دمشق – في مبادرة طبية واسعة وغير مسبوقة من حيث التغطية الجغرافية والمشاركة الطبية، أطلقت وزارة الصحة السورية بالتعاون مع عدد من المنظمات والجمعيات الدولية والمحلية حملة "شفاء 2″، التي تهدف إلى إجراء أكثر من ألف عملية جراحية مجانية في عدة محافظات سورية، بمشاركة نحو 130 طبيبا من داخل سوريا وخارجها، لا سيما من الأطباء السوريين المغتربين في أوروبا.
وتستهدف الحملة محافظات دمشق وحماة وحلب وحمص وإدلب واللاذقية ودرعا ودير الزور، وتشمل معظم التخصصات الطبية مثل الجراحة العامة والقسطرة القلبية والجراحات العصبية والعظمية والبولية والداخلية، إضافة إلى جراحة الأطفال، بدعم لوجستي من مديريات الصحة في المحافظات.
وقال مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة الدكتور زهير القراط، في تصريح خاص للجزيرة نت، إن هذه الحملة تمثل امتدادًا لحملة "شفاء 1" التي نُفذت في أبريل/نيسان الماضي، إلا أنها تتميز بتوسّع أكبر من حيث عدد المحافظات والتخصصات، وبمشاركة مكثفة من أطباء سوريين مغتربين جاؤوا بدافع إنساني لتقديم خدمات نوعية للمواطنين في الداخل السوري.
وأكد القراط أن الوزارة تواصل العمل مع الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية لتأمين المستلزمات الطبية وتوفير الكوادر اللازمة، موضحًا أن "هذه الحملة تمثل رسالة تضامن من الكوادر السورية في الخارج، وإصرارًا من الداخل على تقديم الرعاية الصحية رغم التحديات".
كما أشار إلى أن الوزارة تعمل على ضمان استمرارية هذه المبادرات وتوسيعها لتشمل أكبر شريحة ممكنة من المرضى.
وبحسب البيانات الرسمية، فإن حملة "شفاء 1" شهدت إجراء 670 عملية جراحية خلال ثلاثة أسابيع، منها 236 تداخلية و74 قلبية و90 عظمية و52 بولية و46 حشوية و67 عصبية و43 وعائية و9 صدرية و22 ترميمية و31 هضمية.
كما شهدت الحملة السابقة مشاركة أكثر من 110 أطباء، وتقديم دورات تدريبية للكوادر المحلية، إلى جانب صيانة الأجهزة الطبية المتوقفة عن العمل.
مبادرات الأمل
وعن الجانب الإنساني للمبادرة، قال "أبو محمد"، وهو موظف متقاعد من ريف حماة، "كنت أعاني منذ سنوات من انسداد في شرايين القلب، وأوصى الأطباء بإجراء قسطرة عاجلة، لكن تكلفتها كانت تفوق قدرتي، فقد طُلب مني أكثر من 4 ملايين ليرة. حين سمعت بالحملة من أحد الجيران، سجلت اسمي وتواصلت مع اللجنة المختصة، وتمت معاينتي خلال أيام".
إعلان
وأضاف "أجريت العملية في مشفى حماة الوطني على يد طبيب مغترب جاء من ألمانيا، وكل ذلك مجانًا. لم أكن أصدق أن هناك من يفعل ذلك دون مقابل. حتى الأدوية تم تأمينها لي بعد خروجي، وهذا خفف عني عبئًا نفسيا وماليا هائلًا".
ويرى أبو محمد أن مثل هذه المبادرات تمنح الناس الأمل وتعيد الثقة في الدولة والمجتمع، مشيدًا بالتعامل الإنساني الراقي من قبل الأطباء والمنسقين.
وأوضح أن "ما حصل لي ليس استثناءً، فهناك المئات من المرضى الذين ينتظرون فرصتهم للعلاج، وأتمنى أن تستمر هذه الحملات، فهي تنقذ الأرواح فعليا".
من جانبه، قال مسؤول الحملات والبعثات في وزارة الصحة الدكتور أحمد المصري إن حملة "شفاء 2" تأتي استكمالاً لما تم إنجازه في النسخة الأولى، لكنها أكثر شمولاً على مستوى المحافظات وعدد العمليات، وتمثل نقلة نوعية في العمل الصحي الخيري داخل سوريا، مشيرًا إلى إدخال اختصاصات جديدة ضمن الحملة مثل الطب النفسي وطب الأطفال، إلى جانب تحوّلها جزئيا إلى استجابة إسعافية في الجنوب نتيجة الظروف الأمنية الأخيرة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح المصري أن الحملة تم تنظيمها عبر هيكل إداري واضح يربط بين المركز والقطاعات الميدانية، وذلك بالتعاون مع مديريات الصحة في المحافظات، وبمشاركة منظمات طبية مختلفة، مما أتاح تحريك فرق متخصصة وفق الحاجة الفعلية لكل منطقة.
وعن التحديات، أشار المصري إلى أن النقص في المعدات الحديثة والكادر الطبي وقائمة الانتظار الطويلة كان أبرزها، إلا أن الحملة تمكّنت من تخطي العديد من هذه العقبات من خلال شحنات دعم لوجستي ومعدات دقيقة تبرع بها أطباء مغتربون، إضافة إلى تنسيق مباشر مع الوزارة لتسهيل إدخالها.
كما شدد المصري على أن الأولوية كانت تُمنح للحالات الحرجة والأطفال والمرضى المنتظرين منذ سنوات على القوائم، لافتًا إلى أن بعض العمليات التي أُجريت ضمن الحملة كانت نوعية ونُفذت للمرة الأولى داخل سوريا.
من جهة أخرى، أكد المصري أن الحملة لم تقتصر على العمليات الجراحية، بل شملت أيضا ورشات تدريبية ميدانية ومحاضرات أكاديمية للكوادر الطبية الشابة بما يزيد عن 1600 ساعة تدريبية، مؤكدا أن الوزارة بصدد إطلاق حملات لاحقة تغطي خريف وشتاء 2025 وربيع وصيف 2026، مع توسيع أكبر في الاختصاصات والمناطق المستهدفة.
واختتم حديثه بتوجيه دعوة للمجتمع المدني والمؤسسات المحلية إلى دعم هذه المبادرات عبر التطوع والتسهيلات اللوجستية، معتبرًا أن استمرارية الحملة تعتمد على الشراكة المجتمعية والتنسيق المنظم بين القطاعين العام والخاص.
وبينما تستمر حملة "شفاء 2" على الأرض، يرى مراقبون أنها تمثل نموذجا ناجحًا لمبادرات إنسانية فاعلة، يمكن أن تسهم في سد فجوات الرعاية الصحية في بلد يعاني من أزمة طبية خانقة منذ أكثر من عقد.
0 تعليق