مع اقتراب ختام صيف أميركا الطويل وعودة الحياة السياسية والاقتصادية إلى إيقاعها المعتاد في الخريف، تتجه الأنظار إلى مصير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، والتي أصبحت العنوان الأبرز في الاقتصاد العالمي.
ورأت وكالة بلومبيرغ أن المرحلة المقبلة تحمل 3 أسئلة جوهرية تشكّل ملامح حروب ترامب التجارية، في ظل مؤشرات متزايدة على تباطؤ النمو وتفاقم الضبابية في العلاقات الاقتصادية الدولية.
هل وصلنا لذروة رسوم ترامب الجمركية؟
وبحسب بلومبيرغ، فإن من المبكر إعلان بلوغ الرسوم الجمركية مستوى الذروة، فاعتبارًا من منتصف الليل اليوم بتوقيت واشنطن، تدخل حيز التنفيذ رسوم ثانوية بنسبة 50% على السلع الهندية، عقوبة على استمرار نيودلهي في استيراد النفط والسلاح من روسيا.
كما لا تزال قطاعات حيوية مثل الأدوية وأشباه الموصلات بانتظار تحديد نسب الرسوم التي ستُفرض عليها.

وفي السياق ذاته، أطلقت إدارة ترامب في الأيام الأخيرة تحقيقات أمنية جديدة تطول قطاع توربينات الرياح والأثاث المستورد، في حين هدّد الرئيس على منصات التواصل الاجتماعي بالرد على أي دولة تطبّق ضرائب رقمية ضد شركات أميركية.
إلى جانب ذلك، يواجه الأساس القانوني لرسوم "يوم التحرير" التي أعلنها ترامب في وقت سابق تحديات قضائية، مع اقتراب نظر محكمة الاستئناف ثم المحكمة العليا في شرعية الصلاحيات التي استند إليها الرئيس.
ما وضع الرسوم والمحادثات مع بكين؟
تقرير بلومبيرغ أشار إلى أن العلاقة الاقتصادية بين أميركا والصين تبدو وكأنها دخلت مرحلة "الحرب الباردة الاقتصادية"، مع حالة من القلق الدائم واحتمال التصعيد في أي لحظة.
وأكد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الأسبوع الماضي أنه "راضٍ" عن وضع الرسوم والمحادثات مع بكين، لكن حتى الهدنة الأخيرة تبدو هشة.
إعلان
ولفتت بلومبيرغ إلى أن ترامب لمح هذا الأسبوع إلى احتمال زيارته الصين قبل نهاية العام أو مطلع 2026، في إشارة إلى رغبته في إبقاء قنوات الحوار مفتوحة. ومع ذلك، فإن تصريحاته لا تعكس استقرارًا دائمًا، إذ قال للصحفيين: "لدينا أوراق أكبر وأفضل بكثير مما لديهم… وإذا أردنا فرض رسوم بنسبة 100% أو 200% فلن يكون هناك أي تبادل تجاري مع الصين، وسيكون ذلك مقبولا أيضًا".
ما تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأميركي؟
الجانب الأكثر خطورة، وفق بلومبيرغ، يتعلق بتأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأميركي الداخلي. رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول رسم صورة قاتمة في خطابه قبل أيام، مشيرًا إلى أن الرسوم "أعادت التضخم إلى الارتفاع وأضعفت النمو والإنفاق الاستهلاكي وأثقلت على سوق العمل".
وسجل النصف الأول من عام 2025 نموًا يعادل نصف وتيرة الفترة نفسها من 2024، وهو ما يثير مخاوف من دخول الاقتصاد في مرحلة تباطؤ ممتد. ورغم أن بعض المستثمرين فسّروا هذه الأرقام على أنها مبرر لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول المقبل، فإن التحديات الهيكلية تبدو أعمق.

فقد أظهرت بيانات غولدمان ساكس أن نمو إيرادات شركات ستاندرد آند بورز 500 بلغ 4.8% على أساس سنوي بفضل ضعف الدولار، لكن عند احتساب العوائد بالعملات الثابتة انخفضت النسبة إلى 2.7% فقط، بينما تراجعت إيرادات الشركات المتوسطة والصغيرة.
وأشارت بلومبيرغ أيضًا إلى أن نقص المهاجرين بمقدار مليون شخص، بحسب مركز بيو للأبحاث، يمثل أول انخفاض في عدد المهاجرين منذ ستينيات القرن الماضي، وهو ما قد يترك أثرا إضافيا على سوق العمل والنمو الاستهلاكي. كما يزداد قلق المزارعين الأميركيين، خصوصًا منتجي فول الصويا، بسبب خسارة الأسواق الخارجية نتيجة الرسوم المتبادلة.
تساؤلات مفتوحة
ويخلص التقرير إلى أن الخريف المقبل قد يكون حاسمًا في تحديد مستقبل حروب ترامب التجارية. فمع تصاعد غضب قادة دول مثل الهند والبرازيل من السياسة الجمركية الأميركية، يبرز تساؤل حول ما إذا كانت دول بريكس ستسعى لتسريع خطواتها في تقليص الاعتماد على أميركا.
كما يطرح سؤال آخر نفسه حول مصير البضائع الصينية التي لم تعد تجد طريقها إلى الموانئ الأميركية.
وترى بلومبيرغ، أن هذه الأسئلة الثلاثة تبقى – ذروة الرسوم، طبيعة العلاقة مع الصين، وآفاق الاقتصاد الأميركي – كافية لخلق خريف اقتصادي عنوانه الأبرز الضبابية وعدم اليقين.
0 تعليق