منذ انطلاقتها عبر مسابقة «أضواء المدينة» في الثمانينات، بدت مختلفة، تحمل مزيجاً من الرهافة والقوة، لتشقّ طريقها وسط تحديات المشهد الفني العربي. وقدّمت أعمالاً خالدة مثل «صبري عليك طال» و«يا غايب» و«اعتراف»، لتثبت أن صوتها قادر على أن يسكن القلوب في المشرق كما في الخليج. وبهذا الحضور، نافست أسماء كبيرة على رأسها سميرة سعيد، لكنها ظلت محتفظة ببصمتها الخاصة، لتُعرف بأنها الصوت المغربي الخليجي الأصيل.
لم تكن مسيرتها فنية فقط، فقد منحتها «اليونيسيف» لقب «سفيرة النوايا الحسنة» 1999، لتجسّد صورة الفنانة الملتزمة بقضايا مجتمعها، والداعمة للمرأة والتعليم. وعندما غابت بالجسد، بقي صوتها وأعمالها شاهدة على أيقونة غنّت بصدق، ووضعت ابتسامتها على وجدان العرب، قبل أن يختطفها الرحيل المبكر.
تجربة رجاء بلمليح، كانت علامة فارقة في تطويع الصوت المغربي للأغنية الخليجية، فقد امتلكت قدرة على إدراك المقامات المستخدمة في هذا اللون، وأعادت تقديمها بليونة نادرة جعلتها مألوفة للأذن الخليجية دون أن تفقد هويتها الأصلية. هذه القدرة على الدمج بين الأصالة والحداثة منحتها مكانة خاصة بين جمهور المشرق، وأعادت تعريف صورة الفنانة المغربية في المجال الخليجي.
كما تميزت بوعي فني في اختيار نصوصها الغنائية، فكانت حريصة على الكلمات التي تحمل قيمة شعرية، ما جعل أغنياتها تعيش أكثر من زمنها. هذا الوعي النصي ترافق مع تعاملها مع ملحنين كبار استطاعوا أن يبرزوا مساحات صوتها العريضة، ويكشفوا عن طاقاتها في الأداء الطربي والعاطفي معاً.
أما على مستوى الحضور الفني، فقد مثّلت مدرسة في الأداء القائم على البساطة التقنية والإتقان المقامي، بعيداً عن المبالغة في التطريب أو الاستعراض. كانت تعرف متى تترك للمقام فسحته، ومتى تضبط الجملة الموسيقية بصرامة تجعلها متقنة، وهو ما منحها احترام النقاد الذين رأوا فيها صوتاً يمتلك مشروعاً فنياً رصيناً، لا مجرد نجاح عابر.
هكذا، تبقى رجاء بلمليح، جزءاً من ذاكرة الغناء العربي، نموذجاً لفنانة مغربية أفلحت في أن تفتح باباً للأصوات القادمة من المغرب إلى الخليج، وأن تقدم تجربة موسيقية لا تزال تُقرأ كأحد فصول الازدهار الفني العربي في نهايات القرن العشرين.
أخبار ذات صلة
0 تعليق