كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتتصاعد حدة المجازر والجرائم، مع تصاعد فصول المعاناة، بينما ما زال الحصار والمجاعة مستمرين، مع فرض الاحتلال مزيداً من القيود على دخول السلع والطعام للقطاع.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتبعاته، منها مشهد يرصد دخول 15% فقط من احتياج قطاع غزة من الطعام، ومشهد آخر تحت عنوان: "إحراق الخيام"، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان: "الإسقاط الجوي سحق للخيام وقتل للنازحين".
دخول 15% من الاحتياج للطعام
ما زال قطاع غزة يرزح تحت وطأة المجاعة منذ نحو 6 أشهر، ويعيش المواطنون في ظل أوضاع كارثية، ويشهد كل يوم وفاة عدد من الأطفال والكبار بسبب الجوع.
وكشفت الجهات المسؤولة في قطاع غزة عن حجم الكارثة، مفندة ادعاءات الاحتلال بانتهاء المجاعة، ودخول الطعام.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد دخل إلى القطاع خلال أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء الماضية، 250 شاحنة مساعدات فقط، من أصل 1,800 شاحنة كانت متوقعة، مشيراً إلى أن "بعضها تعرض للنهب والسرقة في ظل فوضى أمنية متعمدة، يصنعها الاحتلال ضمن سياسة هندسة التجويع والفوضى، والتي تهدف إلى ضرب صمود الشعب الفلسطيني".
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن إجمالي الشاحنات التي دخلت قطاع غزة خلال 25 يوماً بلغ 2,187 شاحنة مساعدات فقط من أصل 15,000 شاحنة متوقعة، أي ما يمثل أقل من 15% من الاحتياجات الفعلية.
وبيّن أن الاحتلال ما زال يمنع إدخال شاحنات المساعدات بكميات كافية، ويواصل منع تأمين ما يدخل من شاحنات، مع استمرار إغلاق المعابر وتقويض عمل المؤسسات الإنسانية.
وأكد أن "الاحتلال مستمر في حصاره على قطاع غزة، مغلقاً المعابر بشكل كامل منذ نحو ستة أشهر، مانعاً دخول 430 صنفاً من الأغذية الأساسية التي يحتاجها الأطفال والمرضى والمجوعون".
ولفت إلى أن السكان المدنيين يُحرمون أيضاً من مئات الأصناف الأخرى، بما في ذلك المواد الغذائية الحيوية مثل: بيض المائدة، واللحوم الحمراء والبيضاء، والأسماك، والأجبان ومشتقات الألبان، والفواكه والخضراوات، والمكملات الغذائية، إضافة إلى عشرات الأصناف الأخرى، مثل المكسرات والمواد المدعمة التي يحتاجها المرضى والنساء الحوامل.
ونبّه البيان إلى أن قطاع غزة يحتاج يومياً إلى أكثر من 600 شاحنة مساعدات مختلفة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات 2.4 مليون مواطن، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية نتيجة الحرب المستمرة والإبادة المتواصلة.
وحمّل المكتب الإعلامي الحكومي إسرائيل وحلفاءها كامل المسؤولية عن الكارثة الإنسانية، داعياً الأمم المتحدة والدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي إلى "التحرك الجدي لفتح المعابر وضمان تدفق المساعدات، لا سيما الغذاء وحليب الأطفال والأدوية المنقذة للحياة، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه ضد المدنيين".
إحراق الخيام
تزايدت شكاوى النازحين من محاولات الاحتلال إحراق خيامهم في الآونة الأخيرة، خاصة في مناطق المواصي، وغرب مدينة دير البلح، إما من خلال إسقاط مواد قابلة للاشتعال عليها، أو عبر قصفها بصواريخ تؤدي إلى اندلاع حرائق.
ووفق العديد من الشهادات، فإن مُسيّرات إسرائيلية تُسقط أجساماً مشتعلة أو قابلة للاشتعال على الخيام أو قرب منها، ما يُشكّل خطراً كبيراً على المواطنين، خاصة في ظل فصل الصيف، والحرارة المرتفعة، التي تُساعد على سرعة اشتعال النيران.
وذكرت مصادر أمنية في قطاع غزة، أن طائرات مسيّرة تقوم بإلقاء صناديق تحتوي على عبوات محمّلة بمادة البنزين، وموصولة بأسلاك وصواعق، تستهدف خيام النازحين بهدف إحراقها.
وناشد "أمن المقاومة" المواطنين والنازحين، عدم الاقتراب نهائياً من الصندوق أو العبوات، والابتعاد عن المكان لمسافة آمنة، وإخلاء المحيط فوراً، كما طالب بمنع الأطفال والفضوليين من الاقتراب أو العبث بالموقع.
وأشار إلى أن هذه الأساليب تأتي ضمن حرب نفسية وعدوان إجرامي، داعياً الجميع إلى التحلي باليقظة والانضباط الأمني.
ولم يقتصر إحراق الخيام على إلقاء الصناديق المذكورة، إذ يتم إطلاق أنواع معينة من الصواريخ، بواسطة مروحيات هجومية، ومُسيّرات، ما تسبب بإحراق عشرات الخيام خلال الفترات الماضية.
وبيّن المواطن عبد الله صابر، أن المخيم الذي يُقيم فيه تعرض خلال الأشهر الماضية لأكثر من غارة إسرائيلية، وجميع الغارات نتج عنها اشتعال الحرائق في الخيام المستهدفة بشكل مباشر وخيام بجوارها.
وأوضح أن الاحتلال يتعمّد استخدام أنواع من الصواريخ، تؤدي إلى اشتعال النيران في الخيام، وقد ساهم أكثر من مرة في إخماد حرائق اندلعت بعد القصف مباشرة، وهذا يبدو أنه أسلوب إسرائيلي متعمد.
ولفت إلى أن الخيام وما بها من فراش وأغطية، وحاجيات المواطنين، كلها مواد قابلة للاشتعال السريع، وهذا يؤدي إلى سرعة اندلاع الحرائق وامتدادها إلى مناطق مجاورة.
بينما أكد أطباء يعملون في مستشفيات بالقطاع، أنهم يستقبلون بعد كل غارة تستهدف خيام النازحين ضحايا "شهداء وجرحى"، تعرضت أجسادهم لحروق متفاوتة، غالبيتها من الدرجتين الثالثة والرابعة، وهذا يُشير بشكل واضح إلى أن الاحتلال يستخدم صواريخ بها مواد مشتعلة.
مخاطر الإسقاط الجوي
لا يمرّ يوم دون وقوع ضحايا ودمار كبير جراء سقوط صناديق المساعدات التي تلقيها الطائرات على مناطق شديدة الاكتظاظ بالمواطنين والنازحين.
وقبل عدة أيام، أسقطت الطائرات عشرات الصناديق التي تحملها مظلات، على مخيم للنازحين قرب "بئر 19"، في مواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة، ما تسبب باستشهاد المُسن صابر محمد الزاملي، وتدمير عشرات الخيام، كما سقط ضحايا في وقت سابق بمدينة غزة، ووسط القطاع.
وبمجرد رؤية طائرات المُساعدات تُحلّق في الأجواء، تسود مخاوف كبيرة لدى المواطنين والنازحين، والجميع يتأهبون وينظرون إلى السماء، بانتظار معرفة أين ستسقط الصناديق، للفرار منها وتلافي أضرارها.
وأكد مواطنون أن المظلات تتسبب بدمار وفوضى كبيرة، والجميع باتوا يكرهونها، حيث قال المواطن أسامة شقفة، إن صندوق مساعدات سقط على مقربة من خيمته، وحطم خيمة جيرانه، وتسبب بحالة من الذعر، كما أوقع إصابات، وحدثت حالة من الفوضى غير المسبوقة.
وقال، إن ما يحدث وصفة للفوضى وتغذية للعنف والشجارات، فالقوي هو الذي يحصل على المساعدة، لذلك هناك رفض كبير لهذه الطريقة التي يصفها بالمُذلة، ويجب استبدالها بطرق أخرى تحفظ سلامة المواطنين، وتحافظ على كرامتهم، وتضمن عدالة التوزيع على الجميع، القوي والضعيف.
من جهته، أكد المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، إن إسقاط المساعدات الجوية يُعد طريقة غير مجدية ولا إنسانية، وتسبب أخطاراً على المواطنين وتؤدي إلى قتلهم، مؤكداً إطلاق مناشدات للمنظمات الدولية والعواصم المعنية بشأن خطورة ذلك.
وأشار إلى أن بعض الصناديق تسقط على منازل آيلة للسقوط، ما يتسبب بإصابات مباشرة، موضحاً أنه وعندما يصعد مواطنون إلى تلك المنازل في محاولة للوصول إلى الصناديق، تحدث انهيارات فيها، ما يؤثر على عمل طواقم الدفاع المدني ويشكّل عبئاً إضافياً عليها، كما يتطلب الأمر إمكانيات وجهداً ووقتاً.
وسبق أن أكدت وزارة الداخلية في غزة أن عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات على القطاع تسببت في سقوط شهداء وجرحى من المدنيين، وتدمير خيام وممتلكات نازحين.
واتهم بيان للوزارة الاحتلال باستغلال عمليات الإسقاط الجوي، كأداة لتعزيز الفوضى، ضمن سياسة "هندسة التجويع" في إطار الإبادة التي يتم ارتكابها منذ 23 شهراً.
0 تعليق