غارات إسرائيلية وتوترات السويداء.. هل تواجه دمشق معركة بقاء؟ - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هذه الديناميات المعقدة تعكس حجم الضغوط التي تواجه دمشق في محاولتها الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها وسط تدخلات إقليمية ودولية متشابكة، ومعركة مستمرة بين مصالح محلية وإقليمية وأجندات دولية تتصارع على النفوذ في سوريا.

سوريا بعد الحرب: مواجهة تحديات مستمرة

يشير الكاتب البحث السياسي حسن الدغيم خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" إلى أن سوريا تخطّت العديد من التحديات الكبرى خلال السنوات الماضية، بدءًا من عصابات الهجر والانفصاليين المرتبطين بقنديل، وصولًا إلى الضغوط الدولية ووجود الميليشيات الإيرانية والروسية على أراضيها.

رغم هذه الظروف المعقدة، تمكنت الدولة السورية من بسط سيطرتها على معظم المحافظات، مع استثناء مناطق مثل السويداء والحسكة والرقة وجزء من دير الزور، حيث لا تزال بعض التحديات الأمنية والسياسية قائمة.

ويضيف الدغيم: "التحديات الحالية صعبة، لكنها لا تقارن بما مر به السوريون خلال سنوات الحرب، من البراميل المتفجرة والصواريخ والخذلان الدولي، ومحاولات سحب النظام إلى المنظمات الدولية. اليوم، السوريون موجودون في قلب العاصمة دمشق، والدولة تحاول معالجة الملفات الداخلية بطريقة سورية سورية".

هذه الرؤية تشير إلى أن دمشق تسعى اليوم لإعادة ضبط ملفاتها الداخلية على أسس وطنية، بعيدًا عن الضغوط الخارجية، مع التركيز على الأمن والاستقرار الداخلي كأولوية قصوى.

ويبرز الدغيم أن التحديات الحالية تحمل طابعًا أكثر تعقيدًا من حيث إدماج المكونات السورية المختلفة، بما فيها المكونات العرقية والطائفية، وسط ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية تراكمت على مدار سنوات الحرب.

ويؤكد أن نجاح سوريا في هذه المرحلة يعتمد بشكل رئيسي على قدرتها على الحفاظ على وحدة الأراضي، ومعالجة الأزمات الداخلية بطريقة تحافظ على النسيج الوطني دون الانجرار إلى صراعات مفتوحة على المستوى الداخلي.

السويداء والعلويون: ملفات حساسة ومعقدة

تُعد محافظة السويداء من أبرز المناطق الحساسة في المشهد السوري الحالي، لما لها من خصوصية اجتماعية وطائفية، فضلًا عن موقعها الاستراتيجي والسياسي.

ويشير الدغيم إلى أن غالبية المكونات في السويداء، بالإضافة إلى الأكراد في المحافظات الشرقية والعلويين، تتواصل بشكل دائم مع الدولة السورية وتؤيد وحدة الأراضي.

مع ذلك، يحذر الدغيم من أصحاب "الأحلام القومية والانفصالية وحتى الصهيونية" الذين يسعون لتقسيم البلاد، مؤكدًا أن أي محاولة لإدماج المكونات المختلفة يجب أن يتم بحذر شديد، مراعيًا "حساسيات المرحلة الانتقالية والارتباط الدولي".

ويضيف: "الأولوية اليوم هي للأمن والوحدة، وليس الشراكة السياسية أو البروتوكولات والزيارات الرسمية"، في إشارة إلى أن الدولة السورية تسعى إلى تعزيز الاستقرار الداخلي قبل الانخراط في تحالفات أو اتفاقات سياسية قد تفتح الباب أمام مزيد من الانقسامات.

ويشير الدغيم إلى أن إدماج المكونات الطائفية والعرقية المختلفة يتطلب معالجة التوترات التاريخية والعقبات المجتمعية، بما يضمن توحيد الموقف الوطني أمام التحديات الخارجية، مثل الغارات الإسرائيلية والمضايقات الأمنية المستمرة، وكذلك الضغوط الإقليمية والدولية التي تهدف إلى استنزاف الدولة السورية وتقويض سيادتها.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية

يركز عمار وقاف، مدير مؤسسة غنوسوس للأبحاث، على أن المكونات العلوية تواجه اليوم ضغوطًا اقتصادية حقيقية، بعد فقدان العديد منهم وظائفهم نتيجة الأزمات المتعاقبة بعد الحرب، ما أدى إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية في الساحل السوري.

ويضيف وقاف: "الوضع الحضاري في البلاد لا يزال هشًا، وإعادة اللحمة الوطنية تتطلب معالجة الانقسامات، وتقديم الحقوق الأساسية للمواطنين، وتهيئة بيئة اقتصادية مستقرة ومستدامة".

ويشير وقاف إلى أن المجلس العلوي لا يمثل كامل الطيف العلوي، بل يمثل شريحة محددة منه، ما يعكس تحديًا أكبر في تحقيق تمثيل شامل لجميع المكونات. ويضيف: "تجربة الأكراد في شمال شرق البلاد تظهر أن أي مسعى لتحقيق الفيدرالية أو المركزية يحتاج إلى خطوات دقيقة ومدروسة، وأن تحقيقها بسهولة في سوريا ليس ممكنًا حاليًا".

هذه الملاحظات تؤكد أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية ليست مقتصرة على العلويين فقط، بل تشمل أغلب المكونات السورية، بما في ذلك الشباب الذين لم يعرفوا الحرب إلا من خلال تجاربها المؤلمة، وهو ما يجعل معالجة الانقسامات الوطنية والاقتصادية أولوية قصوى للحفاظ على استقرار البلاد.

التهديد الإسرائيلي والخيارات الاستراتيجية

أوضح الدغيم أن إسرائيل تسعى إلى منع سوريا من تطوير ترسانتها العسكرية، مستغلة الغارات والغزوات في الجنوب السوري كوسيلة لإضعاف الدولة السورية. ومع ذلك، شدد على أن سوريا لن تدخل حربًا مفتوحة في ظل الظروف الراهنة، وأن استراتيجيتها تتركز على تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي.

وأضاف: "السلام لا يمكن أن يتحقق مع قوى متطرفة تمارس المجازر وتستهدف المدنيين بشكل ممنهج"، في إشارة إلى أن الحلول العسكرية التقليدية وحدها لا تكفي لتحقيق الاستقرار، بل يجب أن تكون مرتبطة بجهود سياسية واجتماعية تعزز من وحدة الدولة.

ويشير الدغيم إلى أن التوازن الاستراتيجي الحالي يتطلب من دمشق التركيز على معالجة الملفات الداخلية، بينما تتعامل بحذر مع التهديدات الإقليمية والدولية، بما يضمن الحفاظ على سيادتها ومكانتها الإقليمية.

إعادة الإعمار والتوافق الوطني

يشدد كل من الدغيم وقاف على أن المرحلة الراهنة تتطلب إعادة إدماج جميع المكونات السورية، بمن فيهم العلويون والشباب، وكذلك الفئات الأخرى التي لم تعرف الحرب إلا من خلال تجاربها المؤلمة.

كما يؤكدان على ضرورة معالجة الانقسامات الطائفية والإيديولوجية، وتعزيز التعليم والبنية التحتية، وإعادة النازحين إلى مناطقهم، ودعم الاقتصاد الوطني، بما يعزز الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي والسياسي.

وتشير تحليلاتهما إلى أن إعادة الإعمار لا يمكن أن تكون مجرد مشاريع بنية تحتية، بل يجب أن تشمل برامج اجتماعية وثقافية تعيد بناء النسيج الاجتماعي وتكسر الحواجز الطائفية والعرقية، بما يسهم في استقرار الدولة السورية على المدى الطويل.

التركيز على الأولويات الوطنية

يشدد الخبراء على أن الأولوية القصوى اليوم في سوريا هي الأمن والاستقرار الداخلي، وليس الدخول في صراعات سياسية أو الانخراط في تحالفات خارجية قد تزيد من الانقسامات.

ويقول الدغيم: "إدماج المكونات المختلفة يجب أن يتم بحذر شديد، مع مراعاة كل حساسية محلية ودولية، والأهم هو أن تكون الدولة هي الضامن لوحدة الأراضي والاستقرار".

ويضيف وقاف: "الوضع الاقتصادي والاجتماعي يجب أن يكون محور الاهتمام، لأن أي محاولات للتوسع السياسي قبل معالجة هذه الملفات ستزيد من الانقسامات وتؤدي إلى مزيد من التوترات".

هذه التوصيات تؤكد أن نجاح سوريا في المرحلة الراهنة يعتمد على استراتيجية متوازنة تجمع بين الأمن الداخلي، معالجة الانقسامات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية بعيدًا عن أي ضغوط خارجية أو محلية تسعى لتقويض الدولة.

تواجه سوريا اليوم مفترق طرق حاسم بين الأمن والاستقرار من جهة، والانقسامات الداخلية والضغوط الإقليمية من جهة أخرى.

الرسالة الأساسية التي تحملها تصريحات حسن الدغيم وعمار وقاف واضحة: لا سلام ولا استقرار حقيقي إلا عبر وحدة الدولة السورية، إدماج جميع المكونات، ومعالجة الانقسامات الطائفية والإيديولوجية، إلى جانب إعادة بناء النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للبلاد.

وفي ظل استمرار الغارات الإسرائيلية، والضغوط الداخلية، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، فإن دمشق أمام اختبار دقيق لإعادة تفعيل الدولة السورية كوحدة متماسكة، قادرة على الصمود أمام التحديات الإقليمية والدولية، وتحقيق استقرار دائم لشعبها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق