تشهد التجارة الأوروبية تراجعًا حادًا مع الولايات المتحدة، في ظل استمرار إدارة الرئيس دونالد ترامب في فرض الرسوم الجمركية التي أثقلت كاهل الصادرات وأضعفت قدرة القارة العجوز على الحفاظ على فائضها التجاري.
ووفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال" فإن البيانات الأخيرة الصادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات" تكشف عن صورة قاتمة تؤشر إلى أزمة أوسع في المشهد التجاري العالمي.
أرقام صادمة تكشف عمق الأزمة
وأفادت الصحيفة أن صادرات الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة إلى الولايات المتحدة هبطت بنسبة 10% في يونيو/حزيران مقارنة بالعام الماضي، لتصل إلى نحو 40 مليار يورو فقط (46.8 مليار دولار) وهو أدنى مستوى منذ نهاية عام 2023. ونتيجة لذلك تقلّص الفائض التجاري الكلي للاتحاد إلى 1.8 مليار يورو (2.1 مليار دولار) بعدما كان عند 12.7 مليار يورو (14.9 مليار دولار) في مايو/أيار.

ويأتي التراجع الحاد بعد قفزة مؤقتة في مارس/آذار حين وصلت الصادرات إلى مستوى قياسي يقارب 72 مليار يورو (84.2 مليار دولار) إذ عمد المستوردون الأميركيون إلى تخزين البضائع قبل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ. لكن ما لبث أن انعكس الاتجاه، مع بداية أبريل/نيسان، ليأخذ منحى نزوليًا متسارعًا.
اتفاق مثير للجدل ورسوم بحد أدنى 15%
وبحسب "وول ستريت جورنال" توصلت بروكسل وواشنطن نهاية يوليو/تموز إلى اتفاق يقضي بفرض تعرفة أساسية بنسبة 15% على الواردات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، ولا تزال بعض تفاصيل الصفقة قيد التفاوض. ونُقل عن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أولوف غيل أن بيانًا مشتركًا "سيفصّل الاتفاق قريبًا".
ورغم الضغوط المتصاعدة، لا يتجه الاتحاد الأوروبي في المدى القريب إلى فرض رسوم مضادة على السلع الأميركية، إذ علّق لمدة 6 أشهر الحزمة التي أعدها ردًا على الخطوة الأميركية الأولى في أبريل/نيسان.
ألمانيا والقطاعات الصناعية بمرمى النار
أشارت الصحيفة الأميركية إلى أن تراجع الفائض في يونيو/حزيران ارتبط بالدرجة الأولى بانخفاض صادرات الكيميائيات، وهو قطاع حيوي لكثير من اقتصادات أوروبا.
إعلان
كما أن ألمانيا، بوصفها المحرك الصناعي للقارة، تعرضت لضربة قوية مع انخفاض صادراتها إلى الولايات المتحدة، مما انعكس مباشرة على إنتاج المصانع وحدّ من وتيرة النمو الاقتصادي العام.
ويضاف إلى ذلك أثر العملة، حيث أدت قوة اليورو إلى تقليص جاذبية السلع الأوروبية، وهو ما فاقم التراجع في الطلب الخارجي.
مخاطر أوسع وصورة قاتمة
ولم تقتصر الأزمة على المسار الأميركي فحسب، إذ تراجعت الصادرات الأوروبية إلى الصين أيضًا على أساس سنوي، وهو ما وصفته الصحيفة الأميركية بأنه مؤشر على "البرودة المتزايدة في التجارة العالمية".

وقد تعالت التحذيرات في أوساط الخبراء، إذ قال رالف سولفين الاقتصادي في "كومرتس بنك" إن بيئة التجارة الخارجية "تبقى دون المستوى المعتاد".
ومن جانبها أكدت نغوزي أوكونجو إيويالا المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية أن "الأثر الكامل لإجراءات الرسوم الأخيرة ما يزال يتكشف".
ورغم هذه الضغوط، أظهر اقتصاد منطقة اليورو متانة نسبية، إذ نما بنسبة 0.1% خلال الربع الثاني من العام. لكن وفق كارستن بريزسكي رئيس الاقتصاد الكلي في بنك "آي إن جي" فإن من الصعب في الوقت الحالي "تصور عودة الصادرات لتكون محركًا قويًا للنمو الأوروبي".
وبحسب "وول ستريت جورنال" فإن المشهد العام يوحي بأن الصدمة الناتجة عن الرسوم الأميركية لم تبلغ بعد مداها الكامل، في وقت تستمر أوروبا في مواجهة ضغوط مزدوجة من السياسات الحمائية وقوة اليورو والركود المتنامي بالطلب العالمي.
0 تعليق