غلاء الأسعار هل يعيق السياحة الداخلية في المغرب؟ - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الرباط- "كنت أرغب في قضاء أسبوع في الشمال مع أطفالي لكن بعد أن حسبت التكاليف قررت أن أبقى في سلا.. البحر هنا مجاني".. بهذه العبارة يلخص عبد المنعم موظف متوسط الدخل وأب لطفلين واقع شريحة واسعة من المغاربة الذين بات السفر في العطلة الصيفية بالنسبة إليهم رفاهية يصعب تحقيقها في المغرب.

في كل موسم صيف يتكرر المشهد نفسه، آلاف المغاربة يحلمون بجلسة أمام شواطئ المضيق ومارتيل والحسيمة في الشمال المغربي أو نزهة في مرتفعات إفران لكن الأسعار المرتفعة تحول دون تحقيق حلمهم.

تقول فاطمة أم فدوى، ربة بيت من الرباط: "في العادة نفضل استئجار شقة لأنها أفضل من الفنادق بالنسبة للعائلات، وجدنا شقة في مدينة مارتيل تبعد عن البحر بـ20 دقيقة مشيا بـ600 درهم (60 دولارا) لليلة ناهيك عن مصاريف التنقل والطعام، كيف يمكن لأسرة من 4 أو 5 أن تتحمل ذلك في حالة الغلاء التي طالت كل شيء".

ورغم الجهود الحكومية لتشجيع السياحة الداخلية فإن المواطنين يشتكون من غلاء العروض والخدمات السياحية بالمقارنة مع قدرتهم الشرائية المتدهورة.

كان بحث للمندوبية السامية للتخطيط حول واقع مستوى المعيشة لدى الأسر أظهر أن 76 % من الأسر صرحت خلال الفصل الثاني من سنة 2025 بتدهور مستوى المعيشة خلال الـ12 شهرا السابقة، في حين توقعت 45% من الأسر تدهوره خلال الـ12 شهرا المقبلة.

المغرب/الرباط/ سناء القويطي/ صور من مدينة تطوان شمال المغرب وهي من المدن التي تعرف اقبالا كبيرا من السياح في الصيف/ مصدر الصور: سناء القويطي
إقبال كبير من السياح في الصيف على مدينة تطوان شمالي المغرب (الجزيرة)

استياء وتطور

لا تخلو مواقع التواصل الاجتماعي من التدوينات المستاءة من ارتفاع أسعار الخدمات السياحية سواء ما يتعلق بالطعام والترفيه وكذلك الإيواء السياحي خاصة في المدن الساحلية.

وتعد المدن الشمالية في المغرب وجهة سياحية رئيسية في فصل الصيف، إذ تجذب الزوار بطبيعتها وشواطئها خاصة مدن طنجة، وتطوان، والمضيق، ومارتيل، وشفشاون، والحسيمة، والسعيدية.

إعلان

ويقارن مواطنون بين أسعار الخدمات المرتفعة في بلدهم مع العروض والخدمات الأرخص والأفضل في دول مجاورة مثل إسبانيا والبرتغال.

ورغم ذلك، ينظر رئيس الكونفدرالية المغربية للسياحة، حميد بنطاهر بتفاؤل للسياحة الداخلية ويرى أن السائح المغربي أصبح اليوم أول زبون للقطاع السياحي الوطني، متقدما على السياح الأجانب وعلى رأسهم الفرنسيون والإنجليز.

وأوضح أن هذا الوضع لم يكن كذلك قبل 10 سنوات عندما كان الفرنسيون يحتلون المرتبة الأولى من حيث عدد السياح في المملكة.

وأكد بنطاهر لـ(الجزيرة نت) أن السياحة الداخلية شهدت خلال الـ20 سنة الأخيرة تطورا أكبر من نظيرتها الأجنبية، إذ أن نسبة نموها ظلت تتصاعد بشكل لافت.

غير أنه أشار في الوقت نفسه إلى وجود تحديات تعطل تطورها الكامل، وعلى رأسها التوجه الكبير للمواطنين نحو القطاع غير المهيكل، وضعف القدرة الشرائية لدى فئة واسعة من الأسر المغربية.

تُعد السياحة ركيزة أساسية في اقتصاد المغرب، إذ تُسهم بـ11% من الناتج المحلي الإجمالي (7% من خلال السياحة الوافدة و4% من خلال السياحة الداخلية).

طلب مرتفع وعرض محدود

تشهد فترة الصيف عادة ارتفاعا كبيرا في الطلب على الوجهات السياحية الوطنية وخاصة الساحلية، ويوضح الخبير السياحي الزبير بوحوت أن هذا الطلب يتوزع بين السياح الأجانب ومغاربة العالم وأيضا المواطنين الذين يفضلون السفر في العطلة بين شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب.

وأضاف في حديث لـ(الجزيرة نت) أن الطلب السياحي شهد تحفيزا إضافيا منذ 2023 بعد تعزيز النقل الجوي مما رفع من عدد الزوار، لكن في المقابل ظل العرض السياحي محدودا، لا سيما من حيث الطاقة الاستيعابية الفندقية والعروض الموجهة للمواطنين المغاربة.

وأشار إلى بطء تنفيذ المشاريع المخصصة للسياحة الداخلية، وذكر برنامج "بلادي" الذي كان يهدف إلى إنشاء 8 محطات سياحية موجهة للمغاربة، "لكن لم يُنجز منها سوى 3 محطات فقط"، مما جعل العرض المخصص للطبقة المتوسطة ضعيفا.

وأكد أن هذا الاختلال بين العرض والطلب بالإضافة إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار، ليس في الفنادق فقط بل في دور الإيواء والمطاعم وحتى المقاهي، مضيفا أن "مواقع التواصل الاجتماعي تعج بشهادات عن غلاء الأسعار، بل حتى حراس السيارات في الشوارع العامة باتوا يُتهمون بالمغالاة في الأسعار".

وأشار بوحوت إلى أن هذا الوضع تسبب في نفور عدد من مغاربة العالم من قضاء عطلتهم في المغرب، بعد سماعهم عن ارتفاع أسعار الفنادق وتذاكر الطيران، وفضّلوا التوجه إلى وجهات بديلة مثل الجنوب الإسباني وتركيا، حيث الأسعار أكثر تنافسية والعرض السياحي أكثر تنوعا.

بدوره، يؤكد بنطاهر أن ارتفاع أسعار المنتجات السياحية في فصل الصيف راجع أساسا إلى ارتفاع الطلب وقلة العرض، نافيا ما يروج أحيانا من أن العروض المقدمة للسياح الأجانب أفضل من تلك المقدمة للمغاربة.

كما نفى تراجع أعداد المهاجرين المغاربة الوافدين إلى بلادهم في الصيف لقضاء العطلة مشيرا إلى أن الأرقام الرسمية تكذب ما يتم ترويجه على مواقع التواصل الاجتماعي.

إعلان

وبلغ عدد المهاجرين المغاربة الذي دخلوا المملكة في الفترة ما بين 10 يونيو/حزيران و 4 أغسطس/آب 2.7 مليون شخص بزيادة قدرها 10.37% مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية وفق بيانات مؤسسة محمد الخامس للتضامن.

واعتبر أن تركز العطل المدرسية في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب يخلق ضغطا على الوجهات الشاطئية، في حين تظل الوجهات الجبلية رغم مؤهلاتها الطبيعية أقل جذبا.

ولهذا الغرض، قدّمت الكونفدرالية المغربية للسياحة اقتراحا باعتماد نظام العطل الجهوية عوض الوطنية، بهدف توزيع الطلب بشكل أفضل وتشجيع تنوع الوجهات.

ودعا بنطاهر المواطنين إلى "عقلنة السفر"، موضحا أن الأسر التي لا تتقيّد بالدخول المدرسي يمكنها برمجة عطلتها في شهري يونيو/حزيران أو سبتمبر/أيلول، حيث تنخفض الأسعار ويقل الازدحام، مما يسهم في توزيع الطلب على مدار أشهر السنة، بدلا من حصره في ذروة الصيف.

بوادر إيجابية

بالنسبة لوزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني فإن "بوادر موسم الصيف كانت إيجابية إلى نهاية يونيو/حزيران في انتظار الأرقام النهائية نهاية الموسم".

وحسب البيانات التي حصلت الجزيرة نت عليها من الوزارة، تجاوز عدد ليالي المبيت للسياح المغاربة في النصف الأول من العام الحالي، 3.6 ملايين ليلة، بزيادة نسبتها 5% مقارنة بالفترة نفسها من 2024.

وبالنسبة للسياح الأجانب، استقبل المغرب 8.9 ملايين سائح، بزيادة قدرها 19% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، أي ما يمثل 1.4 مليون سائح إضافي.

وتقول وزارة السياحة إن "الأرقام تؤكد جاذبية المغرب كوجهة مفضلة للسياح".

ورغم أن الوجهات الشاطئية هي الأكثر جذبا للمغاربة، فإن الوزارة تسعى إلى التشجيع على استكشاف مناطق جديدة، والانفتاح على السياحة الطبيعية والثقافية وسياحة الصحراء والواحات، لذلك تم تحسين الربط الجوي الداخلي، لجعل هذه الوجهات الجديدة أكثر سهولة وبمقابل مناسب.

كانت وزارة السياحة أعلنت عن إطلاق 11 خطا جويا داخليا جديدا نحو 9 وجهات في المغرب ابتداء من صيف 2024، وذلك ضمن برنامج لتعزيز الربط الجوي الداخلي.

الصورة 3: المغرب/الرباط/ سناء القويطي/ مدينة الفنيدق شمال المغرب/ مصدر الصور: سناء القويطي
لافتة ترحيبية في مدينة الفنيدق شمال المغرب (الجزيرة)

حلول هيكلية

لا تنكر وزارة السياحة ارتفاع أسعار الخدمات السياحية بالنسبة للمواطن المغربي، وتقول لـ(الجزيرة نت): "ندرك أن الأسعار لا تزال تشكّل تحديا، خاصة خلال الموسم الصيفي وفي الوجهات الشاطئية الأكثر طلبا بسبب عرض الإيواء الذي لايزال أقل من الطلب"، وتشير إلى أن الهدف الذي تعمل عليه هو "إيجاد حلول هيكلية ودائمة".

ولتقوية العروض السياحية الداخلية، أصدرت وزارة السياحة النصوص التطبيقية للقانون 14-80 المتعلقة بنظام التصنيف الجديد لمؤسسات الإيواء السياحي والذي يركز على جودة الخدمات كمعيار للتصنيف.

وأوضحت أنه يتم التركيز حاليا على النصوص التطبيقية المتعلقة بأشكال الإيواء الأخرى، والتي ستُسهم في تنظيم الإيواء عند الساكنة والمخيمات والإيواء البديل، لتوفير خيارات أكثر تنوعا وتناسبا مع مختلف ميزانيات السياح المغاربة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق