بوتين ومودي في تقارب مع الصين.. تغييرات كبيرة قادمة في العالم - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كان الظن أن يعقد الاجتماع الأخير لمنظمة شنغهاي للتعاون مجددا في مدينة شنغهاي الصينية، لكنه عُقد هذه المرة في مدينة تيانجين الساحلية.

ولم يكن هذا التغيير عبثيا؛ فمدينة تيانجين، بوصفها ميناء مفتوحا على الخارج، تُعد من جهة ما المنفذ الرئيسي لمشاريع الحزام والطريق، ومن خلال ذلك أرادت الصين توجيه رسالة واضحة.

بطبيعة الحال، لا تقتصر الرسائل التي تبعثها الصين على اختيار مدينة الميناء هذه لعقد الاجتماع. إن تقارب روسيا، والهند، والصين، والتأكيدات التي وردت في البيان الختامي، شكلت أبرز الدلائل الملموسة على رغبة آسيوية في الانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب.

وقد استقطب هذا الاجتماع، الذي عُقد في الصين، أنظار العالم أجمع، نظرا لأنه جاء في مواجهة السياسة الأميركية العدائية والهجومية وغير المتزنة، وفي ظل تراجع الدور الأوروبي، والسياسات الغربية التي تستبعد روسيا.

وإذا ما تأملنا في الاضطراب الذي سببه النظام العالمي القائم على الهيمنة الغربية، فربما يمكن اعتبار نشوء مركز قوة كهذا في آسيا عنصر توازن إيجابي بالنسبة للعالم.

لقد أثار في نفسي الحديثُ عن التوجه نحو كيان تنموي، اقتصادي وأمني في البيان الختامي احتمال تشكل قطب جديد. كما أن الموقف النشط والحيوي للهند أثار دهشتي. فقد تم اعتماد الرؤية التي اقترحتها الهند رسميا تحت شعار: "عالم واحد، عائلة واحدة، مستقبل واحد".

ورغم التساؤلات عما إذا كانت الهند تضم ضمن هذه "العائلة" كلا من باكستان والمسلمين الذين طالما همشتهم، فإن قبول اقتراحها بحد ذاته كان لافتا للأنظار.

وقد تصدرت لقطات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو يبتسم باستمرار ويتودد بشكل مبالغ فيه إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، عناوين الصحافة العالمية.

هل ستندمج مع البريكس؟

من غير الصواب أن نفصل منظمة شنغهاي للتعاون عن تكتل البريكس (BRICS) الذي يشكل محورا للدول الآسيوية. ففي السنوات القادمة، قد تتوحد هاتان المنظمتان ضمن كيان جديد.

إعلان

وقد تأسست هذه المنظمات في الأصل على أساس التعاون الاقتصادي، لكنها بدأت هذا العام بالخوض في مواضيع أوسع. فقد تم رفض عقلية الحرب الباردة، وسياسات التحزب، والممارسات القسرية. وجرى إبراز مبادئ العدالة والتعددية. وتم التأكيد على دعم نظام التجارة متعدد الأطراف المرتبط بمنظمة التجارة العالمية (WTO).

كما تم اتخاذ قرارات بتعزيز التعاون في قضايا مكافحة الإرهاب والأمن. أما قرار تأسيس بنك تنموي، فسيحول هذا الكيان إلى مركز جذب إضافي.

وبقراءة هذه التطورات، يمكننا رؤية نشوء مركز قوة بديل للكتلة الغربية، بقيادة الصين في آسيا.

قوة اقتصادية وطاقوية كبرى

إذا نظرنا إلى الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، يمكن القول إن هذه الكتلة تُشكل قوة اقتصادية وطاقوية معتبرة، بل وحتى قوة عسكرية.

فالمنظمة تضم في عضويتها كلا من: الصين، روسيا، الهند، باكستان، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، إيران. وتضم 4 دول مراقبة هي: أفغانستان، بيلاروسيا، منغوليا، سريلانكا. وتضم 6 دول بصفة شركاء الحوار هي: أذربيجان، ألبانيا، كمبوديا، نيبال، تركيا، قطر.

إن مجرد الشراكة بين الصين، والهند، وروسيا وحدها كفيلة بإحداث تغييرات كبيرة في التوازنات العالمية.

وفي مجال الطاقة، تبرز إيران، وكازاخستان، وأوزبكستان، وقطر، وأذربيجان، كلاعبين رئيسيين في سوق الطاقة العالمي.
أما عسكريا، فتُعد روسيا، الصين، باكستان، وتركيا من بين أقوى الدول على مستوى العالم.

وباختصار، ومن أي زاوية نظرنا، فإن هذا التكتل مؤهل ليكون مركزا بديلا في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن والتجارة.

بوتين لا يزال في صعود

عندما التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا في لقاء تحول إلى استعراض، نزعت الدول الأوروبية شعرها من الغيظ.

لكن من المؤكد أن اجتماع الصين الأخير قد زاد من أرقها. فرغم محاولاتها عزل روسيا وبوتين وفرض العقوبات عليهما، فإنها لم تتمكن من تحقيق مبتغاها.

وقد أظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ، في كل مناسبة، مدى الأهمية التي يوليها لبوتين. أما الصور الثلاثية التي جمعت بين مودي وشي وبوتين، فقد بدت وكأنها رسالة إلى القادة الأوروبيين تقول: "احترقوا من الغيرة!"

ورغم أن بوتين غاص في مستنقع الحرب في أوكرانيا وخسر الكثير من قوته، فإنه لم يركع كما كانت تتوقع أوروبا، وها هو يستعيد عافيته.

لكن على روسيا أن ترى أيضا حقيقة مفادها أن بوتين بدأ يظهر في صورة "اللاعب الثانوي" الذي تسعى كل من الصين، والولايات المتحدة إلى جذبه نحو معسكريهما. أي لم يعد قوة أولى، بل قوة ثانوية تُقدم المساندة. وهذا يعني، بالنسبة لروسيا، شكلا من أشكال تقليص المكانة والهيبة.

تركيا تريد أن تكون جسرا

تركيا، العضو في حلف الناتو، وهي واحدة من أهم حلفاء الولايات المتحدة، والمرشحة المحتملة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ زمن طويل، تعلن منذ سنوات عن رغبتها في الانضمام الكامل إلى كل من منظمة شنغهاي للتعاون وتكتل البريكس.

وقد بدأت هذه الرغبة منذ اللحظة التي بدأت فيها تركيا تواجه مشكلات عسكرية مع الولايات المتحدة، ومع تعليق مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وفترات الحصار غير المعلن.

إعلان

ومنذ ذلك الحين، عززت تركيا علاقاتها مع هذه المنظمات، وبدأت تطرح تساؤلات من قبيل: "هل تركيا تغير محور تحالفها؟"
لكن تركيا لا تسعى لتغيير محور علاقاتها، بل تسعى لتنويعها، وتريد أن تؤدي دور الجسر بين آسيا وأوروبا، بصفتها دولة تمتلك موقعا جغرافيا فريدا على تقاطع القارتين.

صحيح أن القيام بهذا الدور ليس سهلا في ظل السياسات العدائية الشرسة التي تنتهجها الولايات المتحدة ضد الصين، لكن تركيا لا ترغب في وضع كل بيضها في سلة واحدة.

إن الاجتماع الأخير الذي عُقد في مدينة تيانجين الساحلية سيشكل بداية مرحلة جديدة ستثير الكثير من الجدل في الأيام القادمة.

ويبقى أن نرى ما الذي سيقوله ترامب عن هذا الاجتماع الذي سحب الأضواء من حوله، وهو يقطب وجهه كعادته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق