د. محمد الصياد*
سريعاً بدأت تظهر عوارض حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين. مؤخراً فقط، رفعت وزارة الخزانة الأمريكية تقديراتها للاقتراض بالربع الثاني من عام 2025 (من إبريل/ نيسان حتى يونيو/ حزيران)، بشكل حاد، متوقعة أن يبلغ صافي الدين القابل للتسويق (في صورة سندات خزينة)، 514 مليار دولار أمريكي، ما عدّه الإعلام الاقتصادي الأمريكي، ارتفاعاً مذهلاً بنسبة 317%، عن توقعات وزارة الخزانة البالغة 123 مليار دولار، والتي صدرت قبل شهرين فقط.
بعض الاقتصاديين الأمريكيين عزوا هذا التحول الكبير، بحسب ما نقل عنهم الإعلام، إلى بدء الحكومة، في الربع السنوي الأول من العام الجاري (2025)، بسيولة نقدية أقل بكثير مما كان متوقعاً، فقد توفر، بحسب «بلومبيرج»، لدى وزارة الخزانة في فبراير/ شباط، 406 مليارات دولار، انخفاضاً بمقدار 444 مليار دولار، عما كانت توقعت وجوده في خزينتها في نهاية مارس/ آذار، وهو 850 مليار دولار. للتهوين، عزت «بلومبيرج» انخفاض رصيد الخزانة، إلى عدم رفع الكونجرس سقف الدين الفيدرالي حتى الآن، ما يحد من قدرة الحكومة على إصدار ديون جديدة.
بالنسبة للربع المالي الثالث (من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول)، تتوقع وزارة الخزانة اقتراض 554 مليار دولار، وأن يصل رصيد الاقتراض النقدي إلى 850 مليار دولار، بنهاية الفترة. ونقلت «بلومبيرج» عن بلو كراندال، المسؤول السابق في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وكبير الاقتصاديين (حالياً) في شركة «رايتسون آيكاب» “Wrightson ICAP”، وهي شركة أبحاث متخصصة في تحليل عمليات وسياسات الاحتياطي الفيدرالي، واتجاهات تمويل الخزانة، والبيانات الاقتصادية كثيرة التردد – تحذيره من أن وزارة الخزانة، قد ترفع تقديراتها إذا استمرت في افتراض رصيد «غير واقعي» قدره 850 مليار دولار في نهاية الربع الثالث.
قبل ذلك، كانت وزارة الخزانة الأمريكية، أعادت تقدير احتياجاتها من الاقتراض، للربع الثاني من عام 2025، من 123 مليار دولار إلى 514 مليار دولار. هذا رقمٌ مذهل، إنما على أية حال، هذا هو ما يحدث عندما تُحرق حربك التجارية عائدات الضرائب.
معلومٌ أن «حرب التعريفات العالمية»، التي شنها ترامب يوم الثاني من إبريل 2025، انهارت بسرعة (يوم التاسع من إبريل بعد اتضاح هول صدمة أسواق «وول ستريت»، والخسائر الكبرى التي منيت بها الشركات في أمريكا والعالم)، لتتحول إلى هجومٍ مُركّز على الصين، الدولة الوحيدة التي كانت تُؤمّن الوهم الأمريكي الذي يتغذى بالديون، وهو ما يفسر الآن معاناة أمريكا من هذا «الركود المالي الحاد».
مراجعات وزارة الخزانة الأمريكية (السلبية) لإعلاء تقديرات احتياجاتها للاقتراض، أثارت مخاوف الجمهور الأمريكي، الذي ضجت تساؤلاته بشأن كيفية تأثير ارتفاع الاقتراض على الأمريكيين العاديين، حيث حذّر العديد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، من أن ارتفاع الديون قد يُؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري، وفوائد بطاقات الائتمان، وتكاليف الاقتراض الأخرى، كما وُجّهت انتقادات أيضاً لتخفيضات الضرائب المقترحة وزيادة الميزانية العسكرية، حيث سلّط البعض الضوء على إخفاقات البنتاغون المتكررة في اجتياز عمليات التدقيق، فيما أعرب آخرون عن إحباطهم مما يرونه نقصاً في المساءلة والمسؤولية المالية. بشكل عام، تعكس الردود قلقاً واسع النطاق بشأن التداعيات الاقتصادية لتقديرات وزارة الخزانة المُعدّلة، وما تُشير إليه بشأن وضع المالية الفيدرالية.
في مقابلة كانت أجرتها قناة “MSNBC”، مؤخراً، مع النائبة الجمهورية عن ولاية إنديانا الأمريكية، فيكتوريا سبارتز، قالت إن الولايات المتحدة لن تتمكن من الاستمرار كدولة، إذا لم تعتمد سياسات مالية مستدامة. لكن النائبة، كبقية زملائها النواب عن الحزب الجمهوري، تريد تخفيض عجز الموازنة الأمريكية عن طريق خفض الإنفاق على الصحة والتعليم.
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية
[email protected]
0 تعليق