بعدسة نسائية.. كيف وثّقت المرأة القضية الفلسطينية؟ - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتعدد الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية من زوايا مختلفة، لكنها تلتقي عند جوهر واحد هو الصراع مع الاحتلال والبحث عن الهوية والذاكرة. فمن خلال تجارب شخصية وطرائق فنية متباينة، تعكس هذه الأعمال حجم الألم الإنساني وتكشف كيف تتحول السينما إلى وسيلة مقاومة ورواية بديلة للتاريخ الرسمي.

يذكر أن السينما الفلسطينية ليست مجرد مرآة للصراع مع الاحتلال، بل فضاء تتجلى فيه المرأة كصوت مقاوم وذاكرة حية. ففي قلب المأساة، تتعدد صورها بين أم تزرع الأمل في جيل جديد، وشابة تواجه القيود المجتمعية والسياسية، وأسيرة أو لاجئة تقبض على خيوط الحكاية كي لا تضيع في زحمة النسيان.

ما يجمع هذه التجارب البصرية أن الكاميرا لم تكتف برصد الحرب والتهجير، بل التقطت نبض النساء تحت خط النار، واعتبرت الأمومة فعلا ثقافيا يتجاوز حدود البيولوجيا ليغدو شكلا من أشكال المقاومة.

ملح هذا البحر وأزمة الهوية المزدوجة

ثريا شابة فلسطينية ولدت في أميركا، تقرر العودة إلى الوطن من أجل البحث عن إرث عائلتها وحقها في الأرض، مما يقودها إلى رحلة لم تكن بالحسبان تلتقي خلالها بشاب محلي، في وقت تكشف فيه الوجه القبيح للاحتلال والتهجير وما يتعرض له الفلسطينيون من ضغوط وقيود سواء على مستوى الحياة والمعيشة اليومية أو العمل.

هذا ما يدور حوله فيلم "ملح هذا البحر" (Salt of This Sea) لمخرجته ومؤلفته آن ماري جاسر، التي قدمت معالجة شاعرية للحكاية مزجت بين البعد السياسي والرومانسية، في ظل تداخل المناظر الطبيعية بفنية مع الواقع القاسي للشخصيات. ومع أن الحوار الذي كتب بعناية يعكس الهوية المزدوجة للبطلة، إلا أن الموسيقى التصويرية نجحت في خلق حالة من الإحساس بالانتماء المفقود.

"ملح هذا البحر" فيلم عن امرأة تواجه سلطة الاحتلال وقيود المجتمع الذكوري على حد سواء، وفي الوقت نفسه تمثل جيلا من الفلسطينيات اللاتي تمزق وجدانهن بين الجذور والمنفى.

إعلان

البرج وحلم العودة الأزلي

فيلم "البرج" هو إنتاج مشترك بين النرويج والسويد وفرنسا، أخرجه المخرج النرويجي ماتس غرورد بعد أن قضى عامًا كاملا داخل المخيم، ساعيًا إلى معايشة اللاجئين عن قرب والتشبع بحكاياتهم وتجاربهم اليومية.

اعتمد الفيلم على تقنية إيقاف الحركة (Stop Motion)، وشارك في عدد من المهرجانات البارزة، من بينها مهرجان آنسي الدولي لأفلام التحريك في فرنسا، ومهرجان لندن لأفلام فلسطين، ومهرجان مراكش السينمائي، إضافة إلى مهرجان القاهرة السينمائي.

تدور أحداث العمل حول وردة، طفلة تقيم في مخيم برج البراجنة بلبنان، تنطلق في رحلة للبحث عن مفتاح منزل عائلتها المفقود منذ النكبة، لتلتقي خلالها بأفراد من أسرتها يروون لها حكايات أربعة أجيال من اللاجئين الفلسطينيين، في سردية تمزج بين الذاكرة والواقع.

ومع أن وردة تمثل جيلا جديدا من الفتيات اللاتي لم يتخلين عن الأمل رغم العثرات وأشباح الماضي، فإن الفيلم يؤكد دور الأمهات والجدات في توريث الذاكرة وحلم العودة عبر الأجيال غير مكتفيات بالإنجاب وطرق التربية المعتادة.

"البرج" فيلم صدر عام 2018، ورغم أنه رسوم متحركة، فإنه نجح في مخاطبة الكبار من حيث المضمون، في حين سمح للأطفال بالتماهي مع بطلته كونها طفلة من أعمارهم، وقد تميز العمل بالحرية البصرية والموسيقى المؤثرة، مما عزز تأثيره العاطفي.

ناجيات من الرماد

الفيلم الأخير في هذه القائمة هو الوثائقي القصير "ناجيات من الرماد" للمخرجة ناهد أبو طعيمة، وقد أُنجز بدعم من مؤسسة "سي آي إس إس" (CISS) الإيطالية وإنتاج الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية. استغرق تصويره نحو ستة أشهر لتوثيق 200 يوم من الحرب من خلال شهادات مباشرة وإحصاءات صادمة تكشف حجم المأساة.

يركّز العمل على معاناة نساء قطاع غزة خلال الحرب، بين من فقدن أحبتهن، ومن يعانين نقص الغذاء وفقر المأوى في خيام مؤقتة تفيض بالحزن والألم، وأخريات يواجهن تجربة النزوح أو العيش تحت وطأة القصف المستمر. كما يوثّق الفيلم الواقع الصحي المتردي والنقص الحاد في الدواء بما ينذر بكارثة إنسانية تهدد حياة الفلسطينيين، إلى جانب فضح أشكال العنف الجسدي والجنسي الذي تتعرض له النساء المعتقلات.

ما يميز الفيلم هو إسناد البطولة للمرأة الفلسطينية في مختلف تجاربها، إذ اختارت المخرجة أن تجعلها محور السرد. هذا المزج بين الوقائع والإحصاءات منح العمل طابعًا أقرب إلى شهادة نسوية مركبة على الحرب، وفي الوقت نفسه حمل بعدًا عاطفيا وإنسانيا يجعل منه وثيقة تختزل جانبًا من مأساة المرأة الغزية في زمن الحرب، لكنها أيضًا شهادة على صمودها وتحديها كأنها صرخة مقاومة وجودية في وجه المحو.

في المحصلة، تظهر هذه الأفلام كيف تتحول السينما الفلسطينية إلى مساحة مقاومة بديلة، حيث تصبح المرأة مركز السرد لا بوصفها ضحية فقط، بل باعتبارها حاملة للذاكرة وفاعلة في صياغة الحكاية، في وقت تتجسد فيه صورة نساء فلسطين وهن يكتبن تاريخهن بأصواتهن، في مواجهة محاولات الطمس والإقصاء. وهكذا، فإن هذه الأعمال لا تعكس المأساة الفلسطينية فحسب، بل تسلط الضوء على قوة المرأة في تحويل الألم إلى فعل مقاومة ومعنى إنساني خالد.

إعلان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق