الدعيج لـ«الجريدة•»: «لولو»... أول نموذج ذكاء اصطناعي كويتي لحماية السيادة الرقمية - هرم مصر

الجريدة الكويتية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في عصر أصبحت فيه البيانات هي أثمن كنوز الأمم، والأمن الرقمي هو الحصن المنيع لسيادتها، يبرز من قلب الكويت ابتكار فريد يسعى لإعادة تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا، لم يعد هذا الكنز لؤلؤة تُستخرج من قاع البحر، بل ذكاءً صُنع في بوتقة التكنولوجيا الحديثة، إنه الـ «لولو»، أول نموذج ذكاء اصطناعي محلي التطوير والاستضافة، يقف وراءه المطوّر الكويتي قصيّ الدعيج. وكشف الدعيج، في حوار خاص لـ «الجريدة»، عن قصة «لولو»، التي لم تبدأ كمشروع تقني فحسب، بل كحلم بتحقيق «السيادة الرقمية» الحقيقية؛ يضمن أن تظل أسرار وبيانات الكويت، لآلئها الثمينة، حبيسة «محارتها» الرقمية، بعيداً عن تيارات الشبكة العالمية المتقلبة... وفيما يلي تفاصيل الحوار.

أكد المطوّر الكويتي قصي الدعيج أن اسم «لولو» لم يأتِ من فراغ، فهو تكريم لأعز موروثات الأمة وأثمنها؛ اللؤلؤ، مبينا أن المشروع يستلهم روحه من حكمة أجدادنا، الغواصين الشجعان والنواخذة الحكماء، الذين أبحروا في مياه الخليج ليس بالقوة، بل باحترام عميق لطبيعته، وعرفوا كيف يحمون «الدانات» الثمينة التي يبحثون عنها، حيث وُلدت «لولو» من هذه الروح ذاتها؛ روح الحكمة والشجاعة والحماية.

وشرح الدعيج هذا الارتباط العميق فقال: «أردنا لذكائنا الاصطناعي أن يبحر في العصر الرقمي بروح مستقلة»، هذا الدافع الوطني هو المحرك الرئيسي للمشروع، ففي ظل الاعتماد على منصات أجنبية تدّعي الخصوصية دون أن تضمنها فعلياً، كان لا بُد من بديل محلي موثوق.

وأضاف أن «الهدف الأساسي كان ضمان بقاء البيانات الحساسة داخل الدولة، بل وأن تصل درجة الخصوصية إلى حد أن تبقى البيانات داخل مكتب المستخدم نفسه، مع إظهار قدرة الكفاءات الكويتية على الابتكار والتطوير».

المحارة الرقمية

وأشار إلى أن جوهر الـ «لولو» يكمن في مفهوم «المحارة» الرقمية، وهي بيئة آمنة تماما ومستضافة محليا على جهاز المستخدم الخاص، وكما تحمي المحارة لؤلؤتها من أمواج المحيط، يحمي هذا الجوهر المحلي أثمن معلوماتك.

ولفت الدعيج إلى أن المنصة تطبّق حرفياً سياسة تصنيف البيانات الصادرة عن هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات الكويتية (CITRA)، والتي تُلزم باستضافة البيانات المصنفة «حساسة» و«بالغة الحساسية» داخل مراكز بيانات محلية معتمدة.

وأكد هذه النقطة المحورية بقوله: «في لولو، كل العمليات الشخصية والحساسة تتم داخل هذا الحصن المنيع. كل عمليات المعالجة تتم على خادم داخلي، وهذا يمنع أي عمليات تعقّب خارجية أو تجسّس، ويسهّل التدقيق الأمني ويحمي المعلومات بشكل كامل، وهذا النهج يتناقض جذرياً مع مخاطر الاعتماد على سحابة عالمية، حيث تخضع البيانات لقوانين دول أخرى».

وتابع: تبلغ فلسفة الخصوصية في «لولو» ذروتها في إمكانية تخصيص النظام ليعمل بشكل منعزل تماماً، مردفا: «نحن نتحدث عن أقصى درجات المحلية؛ لدرجة أن معلوماتك وأعمالك على هذا النظام لا تغادر قوقعتها الآمنة، ويكون نظام زميلك في المكتب المجاور مختلفاً تماماً عنك إذا رغبت في ذلك».

الغواص الذكي

ولفت الدعيج إلى أن البعض قد يظن أن هذا التركيز الصارم على المحلية يعني الانعزال، لكن ما يميز «لولو» هو كونه «عقلاً هجيناً» يجمع ببراعة بين النموذجين، حيث إنه يستخدم نماذج لغوية مستضافة محلياً لمعالجة البيانات الحساسة، وفي الوقت نفسه يمكنه الاستفادة من قوة النماذج السحابية العالمية عند الحاجة إلى مهام لا تتضمن بيانات حساسة.

وأردف: لكن، كيف يتم ذلك دون تعريض «اللؤلؤة» للخطر؟ هنا تكمن البراعة التقنية، حيث تعمل «لولو» كالغواص الحكيم؛ فهي لا ترسل بياناتك الخام إلى العلن، وبدلاً من ذلك، وباستخدام خوارزميات التضمين المتقدمة (Embedding Models)، تحوّل استفسارك إلى متجه مجرد ومجهول الهوية؛ مجرد صدى أو ظل للسؤال الأصلي، مبينا أن هذا الصدى يسافر عبر البحر الرقمي، يجمع المعرفة اللازمة من النماذج السحابية القوية، ويعود محمّلاً بالرؤى، بينما تظل البيانات الأصلية في مأمن داخل «محارتها» الرقمية.

النموذج الأولي للمنصة

وأوضح أنه بعيداً عن المصطلحات التقنية المعقّدة، فإن النموذج الأوّلي للمنصة يعمل بكفاءة عالية على جهاز بذاكرة لا تتجاوز 96 غيغابايت، ولتوضيح هذه الكفاءة بصورة عملية، ورغم هذه المواصفات التي تعتبر متوسطة في عالم الحوسبة الفائقة، فقد نجح النظام الحالي في تشغيل نموذج لغوي ضخم بحجم 56 مليار متغير (parameter)، وذلك بفضل استخدام تقنيات متقدمة في ضغط النماذج وتوزيع المعالجة (Model Compression and Quantization).

وبيّن الدعيج أن «حدود النظام هي فقط ميزانية المستخدم»، حيث إن الإمكانات مفتوحة لتشغيل أنظمة أكبر وأقوى على هاردوير بقدرات حاسوبية فائقة، بذاكرة تتجاوز 1.128 غيغابايت حسب احتياجات كل جهة، ووقتها يمكن تشغيل أي موديل بأي حجم كان وتخصيصه وتعديله كما تطلب الجهة وفق اختصاصها.

رؤية «كويت 2035»

ولفت إلى أن هذه القدرة على التكيّف تجعل من «لولو» شريكاً استراتيجياً للقطاعين الحكومي والخاص، ومحركاً أساسياً لتحقيق أهداف التحول الرقمي ضمن رؤية «كويت 2035»، مردفا أن فريق «لولو» يطمح خلال السنوات الخمس المقبلة بأن يصبح نظامهم جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية لكل مؤسسة كويتية، مما يعزز محورَي «تنويع الاقتصاد» و«فعالية الإدارة الحكومية» في الرؤية الوطنية.

تطبيقات عملية

وبشأن أمثلة عملية، قدّم الدعيج تصورات واضحة لمستقبل «لولو» في أهم القطاعات الحيوية، قائلا «إنه في القطاع الصحي يمكن عند مراجعة المريض، وبعد سحب ملفه الرقمي، ووصف الأعراض، وعلى هذا الأساس وعلى أساس تاريخه الطبي، يقوم النظام بالمساعدة في التشخيص، وقراءة التحاليل ومقارنتها بالتحاليل الماضية».

وتابع: «أما في القطاع المصرفي، فيمكن من خلال الملف الرقمي للعميل، التعرف على أسلوبه في إدارة القروض، وهل هو مرشّح لأخذ قرض جديد، كما يمكن للنظام تحليل سلوكه في الإنفاق والسداد، وإعطاء التوصيات اللازمة لدعم القرار».

وشدد الدعيج على تأكيد نقطة جوهرية تتعلق بالواقعية والمصداقية، مبينا أنه «في الحقيقة، التطبيقات العملية لا حدود لها، ولكي أكون واضحاً، أنا لم أبتكر العجلة من خلال هذا النظام، فـ (لولو) لن يقوم بشيء جديد لا تقوم به الأنظمة العالمية المشهورة». واعتبر أن الابتكار الحقيقي هنا ليس في اختراع نموذج لغوي من الصفر، بل في طريقة تطبيقه وتوطينه بأسلوب يضمن السيادة الرقمية الكاملة، ما يميّز «لولو» عنهم هو أنها لؤلؤة محلية التواجد والتنفيذ، وهذا بحد ذاته هو الإنجاز الأهم.

بيع النظام وتوفير خدمات الدعم والتحديث

حول النموذج التجاري للمشروع، قال الدعيج: «أتوقع أن أفضل نموذج عمل هو بيع النظام متكاملاً، مع توفير خدمات الدعم والتحديث الدوري، وتدريب الأطقم الفنية في الجهة المستفيدة على التعامل معه».

ودعا الدعيج الشباب الكويتيين إلى الانطلاق في تنفيذ أفكارهم، قائلا: «الأفكار كثيرة، ومع كون الفكرة والإبداع شيئاً مهماً، إلّا أن الأهم هو التطبيق، الفكرة حبيسة العقل لا فائدة منها».

واستطرد: «إذا كنت مخولاً لإعطاء نصيحة، فهي: انطلق، استثمر وقتك، ابحث، ادرس، نفّذ، لا يوجد مستحيل، وليس من العيب أو الخطأ أن تفشل مرة ومرتين وحتى 10 مرات».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق