كتب خليل الشيخ:
يتهامس الطفلان يزن الأشقر، ومحمد مسعود (14 عاماً) النازحان في مخيم اليرموك بغزة، حول ذكريات قضياها قبل اندلاع العدوان الإسرائيلي، حول استعداداتهما لبدء العام الدراسي، في مثل هذا الوقت من السنة.
الطفلان اللذان كانت أسرتاهما متجاورتين في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، قبل بداية العدوان في السابع من تشرين الأول 2023، وما زالا متجاورين في مخيم اليرموك للنازحين بمدينة غزة، وقفا في طابور مزدحم محاولين تعبئة "جالونات" مياه من شاحنة وقفت عند مدخل مخيم الإيواء.
"بتتذكر أيام مكنا نشتري الزي المدرسي من السوق، وكنا نشتري دفاتر وقرطاسية"، قال الطفل الأشقر، وهو يحن إلى تفاصيل استعداداته لبدء العام الدراسي.
وأضاف: "صار لنا سنتين مقعدناش على مقاعد الدراسة، ولا شفنا سبورة ولا وقفنا في طابور الصباح بساحة المدرسة، بس هينا واقفين بطابور المية، وبنشوف المقاعد المدرسية كبسطات للبيع في الشوارع"، معبراً عن اشتياقه للتعلم في المدرسة، والانتظام في الدراسة.
لم يعد الطفلان الأشقر ومسعود ينتظران تحقيق أمنيتهما في العودة إلى الدراسة في ظل تصعيد الحرب على غزة، بل ينتظران موعداً للنزوح إلى جنوب قطاع غزة، مع تواصل التهديدات الإسرائيلية باحتلال مدينة غزة.
ومن المتوقع بدء العام الدراسي غداً، كالمعتاد، في معظم البلدان والمناطق، إلا أن المسيرة الدراسية لن تبدأ في قطاع غزة للعام الثالث على التوالي.
وقالت الأمم المتحدة إن الأطفال في قطاع غزة سيحرمون من التعليم للعام الثالث على التوالي بسبب حرب الإبادة، مشيرة على لسان المتحدث باسمها ستيفان دوجاريت، إلى أن العام الدراسي الجديد على وشك البداية وأطفال فلسطين يفتقدون فرصة التعليم.
وأكد دوجاريت، وفقاً لبيان أصدرته الأمم المتحدة أول من أمس، ضرورة إنهاء الحرب، وإعادة فتح المدارس، وضمان تمكين الأطفال من ممارسة حقهم في التعليم، محذراً من أن هذه الأزمة تهدد مستقبل جيل كامل.
انقطع حديث الطفلين الأشقر ومسعود مع "الأيام" وانخرطا مع عشرات الأطفال والفتية، من أجل الدخول إلى معترك قد يمكنهما من الحصول على مياه الشرب.
وقال مسعود: "خلينا نروح نعبي ميه ونوديها للأسرة التي تنتظر عودتنا لشرب المياه، ومش وقت دراسة هالقيت".
بدا على الطفلين الكثير من الشقاء والتعب وهما يحملان "جالونات" المياه في طريق العودة إلى الخيمة، لكن الأمر لن يقتصر على الحصول على مياه الشرب، بل تقع على كاهليهما مسؤولية البحث عن الخشب أو النايلون والكرتون لإشعال موقد تجهيز الخبز والطعام.
"ياريت تخلص الحرب ونرجع على المدارس واشتري مريول، بس يخسارة كل المدارس اتدمرت وانقصفت"، هكذا قالت الطفلة مرح أبو عيدة (13 عاماً)، التي كانت تساعد والدتها بأعمال الطبخ في خيمة مقامة في مخيم إيواء الشاطئ.
وبينت أنها تتذكر عندما كانت ترتدي المريول المدرسي وتحمل حقيبة قرطاسيتها وتتوجه إلى مدرستها في مخيم جباليا، بينما تنشغل بتجهيز الدفاتر والكتب.
وترددت الطفلة "مرح" نوعاً ما، عند سؤالها في أي مرحلة دراسية وبأي صف، وبدت كما أنها نسيت عمرها وصفها الدراسي.
وقالت إنها لو مضت الحياة كالمعتاد لكانت في الصف الثامن، متسائلة عن موعد العودة إلى المنزل والتوجه إلى المدرسة.
لا تملك الطفلة "مرح" سوى بضعة أوراق وأقلام ملونة تستخدمها في التسلية والرسم، لكنها تشتاق للجلوس على مقعد الدراسة واللهو مع زميلاتها وصديقاتها، وشراء الشوكولاته من مقصف المدرسة.
وقالت والدتها فاطمة (43 عاماً): "كان المفترض أن تترفع للصف الثامن لو لم تكن هذه الحرب أو لم يقع العدوان علينا، فهذه السنة الثالثة التي يتغيب أطفالنا عن الدراسة، وتضيع عليهم ثلاث سنوات من مسيرتهم الدراسية".
وأضافت: "الاحتلال دمّر البيوت والمدارس، والبنية التحتية والمؤسسات ويقتل المواطنين ويجرحهم ويعتقلهم، ويجهّل الأطفال ويتنكر لحقهم في التعليم"، مشيرة إلى مدى الضرر الذي لحق بمستقبل الطلاب.
وذكرت مصادر محلية وتربوية أن العدوان تسبب بتجهيل مئات الآلاف من الطلاب والطالبات في قطاع غزة، وضياع عامين دراسيين عليهم.
وتنوي وزارة التربية والتعليم، التي ستفتتح العام الدراسي الجديد غداً، البدء بخطة تعليمية لتعويض طلاب قطاع غزة خلال الفترة القادمة.
0 تعليق