Published On 3/9/20253/9/2025
|آخر تحديث: 22:00 (توقيت مكة)آخر تحديث: 22:00 (توقيت مكة)
في زمن تتنافس فيه الأعمال التجارية والثقافية على ابتكار تجارب جديدة لجذب الجمهور، لم تعد دور السينما مجرد أماكن لعرض الأفلام، بل تحولت إلى فضاءات متعددة الأنشطة تمزج بين الترفيه والهوايات الشخصية. فالمشاهد المعاصر يبحث عن تجربة شاملة تمنحه المتعة والراحة والقدرة على ممارسة اهتماماته المفضلة، حتى ولو كان ذلك خلال متابعة فيلم.
هذا التوجه الجديد يظهر بوضوح في عدة مدن حول العالم، حيث باتت بعض دور العرض تقدم أنشطة موازية مثل الحياكة والتطريز، وتناول القهوة والكعك، وتتيح فرصة اصطحاب الأطفال.
ومن أبرز هذه المبادرات ما تحتضنه العاصمة الألمانية برلين، حيث تقدم دار السينما المستقلة "يورك كينو" نموذجا مميزا يجمع بين متعة مشاهدة الأفلام وممارسة الحرف اليدوية.
"نادي الحرف" وسط أجواء سينمائية
في قاعات سينما "يورك كينو"، يمكن للزوار إحضار أعمالهم اليدوية وأدوات الحياكة والتطريز، والتأرجح ذهابا وإيابا بين شغفهم بالحرف اليدوية والاستمتاع بمشاهدة الأفلام الكلاسيكية. وتُعرف هذه التجربة باسم "نادي الحرف في يورك كينو"، وتُقام كل 6 أسابيع، حيث يمتلئ المكان تقريبا في كل مرة.
يقول كريستيان براور، المدير الإداري لمجموعة "يورك سينما" إن "دورات أشغال الإبرة تكون دائما مكتملة العدد"، مشيرا إلى أن الحضور يغلب عليهم النساء من مختلف الأعمار، حيث تجلس المسنات بالعكازات بجوار الشابات، وسرعان ما تبدأ بينهن أحاديث عفوية ودافئة.

أشغال الإبرة وسحر الاسترخاء
يرى الباحث الألماني في الاتجاهات المجتمعية والإعلامية، إيك وينزل من هايدلبرغ، أن هذه التجربة تمثل نوعا من إبطاء إيقاع الحياة وسط زحام العصر الحديث، "فأشغال الإبرة وسيلة لإبطاء إيقاع الحياة اللاهث، فهي تمنح استرخاء شبيها بما نشعر به أثناء مشاهدة الأفلام".
إعلان
وقد ازداد الاهتمام بالحياكة والتطريز بشكل خاص خلال فترة جائحة كورونا، حين اكتشفت الكثير من الفتيات هذه الهواية ووجدن متعة إضافية في ممارستها مع أخريات في أجواء اجتماعية.
وتوضح أنجيلا بروبست باياك، المتحدثة باسم مجموعة ألمانية للحرف اليدوية، أن اختيار الفيلم المناسب يلعب دورا في نجاح التجربة، مضيفة "إذا كان العمل الحرفي معقدا، فمن الأفضل اختيار فيلم سهل المتابعة"، وذلك لتجنب تشتيت الانتباه.
التجربة تتوسع خارج ألمانيا
لم تقتصر هذه الظاهرة على برلين فقط، بل انتشرت في مدن ألمانية أخرى مثل ميونخ وهامبورغ وكيل، وانتقلت أيضا إلى فيينا في النمسا، حيث تقدم دور العرض جلسات مشابهة. أما في كوريا الجنوبية، فتقدم سلسلة "سي جي في" الأكبر في البلاد عروضا تسمح للحضور بممارسة أشغال الإبرة أثناء مشاهدة الأفلام، مع تعديل الأضواء في القاعة لتمكين المشاهدين من متابعة الفيلم والحرفة اليدوية معا.
وفي بريطانيا، تتبنى سلسلة "بيكتشر هاوسز"، التي تمتلك 25 دار عرض مستقلة، الفكرة ذاتها، حيث تشجع الزبائن على إحضار أعمالهم الحرفية، مع التنبيه إلى عدم استخدام الطلاء أو أي مواد قد تُلحق ضررا بالمكان.

القهوة والكعك.. وحتى الكلاب الأليفة!
لا تقف العروض البديلة عند الحرف اليدوية، ففي بعض دور السينما الألمانية، تُقدَّم القهوة والكعك ضمن تجربة العرض، وهو تقليد ألماني راسخ خاصة بعد الظهيرة. أما في مدينتي بوخوم وبرلين (مجمّع شبانداو)، فقد بات من الممكن حضور العروض السينمائية برفقة الكلاب الأليفة، إذ توفر بعض القاعات خدمات مخصصة لهذه الفئة من الرواد.
وقد أظهرت بيانات الهيئة الفدرالية الألمانية للأفلام أن دور السينما الصغيرة حققت نتائج أفضل من نظيراتها الكبرى في أعداد الزوار خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق. لكن عموما، ظل الأداء أقل من معدلات 2023، ويرجع ذلك جزئيا إلى إضراب هوليود في صيف 2023، الذي تسبب في تأجيل العديد من الأفلام العالمية المنتظرة في السوق الألمانية.
ورغم ذلك، يبدي مشغلو دور العرض تفاؤلا بعام 2025، مع اقتراب طرح أجزاء جديدة من أفلام ناجحة، إلى جانب مجموعة كبيرة من الإنتاجات الجديدة، وهو ما قد ينعش الإقبال من جديد.
يبدو أن السينما المعاصرة لم تعد مجرد شاشة وأفلام، بل مساحة متعددة الأبعاد تسمح للناس بمزج اهتماماتهم اليومية مع الترفيه، لتتحول تجربة المشاهدة إلى حدث اجتماعي وثقافي متكامل.
0 تعليق