عبد الهادي سعدون، كاتب وباحث ومترجم عراقي يعمل في التدريس والترجمة والنشر. وُلد عام 1968 في مدينة بغداد. منذ نهاية عام 1993 يقيم في إسبانيا حيث يعمل حاليا أستاذا لمادة اللغة والأدب العربي في جامعة مدريد كومبلوتنسي (UCM).
وهو كذلك أستاذ اللغة العربية بالمدرسة الدبلوماسية في مدريد منذ عام 2023. حاصل على دكتوراه من كلية الأدب والفلسفة بجامعة مدريد المستقلة، وبكالوريوس لغة وأدب إسباني من كلية اللغات بجامعة بغداد. عمل أستاذا محاضرا لمادة الأدب العربي في جامعة مدريد المستقلة بين عامي 2008 و2010، وتخصص بالأدب واللغة الإسبانية.
نشر عشرات البحوث العلمية باللغة العربية والإسبانية في شؤون الأدب واللغة في مجلات علمية محكمة. أسس وأدار (بالاشتراك مع الكاتب محسن الرملي) مجلة ومنشورات "ألواح" (Alwah) في عام 1997 حتى عام 2004. أشرف على منشورات "ألفالفا" (Alfalfa) الإسبانية المختصة بترجمة ونشر الأدب العربي منذ عام 2006. وهو كذلك المشرف الأدبي لسلسلة "آداب عربية" (Letras Árabes) لدى دار نشر "بيربوم" الإسبانية المتخصصة بترجمة ونشر الأدب العربي المعاصر والكلاسيكي منذ عام 2015 حتى اليوم.
كتب وأخرج فيلمه الروائي القصير "مقبرة" في مدريد عام 2006، ويدير مهرجان شباط الشعري العالمي ومقره مدريد منذ عام 2016. أدار صالون الأدب العربي، وهو ملتقى سنوي في مدينة كوينكا الإسبانية يهتم باستضافة أدباء عرب (2015-2016). كما أنه مستشار أدبي لمهرجانات أدبية إسبانية وأميركية لاتينية مثل مهرجان ميديين في كولومبيا، و"أصوات حية" في طليطلة، ومهرجان مدريد الشعري الدولي. نال جوائز أدبية مختلفة منها: جائزة أدب الطفل العربي 1997، جائزة أنطونيو ماتشادو العالمية للشعر 2009، جائزة مدينة سلمانكا الإسبانية للتميز الأدبي 2016، جائزة الترجمة الأدبية باللغة الإسبانية (مارثيلو ريس) 2018، جائزة التميز الأدبي الدولية (Excellence Internazionale Poetica) في إيطاليا 2024.
إعلان
أقام معرضه التشكيلي الأول بعنوان "كل هذا الماضي" في صالة "إسباثيو روندا" بمدريد عام 2024، وهو عضو في أكثر من جهة أدبية منها: اتحاد الكتاب الإسبان، هيئة المتأسبنين العالمية. تُرجمت العديد من نصوصه ونشرت في كتب ومجلات ودوريات مختلفة إلى لغات متعددة، منها: الإسبانية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والفارسية، والكردية، والتركية، والكاتلانية، والغاليثية، والإيطالية، والمقدونية، والصربية وغيرها. صدر له باللغة العربية والإسبانية ولغات أخرى أكثر من 80 كتابا في الشعر والرواية والقصة القصيرة والترجمة والأنطولوجيا.
يتناول هذا الحوار مع الباحث والمترجم عبد الهادي سعدون قضايا وشجونا ترجمية. فإلى نص الحوار:
آداب عربية
تشرف على سلسلة "آداب عربية" (Letras Árabes) لدى دار نشر "بيربوم" الإسبانية المتخصصة بترجمة ونشر الأدب العربي المعاصر والكلاسيكي منذ عام 2015 حتى اليوم، كما الحال مع منشورات "ألفالفا" (Alfalfa) الإسبانية المتخصصة بترجمة ونشر الأدب العربي منذ عام 2006. ما حصيلة مخرجات نافذتي الترجمة هاتين، وما حدود معرفة الآخر بأدبنا العربي؟
في الحقيقة، أقوم بمهام الاستشارة الأدبية لهاتين السلسلتين المهمتين، وهي مهمة عسيرة بحد ذاتها، إذ عليك أن تشير وتزكي الأنسب للترجمة، وهي مهمة لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد إطلاقا. ولكن بسبب قلة الحراك الثقافي المختص بالمهمة، أقوم بها بنوع من المسؤولية والالتزام مع الثقافة العربية.
المهم في الأمر أن من هاتين السلسلتين قد خرج للقارئ الإسباني عشرات العناوين المهمة في الرواية والشعر والدراسات، بترجمة عميقة ومخلصة من قبل مستعربين إسبان مهمين، وهذه الخطوة قلما تقوم بها كبرى المؤسسات أو دور النشر الكبرى، لذا من الضروري الحضور والدفع بعجلة دور النشر هذه المهتمة بالأدب العربي وثقافاته المتعددة، وهو في الحقيقة دور لو تمعنا به لوجدناه كبيرا ومدركا لمكانة الأدب العربي ضمن الإنتاج الترجمي باللغة الإسبانية.
ما زلنا نراوح بشكل كبير في محاولة الخروج من شرنقة الآداب القليلة الحضور باللغة الإسبانية، ولكنها محاولة في تزايد وتكبر كل يوم، وقد تحتاج إلى دفعة كبيرة لتصل إلى ما تصل له آداب عالمية أخرى. لذا، فأي فكرة للتقويم والمشاركة مرحب بها دائما.
كيف ترى حركة الترجمة الآن، من الإسبانية إلى العربية مقارنة بلغات أخرى؟
في السنوات العشر الأخيرة، قفزت حركة الترجمة بالإنتاج والنوعية إلى درجة عالية من الجودة والاختيار والحضور، كله بفضل أسماء من المستعربين المجيدين والمخلصين لعملية التلاقح الثقافي بين العربية والإسبانية، وأرقام النشر تشهد بذلك، وهي حصيلة تكاد تفوق كل إنتاج الترجمة الإسبانية في العقود السابقة. أقول كل هذا، ومع ذلك ما تزال الحركة قاصرة وقليلة قياسا بلغات أخرى عديدة، لغات أقلية وتفوق بترجماتها إلى الإسبانية إنتاج الترجمة العربية.
أعتقد بصدق أن العملية لكي تنجح وتأخذ دورها الكبير لا بد لها من طرفين، الجانب الإسباني والجانب العربي، وأي خلل أو تقاعس معناه التهميش والحد من الانتشار. إذا كانت الجهات الإسبانية تقوم بالقليل من هذا الجهد، فالمؤسسات العربية تقوم بالأقل منه، بل أحيانا لا أثر له. من الأفضل أن ننظر إلى ما نقوم به نحن من أجل ثقافتنا وآدابنا، وعندما نملأ الفراغات الكثيرة بحلول ناجعة، أعتقد أن الآخر سينتبه لذلك وسيسعى بدوره لسد فراغات أخرى.
منذ العقد الأخير من القرن المنصرم، أخذت على عاتقك مهمة الوساطة بين الأدب الإسباني والأدب العربي، حيث تنسق وتشرف على "مهرجان شباط الشعري العالمي" و"صالون الأدب العربي" ومهرجانات مثل: ميديين (كولومبيا)، "أصوات حية" (طليطلة- إسبانيا)، ومهرجان مدريد الشعري الدولي، وكلها تنطلق من إسبانيا والقارة اللاتينية بينما تكاد تخلو مبادرات من هذا النوع في المنطقة العربية. ما أسباب هذا الانزواء برأيك؟
إعلان
عاهدت نفسي منذ السنين الأولى للوجود على الساحة الإسبانية ألا أكون مجرد رقم من أرقام المهاجرين أو المثقفين المنزوين في ركن مريح من أوروبا فحسب، بل أن أكون ناشطا فيها، وإلا فلا معنى للقيمة الثقافية والإنسانية لأحد منا في الغرب كله ونحن لا نقوم بأي شيء يحرك المياه الراكدة بيننا وبين الأرض الجديدة لمقامنا.
أعتقد أن المهمة لا تخص أحدا، بقدر ما تخصنا جميعا، وأي مبادرة معناها رمي حجر في المياه الراكدة. الثقافة تحتاج للضخ الدائم والحضور الدائم والعمل الدؤوب، ولتوسيع الحضور لا بد من التضحية بالوقت والجهد والعمل. أعتقد أن إسبانيا والدول الناطقة بالإسبانية ما تزال بعيدة عنا ومجهولة رغم اللغط وما يقال عنها في التاريخ والحاضر. فالتبادل الثقافي بين اثنين يحتاج إلى بعد نظر وقدرة على الموازنة والكرم الفائض.
بين أن تترجم قصائد أو أعمالا سردية مكتوبة بالعربية إلى لغة أخرى (الإسبانية مثلا)، أو أن تكتب نصا بلغة أخرى مباشرة… ماذا عنك بصفتك مترجما وكاتبا، من واقع التجربة، أي خفايا وجماليات وفروق لاحظتها هنا تحديدا؟
سؤال الكتابة بلغة أخرى دائما ما حيّرني شخصيا وأنا أقرأ إنتاج الآخرين، لكنه على أي حال نوع من التمرين لإثبات شيء ما؛ يا ترى هل هو إقناع النفس بالقدرة على ممارسة الإبداع بصوت آخر؟ أم محاولة الدخول في الجلد الجديد؟ من ناحيتي، لم يكن الأمر ممكنا إلا بعد أكثر من عقدين من التعايش المستمر مع اللغة الإسبانية بكل ما تضمه من مكونات، والحق أنه لم يتم إلا بعد أن تيقنت أن النص يخرج بها تلقائيا وليس عمدا.
أنا لا أكتب نصوصا إسبانية للإسبان، بل نصا عربيا عراقيا بلغتهم، وحتما هذا هو الصحيح. أن تترجم أعمالك بنفسك أو من خلال آخرين، فلن يكون أكثر من نقل من لغة إلى لغة أخرى، لكن المشاركة من داخل اللغة الجديدة المكتسبة شيء آخر، نوع من التحدي أو نوع من المغامرة، لطالما كانت الكتابة والإبداع مغامرة الإنسان الكبرى. شيء آخر أضيفه هو أنني لم أترك العربية كما فعل آخرون، بل أمارسها بنوع من التباين والتكيف، وكل نص بلغته له أسبابه التي أميز خيوطها بدقة وأحيانا أنا نفسي أتيه فيها. والنص كفيل بإيجاد أدواته وصوته ولغته الخاصة حتى بعيدا عن صاحبه في أغلب الأحيان.
الذكاء الاصطناعي والترجمة
كيف ترى تقانة الذكاء الاصطناعي في ما يتعلق بكتابة النص الأدبي وتأليفه؟ هل نحن أمام تحول رقمي حقيقي أم إن الكلمة النابعة من مشاعر إنسانية صادقة على وشك أن تفقد لمعانها وحرارتها؟
البشرية مرت وستمر بكثير من موجات التجديد، سواء المتفق عليها أو لا، ونماذج القرون السابقة بيّنة ويمكن معاينتها وفق زمنها. نحن أبناء هذا القرن، وعلينا أن ننظر إلى ما يستجد بنوع من المسؤولية والتنبه، لا للتخويف والتشكيك، بقدر ما تكون العملية عملية تبيان واضح ومؤكد لما نعيشه ودور التقنيات الحديثة في حياتنا العملية.
أعتقد أننا حتى لو وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كليا، فسيكون بقدرة بشرية مسيطرة وموجهة. وأرجو ألا أكون مخطئا، ما نراه مخيفا قد يبعث فينا نوعا من التحديث المنشود، فالكتابة الإبداعية تحتاج لحوافز ومساعدة بين حين وآخر للانتقال من طور إلى آخر. كل شيء غامض يفيد في إثارة الغرابة، وهي الغرابة التي نعيشها مع هذا التقدم الهائل مقارنة بقدراتنا البشرية.
وكيف تقرأ مستقبل الترجمة في هذا السياق؟
الترجمة، بمساعدة أو من دونها، تحتاج إلى عاملين اثنين وإلى لغتين اثنتين، أي ستكون هناك مراقبة حتى لو كان هناك جهاز آلي يساعد في الترجمة. هل سيكون المترجم المستقبلي مجرد مراقب ومشذب ومحرر للنص؟ ربما، لكنه سيكون حاضرا في الحالتين. أنا ما زلت من النوع القديم، فكل ترجماتي حتى اليوم هي نوع من تمرير للرغبة في القراءة ونقلها إلى لغة أخرى، أي متعة القراءة عبر اللغة الأصل أو ما أترجمه للقارئ العربي.
إعلان
لم أنتظر في مرة أن تكون خطوة للتباهي أو التسابق أو المجابهة، بقدر ما تكون نوعا من المتعة المستمرة بالمران عليها ورؤيتها متكاملة في كتاب. لا أدّعي أنني لا أستعين بأي وسيلة لمساعدتي أحيانا في الفهم أو إيجاد مخرج، لكنها مساعدات تشبه الاستعانة بقاموس عندما تعييك الحيلة. حتما من الممكن أن نغير آراءنا وقناعاتنا في مستقبل قريب عندما نشهد مترجما آليّا 100% ولا يحتاج لدور أي واحد فينا نحن معشر المترجمين البشر.
ترجمت عشرات الكتب إلى العربية عن الإسبانية، وعدد أقل من ذلك ترجمته من العربية إلى الإسبانية، فضلا عن ترجمات متفرقة بين مقالات وأبحاث ونصوص، إلخ… حدثنا عن هذه التجربة الممتدة، شجونها، وملذاتها؟
الترجمة أتعامل معها مثل تعاملي مع نصوصي المكتوبة، لا فرق؛ نوع من التعلق والمحبة لإخراجها بأفضل صورة. والحق أنني بعد هذا الرقم الهائل من الترجمات من الإسبانية وإليها، لم أخطط له ولم أسعَ إليه بشكل كبير، غير أنني دائما ما أكرر أن علينا نحن الذين نتقن لغة أخرى أو نعيش في بلاد غربية أن نشعر بالمسؤولية تجاه التفاعل والنقل والتثقيف عبر الترجمة، وهذا ما عملت به وسعيت له.
ما نقلته من الإسبانية إلى العربية أكبر بكثير مما نقلته من العربية إلى الإسبانية، لكنها تدخل في تلك الدائرة نفسها من السعي لإيجاد نوع من التواصل والمبادلة خاصة في الأمور الضرورية والتي لا نجد لها أثرا هنا أو هناك. التعايش مع النصوص يكون أولا بالقراءة والإعجاب والرغبة في أن تكون في متناول الجميع. في إسبانيا، هنالك نقص كبير بإنتاج الأدب العربي، ولعل أي خطوة بالترجمة والتوصيل ستسد فجوة بارزة. ما أخلص له في الترجمة، سواء كانت شعرا أو نثرا، يشبه تماما إخلاصي في كتابة نصوصي نفسها.
0 تعليق