وكان وزير النقل والخدمات اللوجستية، المهندس صالح الجاسر، قد دشن في يوليو الماضي، المرحلة التطبيقية الأولية للمركبات ذاتية القيادة، في خطوة نوعية تهدف إلى تمكين التقنية والتوسع في تطبيق وتطوير منظومة ذكية وآمنة لقطاع النقل في المملكة، ضمن توجهات الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، وامتدادًا لرؤية المملكة 2030 نحو تبني حلول تنقل مستدامة تعتمد على أحدث ما توصلت إليه تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وسيختبر البرنامج التجريبي، المركبات ذاتية القيادة في بيئات واقعية، تشمل مطار الملك خالد الدولي، والطرق السريعة في المدن، ووسط مدينة الرياض، وستشرف الهيئة العامة للنقل على العملية، لضمان الامتثال لمعايير السلامة والمعايير الفنية، وستُشغّل كل مركبة مسؤول سلامة على متنها لمراقبة أداء النظام أثناء الاختبار.
دفع الابتكار المحلي
تعكس هذه المبادرة تعاونًا متزايدًا بين الهيئات التنظيمية السعودية وشركات التكنولوجيا العالمية، ومن أبرز الشركاء في التجربة «أوبر»، و«ويرايد»، و«آي درايفر»، مع إطلاق «وي رايد»، وهي شركة صينية رائدة في مجال تكنولوجيا القيادة الذاتية، عملياتها رسميًا في المملكة.
يُعدّ هذا المشروع التجريبي جزءًا من جهد متعدد الأطراف، يشمل شراكات بين القطاعين الحكومي والخاص، بقيادة وزارة النقل والخدمات اللوجستية السعودية، برئاسة الوزير صالح الجاسر، ولا يقتصر الهدف طويل الأمد على تبني التكنولوجيا فحسب، بل يشمل أيضًا توطين تصنيع المركبات ذاتية القيادة وزيادة قدرتها التشغيلية.
لدعم هذا، أطلق صندوق الاستثمارات العامة الشركة الوطنية للاستثمار في السيارات والتنقل «ناميك» في عام 2023، وتتولى «ناميك» مهمة بناء سلاسل التوريد المحلية، وتشجيع الإنتاج المحلي من خلال تشكيل شراكات إستراتيجية مع مقدمي التكنولوجيا العالميين وقادة السيارات.
البنية التحتية الذكية
تأتي هذه التجارب في أعقاب إطلاق البنية التحتية للطرق الذكية في السعودية، في أغسطس 2024، بدأت المملكة بتركيب أجهزة اتصال ذكية على طول الطرق السريعة الرئيسية، صُممت هذه الأجهزة للتفاعل مباشرةً مع المركبات ذاتية القيادة، مما يُسهّل التنقل الآمن، وتعديل حركة المرور في الوقت الفعلي، وإدارة الأسطول بكفاءة أكبر.
ويضع هذا المستوى من الاستثمار في البنية التحتية المملكة بين الأسواق الناشئة القليلة في الجنوب العالمي التي تعمل بنشاط على إعداد البيئة المادية والتنظيمية اللازمة؛ لنشر المركبات ذاتية القيادة على نطاق واسع.
زخم التنقل الذاتي
تُعدّ تجارب المركبات ذاتية القيادة في المملكة جزءًا من موجة أوسع من التبني الإقليمي، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة، أعلنت هيئة الطرق والمواصلات في دبي عن بدء تجاربها الخاصة بالمركبات ذاتية القيادة في وقت لاحق من هذا العام، مع خطط لإطلاق خدمات سيارات أجرة آلية تجارية بحلول عام 2026.
وتتضمن مبادرة دبي شراكات مع شركة (Pony.ai)، وهي شركة مدعومة بالفعل من مشروع مدينة نيوم الذكية في المملكة العربية السعودية.
وفي الوقت نفسه، بدأت مدينة مصدر في أبوظبي أيضًا اختبارات المركبات ذاتية القيادة كجزء من نموذجها للتخطيط الحضري المستدام، وهو ما يعزز طموحات دولة الإمارات العربية المتحدة الموازية في مجال ابتكار التنقل.
سياق السوق والآثار المستقبلية
عالميًا، قُدِّرت قيمة سوق المركبات ذاتية القيادة بأكثر من 121 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تتجاوز 230 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقًا لأبحاث السوق التي أجرتها «ستاتيستا» و«ماكينزي».
ويُعد هدف السعودية المتمثل في جعل 15% من وسائل النقل العام ذاتية القيادة بحلول عام 2030 هدفًا طموحًا، ولكنه قابل للتحقيق، لا سيما مع الاستثمارات الحكومية الكبيرة والخبرة الدولية.
الأهم من ذلك، أن هذه الخطوة قد تُسهم في تنويع اقتصاد المملكة بعيدًا عن النفط، ما يُوفر مصادر دخل جديدة في قطاعات الخدمات اللوجستية، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والتصنيع، والخدمات، ولن تُمثل التجارب الجارية اختبارًا حاسمًا لمدى جدوى هذه التقنية في مناخ الخليج وظروف الطرق فحسب، بل ستكون أيضًا إشارة مبكرة للمستثمرين، والمصنعين، والمنافسين الإقليميين.
إستراتيجية المركبات ذاتية القيادة بحلول عام 2030
- %15 من وسائط النقل العام ذاتية القيادة.
- %25 من مركبات الشحن مزودة بتقنيات القيادة الذاتية.
- تقليص الحوادث المرورية بنسبة كبيرة عبر الحد من الخطأ البشري.
- تحقيق التكامل بين النقل الذكي والمستدام والذكاء الاصطناعي.
التحديات والفرص
- توفير بنية تحتية رقمية قوية في كل المدن.
- كسب ثقة المجتمع في تقنيات القيادة الذاتية.
- تطوير كوادر وطنية قادرة على تصميم وصيانة هذه الأنظمة.
- مواءمة الإطار التشريعي مع التطورات السريعة.
0 تعليق