الدعاء هو صلة العبد بربه، ومفتاح خزائن الرحمة، وملجأ المؤمنين في كل أحوالهم، به تطيب القلوب، وتُقضى الحاجات، وتُرفع الدرجات. وقد امتلأ كتاب الله عز وجل بصيغ دعاء عظيمة، نطق بها الأنبياء والصالحون، فكانت مثالًا يُحتذى في صدق الرجاء، ورفعة المقصد، وجمال التعبير.
وعباد الرحمن الذين جمعوا الخصال والفعال الحميدة، ومن جميل الكلمات الحسان لهم دعوات كثيرة ومن أجمل هذه الأدعية وأشملها ما ورد في القرآن الكريم في سورة الفرقان آية 74: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا))
أي يا ربنا هب لنا من هباتك العظيمة الكثيرة أزواجاً، وذرية صالحة وأن يرزقهم اللَّه تعالى من يخرج من أصلابهم ومن ذرياتهم من يطيعه، ويعبده وحده لا شريك له ((من يعمل لك بالطاعة، فتقرّ أعيننا بهم في الدنيا والآخرة)).
وهذا الدعاء لأزواجهم وذريتهم في صلاحهم؛ فإنه دعاء لأنفسهم؛ لأن نفعه يعود عليهم، ويدوم في الدنيا والآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))
كما يعود هذا النفع إلى عموم المسلمين؛ لأن بصلاح من ذُكر يكون سبباً لصلاح كثير ممن يتعلق بهم، وينتفع بهم.
((وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)): أي واجعلنا أئمة هدىً يقتدي بنا أهل التقوى، في الفعل، والقول، وفي إقامة الدين، وسؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتقين يُقتدَى بهم، هو طلب من اللَّه أن يهديهم، ويوفقهم، ويمنَّ عليهم بالعلوم النافعة، والأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة التي توصلهم إلى هذه المنزلة العليّة.
ويدل هذا الدعاء بمنطوقة ومفهومه على ان عباد الرحمن يسألون الله عز وجل أن يكونوا كاملين لهم ولغيرهم، هادين مهتدين، وهذه أعلى الحالات، وأجلّ الكمالات، ولمّا كانت هممهم ورغباتهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل والدرجات العالية
((أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)) سورة الفرقان، الآية: 75
يتضمن الدعاء فوائد عدة هي:
إن هبة اللَّه تعالى من أعظم النعم، ولذلك توسّلوا بها.
إن سؤال اللَّه تبارك وتعالى إصلاح الزوجة والذرية من المقاصد المهمّة التي ينبغي للداعي الاعتناء بها.
ينبغي للداعي أن يعظم رغبته في الدعاء، وأن يسأل اللَّه تعالى أعلى المطالب، وأسمى المراتب
بيان عظم الدعاء، وأنه من أعظم الأسباب في إعطاء المرجوّ، وأنه يدلّ على عظم كرم اللَّه تعالى، وكمال قدرته، وسمعه، وعلمه، ويدلّ على محبّة اللَّه تعالى له.
يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل
0 تعليق