارع، وحتى يكون هذا الجذب مفيداً ومجدياً، يجب ألا يزيد على خمس ثوانٍ، وهنا يجري العمل بدقة واحترافية، عبر الشعارات والعبارات والمزايا البيعية والترويجية، فضلاً عن الألوان وتغذية الرؤية البصرية والاتصالية، بما يروي فضول الزبون، ويدفع به إلى الخطوة التالية.. وإذا كانت هذه الأهداف هي الأكثر شيوعاً، فإن هناك من يزيد عليها هدف الإقناع، بالنظر لكون الرسالة، هي وقبل كل شيء، جهداً إقناعياً، عبر تثبيت وتدعيم الأفكار الإعلانية، فترسيخ الفكرة في ذهن المتلقي لا يقل، بحال من الأحوال، عن اقتناعه بها ووصولها إليه، فهي بوابة إثارة الحواس والرغبات، خاصة إذا ما نظرنا إلى الحملة الناجحة على أنها جهد يؤسس لقاعدة متينة، سترتكز عليها حملات ونجاحات مقبلة.
وحسب خبراء النفس والاجتماع، فإن سلوك المستهلك ما هو إلا محصلة لعدد من العوامل الشخصية من حيث كون الفرد مندفعاً.. متريثاً.. شجاعاً.. جباناً.. معتمداً على نفسه أو على غيره، أما العوامل الأخرى، فقد تكون اقتصادية مرتبطة بقوة الفرد الشرائية، أو اجتماعية متعلقة بتأثير الأفراد والجماعات في سلوك هذا الفرد، أو تسويقية ناجمة عن أنشطة الترويج والمبيعات الموجهة من قبل الشركات والمؤسسات.
ولمقاربة فهم تأثير هذه العوامل، دعنا نفترض أن شخصاً اشترى مركبة من أحد معارض السيارات، وصادف وجود خمسة خبراء هناك، وهم مختصون في علوم الاقتصاد والسلوك والاجتماع والأجناس والتسويق، وسيعتمد هؤلاء على طريقة الملاحظة المباشرة، لمعرفة أسباب ودوافع الشراء. لنرَ كيف حلل كل من هؤلاء الموقف..
انصب رأي الاقتصادي على أن المشتري يحظى بدخل عالٍ، أمكنه من تغيير سيارته القديمة وشراء أخرى جديدة، وأن قراره جاء بعد تفحص قوته الشرائية، ونتيجة لسياسة ادخارية أو اقتراضية طويلة أو قصيرة الأجل، فضلاً عن مهارة مندوب المبيعات، الذي منحه خصماً مغرياً على تلك السيارة، وبيّن له المنافع وحجم التوفير وسهولة التقسيط، وضمانات وخدمات ما بعد البيع.. واختلف رأي السلوكي مع الاقتصادي، مبرراً ذلك بشراء سيارة من نوع وطراز محددين، وإلى ميل الفرد لتكوين انطباعات محددة عن نفسه، فقد يرى ذاته بأنه ذكي، أو محل إعجاب الآخرين، أو خفيف الظل.. إلخ، وإذا ما كوّن هذا الشخص انطباعاً ما عن نفسه تجاه الآخرين، فإن من شأن ذلك أن يحدد ويؤثر في قراره الشرائي، الذي هو شخصي- اجتماعي بالدرجة الأولى، كما يراه السلوكيون..
وللاجتماعي رأي مختلف، حيث عدّ أن للأشخاص المحيطين تأثيراً كبيراً في سلوك المستهلك، لذا فإن قرار الشراء، قد يكون حاصل تأثير بعض أو كل من الزوجة.. الأم.. العائلة.. الأصدقاء.. زملاء العمل، البيئة المحيطة، فضلاً عن أن حجم العائلة يلعب دوراً في تحديد شكل السيارة وحجمها، دون أن نحيّد الجوانب المتعلقة بطراز السيارة ونوعها والغرض منها (شبابية، رياضية، جبلية، ..)، كذلك جانب الموضة والاتجاه السائد في تفضيلات الشكل واللون وغيره..
ولخبير الأجناس رأي متقارب مع الاجتماعي، حيث يعتقد أن تنشئة الفرد في بيئة متنعمة أو خشنة.. مبذّرة أو مقتصدة، يؤثر في تصرفاته وتحديد احتياجاته، فالفرد ابن بيئته سلوكياً وتسويقياً أيضاً، وهي تصنع قراراته وتوجهها، دون أن يدري..
وأنهى خبير التسويق هذه المناقشة، مبيناً أن الآراء السابقة جميعاً لا سند واقعياً لها، فلو لم يُقنع مندوب المبيعات هذا الزبون، ويعلن المعرض وجود هذا النوع من السيارات، ويقدم الحسومات والحوافز المشجعة، لما اشترى هذه السيارة، فمحرك الشراء هو تسويقي- إعلاني بالدرجة الأولى.
من وجهة نظرنا: لا نستطيع أن نقلل من شأن أي من تلك الآراء، لأن كلاً من هؤلاء الخبراء، أدلى بدلوه وفقاً لاختصاصه واهتمامه، ما يعني أن قرار الشراء معقد ومركب، ويحتاج فهماً لآلية نشوئه بكل تشعباته وتناقضاته، لاسيما لحظة تغير مسار الزبون ودخوله إلى المتجر، وهذا يدفعنا إلى ما بدأنا به (ضرورة التعرف إلى عايدة)، فهي الأكثر خبرة ودراية منا جميعاً..!
إضاءة:
«تتبدل المواقف بتبدل المواقع، لكن قلما تكون مواقفنا وليدة اللحظة..!».
*إعلامي اقتصادي
[email protected]
0 تعليق