الأردن والاقتصاد الأخضر: من الهامش إلى صدارة التحول العالمي - هرم مصر

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأردن والاقتصاد الأخضر: من الهامش إلى صدارة التحول العالمي - هرم مصر, اليوم الخميس 11 سبتمبر 2025 12:20 مساءً

هرم مصر - جو 24 :

 

 

لم يعد التمويل الأخضر ترفاً فكرياً أو شعاراً تنموياً يزين الوثائق الرسمية، بل أصبح اليوم أحد الأعمدة التي ستحدد مستقبل الدول ومكانتها في الاقتصاد العالمي الجديد. الأردن، بموارده المحدودة وتحدياته المزمنة في المياه والطاقة، قرر أن يتحول من موقع المتأثر السلبي بالتحولات المناخية إلى لاعب يسعى لاقتناص الفرص الكامنة في الاقتصاد الأخضر. الخطوة الأخيرة التي تمثلت في إطلاق "برنامج تخضير الأنظمة المالية في الأردن”، أمس الأربعاء، بالشراكة بين البنك المركزي الأردني والبنك الأوروبي للاستثمار ليست مجرد اتفاقية تقنية، بل إعلان نوايا جريء بأن الأردن يريد أن يضع نفسه على خريطة التحول المالي العالمي نحو الاستدامة.

 

عندما نقول تمويلاً أخضر فإننا نتحدث عن لغة جديدة في الاستثمار: لغة لا ترى في المشروع مجرد أرباح وخسائر مالية، بل تقيس أثره على المناخ، على استهلاك الموارد، على أنماط النقل والزراعة والمباني، وعلى قدرة المجتمع على الصمود أمام صدمات المستقبل. الطاقة الشمسية والرياح لم تعد خياراً إضافياً بل ضرورة، والنقل المستدام لم يعد مشروعاً تجريبياً بل مساراً إجبارياً. كل دينار يوظف في هذا الاتجاه هو دينار يضاعف القيمة الاقتصادية لأنه يقلل من فاتورة الانبعاثات ويزيد من قدرة الاقتصاد على المنافسة في عالم يفرض معايير خضراء على التجارة والاستثمار.

 

لكن الأهم هو أن الأردن قرر أن يؤطر هذا التحول ضمن "استراتيجية التمويل الأخضر (2023-2028)”، وهي الأولى من نوعها في المنطقة. هذه الاستراتيجية لا تكتفي بالكلام العام عن الاستدامة، بل تضع أهدافاً قابلة للقياس: رفع التمويل الأخضر بنسبة 30% بحلول 2028، إدماج المخاطر المناخية في السياسات الائتمانية وإدارة المخاطر، وبناء قدرات بشرية متخصصة تستطيع تحويل هذه الرؤية إلى ممارسة عملية. الرقم الذي كشفه التقييم الذاتي للبنك المركزي في عام 2023 بأن التمويل الأخضر لا يتجاوز 3% من إجمالي التمويل المصرفي في الأردن قد يبدو متواضعاً، لكنه في الحقيقة يحمل دلالة مزدوجة: محدودية الواقع الحالي من جهة، وضخامة الإمكانيات الكامنة من جهة أخرى.

 

المثير للاهتمام أن الأردن يراهن بذكاء على الشراكات الدولية ليس فقط للحصول على التمويل، بل لاستيراد الخبرة والمعايير العالمية. التعاون مع البنك الأوروبي للاستثمار، الذراع التنموي للاتحاد الأوروبي، يعكس هذا التوجه. هنا لا نتحدث عن قروض تقليدية، بل عن نقل نماذج عمل ومعايير محاسبة جديدة تجعل البنوك الأردنية مضطرة لإعادة التفكير في كيفية تقييمها للمخاطر وكيفية صياغة سياساتها الائتمانية. وفي الوقت نفسه، الشركات الأردنية ستجد نفسها أمام فرصة أكبر للوصول إلى التمويل إذا أثبتت أنها قادرة على الاستثمار في تقنيات خضراء أو إدارة أعمالها بطريقة صديقة للبيئة. هذا يعني أن التمويل الأخضر لم يعد قضية بيئية فقط، بل أصبح معياراً جديداً للجدارة الائتمانية.

 

إلى جانب ذلك، نرى محاولات متوازية لتعزيز الاقتصاد الأخضر من خلال مبادرات أخرى، مثل برنامج تمويل بقيمة 40 مليون يورو أطلقه البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وصندوق المناخ الأخضر. كل هذه التدفقات المالية ليست سوى مقدمة لما يمكن أن يكون "اقتصاداً أخضر” يشكل رافعة للنمو، شرط أن تتمكن المؤسسات الأردنية من استيعابها وإدارتها بفعالية.

 

ما يميز اللحظة الراهنة هو دخول معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG) إلى قلب المعادلة. لم يعد يكفي أن يكون المشروع مربحاً، بل أصبح ضرورياً أن يكون شفافاً، عادلاً في علاقته بالعمال والمجتمع، ومسؤولاً في إدارته للموارد. مؤسسات أردنية مثل بورصة عمان وصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي بدأت بالفعل بتبني هذه المعايير، لأنها تدرك أن رأس المال العالمي يبحث عن بيئات استثمارية تحترم هذه القواعد. بعبارة أخرى، ESG ليست مجرد شعارات أخلاقية، بل مفاتيح لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز موقع الأردن التنافسي.

 

إذا أردنا التفكير خارج الصندوق، فإن التمويل الأخضر بالنسبة للأردن ليس مجرد أداة مواجهة للتغير المناخي، بل فرصة لإعادة تشكيل بنيته الاقتصادية. فبدلاً من البقاء أسيراً لمعادلة "موارد محدودة = نمو محدود”، يمكن للأردن أن يستفيد من تحولات الاقتصاد العالمي ليتحول إلى مركز إقليمي للتمويل الأخضر. التحدي الحقيقي هنا ليس في توفر الأموال، بل في قدرة النظام المالي الأردني على توجيهها بكفاءة، وقدرة الحكومة على خلق بيئة تشريعية وتنظيمية تحفز الابتكار والاستثمار في القطاعات الخضراء.

 

إن الرهان على الاقتصاد الأخضر ليس خياراً جانبياً بل مساراً استراتيجياً، وهو المسار الوحيد القادر على جعل النمو الاقتصادي مرناً ومستداماً في مواجهة أزمات المناخ والطاقة والغذاء. وإذا استطاع الأردن أن يحول نسبته الحالية من التمويل الأخضر البالغة 3% إلى 30% بحلول 2028، فإنه لن يكون قد نجح فقط في رفع مؤشر مالي، بل سيؤسس لمرحلة جديدة يتقدم فيها من الهامش إلى الصدارة في مشهد التحول العالمي نحو الاستدامة.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الأردن والاقتصاد الأخضر: من الهامش إلى صدارة التحول العالمي - هرم مصر, اليوم الخميس 11 سبتمبر 2025 12:20 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق