يتحكم في سلوك الإنسان مجموعة من الاعتقادات والحاجات والدوافع الداخلة، وخارجيا مجموعة من الحوافز والمخاطر الحقيقية والمتوقعة. من ابرز القضايا التي تتداخل فيها العوامل الداخلية والخارجية هما قضيتا الأجل والرزق، فغالب الناس تقول ان الأجل والرزق بيد الله تعالى، لكن هذا القول ليس عميقا في قلوبها، وتعتبر هذه القضية احد اهم تجليات الايمان بالله سبحانه وتعالى.

هذا الأمر ذكر صراحة في القران الكريم بقوله تعالى ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون )وهو ما يؤكد ان فلسفة البلاء هي أحد لوازم اختبارات الايمان، اذ ان هذه الاختبارات تعد ضرورة لتمحيص الايمان. والمتفحص لتاريخ الانبياء والرسل عليهم السلام وحتى حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يجد انها أخضعت لهذه السنة الالهية، وكذا الأمر في تاريخ المصلحين والدعاة.

الحديث الشريف التالي يوضح بعض مستلزمات الايمان؛ ومنها التعلق وحسن التوكل على الله، واليقين بان الضر والنفع ليس بيد احد دون ارادته سبحانه وتعالى (يا غلام، إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)

من جوانب الاختبار لحقيقة الايمان؛ التبعية والتسليم لامر الله، ويدلل عليها ما جاء في الحديث الشريف (لا يؤمن أحدُكم حتى يكونَ هواه تَبَعَاً لما جئتُ به). فلا تتقدم على امر الله أية رابطة او مصلحة او تقديرات، لذا جاء القران الكريم حاسما في رفض ارتباط الايمان بتقديم امر البشر وحكمهم على امر الله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن تًكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا﴾. ويؤكد ذلك ايضًا قوله تعالى ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

واقع الحال ما يريده كثير من المسلمين هو " الايمان غير المكلف"، بمعنى انهم يختارون ما يناسبهم من التكاليف الشرعية، والتي غالبا تنساق مع اهوائهم ورغباتهم، ويبتعدون عن كل ما يشعرون انه يهدد تلك الرغبات والقدرات او يضطرهم لدفع كلف من حياتهم او حريتهم او اموالهم، لذلك نجد الايات القرانية قرنت بين الايمان وكثير من الأفعال المحددة ومنها الجهاد بالمال والنفس على سبيل المثال، كما في قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).

نسأل الله ان نكون من المؤمنين حقا.