في فلسفة الاغتيالات وأثرها: المقاومة تعلّمت من دروس التاريخ #عاجل - هرم مصر

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في فلسفة الاغتيالات وأثرها: المقاومة تعلّمت من دروس التاريخ #عاجل - هرم مصر, اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 10:43 مساءً

هرم مصر - جو 24 :

كتب كمال ميرزا - 

اغتيال القيادات إستراتيجيّة ثابتة تُعدّ من الأبجديّات في أي صراع.

وبالنسبة للكيان الصهيونيّ (كامتداد للعقليّة الغربيّة التي صنعته)، فإنّ اغتيال القيادات هو عقيدة ثابتة منذ اليوم الأول لاستحداث وفرض هذا الكيان الاستعماريّ الإحلاليّ الشاذّ الهجين.

وممّا عزّز فعاليّة هذه الإستراتيجيّة في السياق العربيّ والإسلاميّ طبيعة الثقافة السائدة التي تتمحور حول "الشخص"، وتمجيد القائد (الضرورة والأوحد غالباً)، وتقديسه، بحيث يمكن أن تسقط منظومة كاملة وتنهار فقط بمجرد إسقاط القائد أو تصفيته.

هذه من دروس التاريخ التي تعلّمتها المقاومة واستوعبتها جيداً، وغالباً بالطريقة الصعبة، وهو ما انعكس على أرض الواقع من خلال طريقة تربيتها لأجيالها الشابّة على أساس العقيدة والفكرة وليس الشخص، وتخلّيها شيئاً فشيئاً عن أسلوب القيادة الهرميّة، وتبنّيها بُنية تنظيميّة عنقوديّة. وكذلك تبنّيها نهجاً مؤسسيّاً في إعداد القيادات البديلة وإحلالها، خاصة في الشقّ العمليّاتيّ.

أثر هذا التحوّل الجذريّ في طريقة التفكير ومنهجيّة العمل انعكس "ميدانيّاً" منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" المباركة ولغاية الآن؛ فرغم استمرار الكيان الصهيونيّ بسياسة الاغتيالات الثابتة، بل واتخاذ هذه السياسة منحى تصاعديّاً، إلا أنّ أثر ذلك عملياتيّاً قد بقي حتى هذه اللحظة محدوداً نسبياً، وفي نطاق ما يمكن احتواءه واستيعابه.

بل إنّ اغتيال قيادات من الصفّ الأول قد أدى في كثير من الأحيان إلى تقدّم قيادات من الصفّ الثاني أو الثالث.. هي أكثر تعبئةً وعنفواناً وعزيمةً وإصراراً وجرأةً وابتكاراً.

المسألة ليست يا أبيض يا أسود، فهذا الكلام لا يعني أن اغتيال القيادات لا يؤثّر ولا يضر، ولا يتسبب بخلل وإرباك وفي كثير من الأحيان هزّة عنيفة.. ولكن القصد هو أنّ "الضرر" المترتب على سياسة الاغتيالات في إطار "طوفان الأقصى" وحرب "الإبادة والتهجير" الصهيو-أمريكيّة، ورغم شراسة واتساع نطاق هذه الاغتيالات، قد كان محدوداً نسبيّاً قياساً بسياقات أخرى وجولات سابقة من الصراع، سواء الصراع بمعناه المباشر ضدّ المقاومة ومحور المقاومة، أو الصراع بمفهومة الواسع، أي الصراع العربيّ - الصهيو-أمريكيّ في كليّته وشموليّته، والذي هو صراع وجوديّ وليس "صراع أنظمة" بالضرورة.

الأثر الأكبر لسياسة الاغتيالات الصهيونيّة حتى الآن هو أثر دعائيّ وإعلاميّ أكثر منه عمليّاتيّ، ويمسّ بشكل رئيسيّ "جموع المتفرّجين" القابعين خلف الشاشات، سواء من جمهور الكيان الداخليّ، أو الجمهور العربيّ والإسلاميّ والعالميّ.. أكثر مما يمسّ المقاتلين على الأرض وحاضنتهم الشعبيّة.

ومرّة أخرى لا بدّ من الاستدراك بأنّ هذا الكلام لا يعني التهوين من فداحة سياسة الاغتيالات وأثرها، أو الإيحاء بأنّ الاستنزاف المُمنهج والمتواصل للقيادات هي مسألة يمكن احتمالها واحتواؤها إلى ما لا نهايّة.

هناك جانب ثالث لسياسة الاغتيالات، غالباً مُهمل من الناحية الإعلاميّة بكونه جانباً يُحاك في الظلام والكواليس، إلّا أنّه في لحظة معيّنة قد يكون أكثر خطورة من الجانبين العمليّاتيّ والتعبويّ.

فأحياناً تكون فلسفة تصفية قيادات بعينها هي من أجل إفساح المجال أمام قيادات أخرى أقل ضرراً أو أكثر نفعاً، خاصةً إذا كانت قيادات معروفة ديّتها، أو مُجرّبة، أو سبق جسّ نبضها من قبل.

لسان حال العدو هنا: لعبتنا السياسة، وطالما أنّ الخصم يرضى بأن يلعب سياسة، و"بوخد وبعطي"، وليس عنده ولو نظريّاً "حدّ أدنى" لا يتنازل عنه.. فلا مشكلة لدينا؛ فهو في كلّ حال لن يهزمنا في لعبة نحن وضعنا قواعدها، ونتحكّم فيها، ونمتلك أوراقها!

المثال الأشهر في السياق الفلسطينيّ الرئيس المغدور "ياسر عرفات" وهو مَن هو كـ "شريك للسلام" لم يكن العدو يحلم بأنّ يحظى بمثله في مرحلة من المراحل؛ فالقرار بالتخلّي عن "أبو عمّار" وتصفيته قد صدر لأنّه أظهر وأثبت عند نقطة معيّنة أنّ لديه "حدّاً أدنى" هو غير مستعد بأي حال من الأحوال للتنازل عنه، ليقضيَ شهيداً لما تمسّك به مُتخلّياً عن وعود وعهود ما أسماه الآخرون زوراً وبهتاناً "سلاماً ضائعاً" و"فرصةً ضائعةً"!

في عالم السياسة "السائل" الذي تحكمه المصالح الماديّة النفعيّة الحصريّة القذرة لأرباب المال والأعمال والبنوك والصناديق السياديّة والشركات الاحتكاريّة العملاقة العابرة للحدود والقارّات والضمائر.. فإنّ امتلاك المبدأ، ووجود قيادة صاحبة مبدأ، هي فكرة مرفوضة من حيث الأساس أيّاً كان هذا المبدأ.

الموالي أو "الوطنيّ" المبدئيّ مرفوض بمقدار المُعارض المبدئيّ، واليساريّ المبدئيّ مرفوض بمقدار اليمينيّ المبدئيّ، والليبراليّ المبدئيّ مرفوض بمقدار المحافظ المبدئيّ، والعلمانيّ المبدئيّ مرفوض بمقدار المُتديّن المبدئيّ.. وعلى ذلك قِس!

هناك جانب آخر لسياسة الاغتيالات وفلسفتها، ولكنّه جانب لا يظهر ولا "يُفعّل" إلّا بعد إنجاز "المهمّة" ووضع القتال أوزاره والتوصّل إلى "تسويات".

فهنا لا بدّ من أجل تحقيق "الاستدامة" للمهمّة التي تمّ إنجازها تمهيداً للانتقال إلى المرحلة التالية.. التخلّص من جميع الأسماء التي تلطّخت في الجولة المنصرمة من الصراع باعتبارها قد أصبحت أوراقاً محروقةً، وعبئاً سياسيّاً ودعائيّاً وشعبويّاً ثقيلاً، ومن أجل بدء صفحة جديدة وعهد جديد "على مية بيضا" كما يقول التعبير الدارج.

والمحظوظ في هذا السياق من "البيادق" التي كانت في واجهة "رقعة الشطرنج" مَن يُكتفى بخلعه، أو السماح له بالتنحّي والجلوس طواعيةً في الظِلّ ليحظى بتقاعد هادئ ومريح.. عوضاً عن التخلّص منه بالمعنى الحرفيّ للكلمة!

في الغرب قد اخترعوا آلية مؤسسيّة للقيام بنفس المؤدّى دون الحاجة بالضرورة للاغتيال بمعناه الحرفيّ أو المجازيّ: صندوق الاقتراع!

الأمثلة على هذا الاغتيال "اللاحق" في السياق العربيّ والإسلاميّ كثيرة هي الأخرى: مثلاً "السادات" بعد توقيعه "كامب ديفيد"، و"صدام حسين" بعد خوضه حرباً بالوكالة ضدّ الثورة الإيرانيّة، و"مجاهدو" الأمس "إرهابيو" اليوم بعد إنجازهم مهمّة دحر الغزو السوفييتي لأفغانستان.. وتطول القائمة!

والمدهش والمؤسف في آن واحد، أنّ القيادات والزعامات العربيّة والإسلاميّة، رغم كثرة الأمثلة، ولسبب ما لا يعلمه إلّا الله، تصرّ دائماً على عدم تعلّم هذا الدرس، وخداع نفسها بأنّها "غير"، وبأنّ هذا "النمط المتواتر" و"النموذج الكامن" لن يطالها هي الأخرى أسوةً بغيرها!

الفرحون بـ "السلامة" التي يمنحهم إيّاها تخاذلهم أو تواطؤهم أو مجرد وقوفهم على الحياد أو لعبهم دور الوسيط، ويظنّون أنّهم بذكائهم وحنكتهم وواقعيّتهم قد أمنوا الخطر وتجاوزا عتبته، لا يدركون (أو لعلّهم لا يريدون أن يدركوا)، أنّ مدّاً بحجم "الطوفان" لا ينقضي هكذا بسلام، وأنّ له "موجات ارتداديّة" تطال أول ما تطال الصديق قبل العدو، والحليف قبل الغريم.

والمعتصمون من الغرق بجبل الغرب و"العم سام" سيطالهم من الغرق ما سيطال غيرهم، لأنّ هذا الجبل الذي آووا إليه هو أول مَن سيرميهم عن أكتافه!

الحكمة الشعبيّة التي أورثنا إيّاها الأجداد عبر تاريخهم الطويل تُعلّمنا أنّ "حوّاس السم بذوقه".. ولكنّنا نصر على التنكّر لحكمة الأجداد وإدارة ظهرنا لها لهاثاً وراء بُهرُج "العصر"، وعبوديّته الاستهلاكيّة اللذيذة، و"فردوسه الأرضيّ/ صهيونه" الموعودة!

أوان تعلّم مثل هذه الدروس لا يفوت أبداً طالما لم تبلغ الحلقوم، وطالما أنّ هناك في النفوس بقيّةٌ من عقل وضمير وناموس.. فهل من "مُدكر" أم "على قلوب أقفالها"؟!

بقي هناك نوع أخير من الاغتيالات لا بدّ من ذكره حتى تكتمل الصورة، وإن كان نوعاً نادراً قياساً بغيره، ويتمّ اللجوء إليه في حالات خاصّة.. وهو "الاغتيال الفاشل".

وليس المقصود بـ "الفاشل" هنا محاولة الاغتيال التي تفشل لأنّ العدو ببساطة ليس إلهاً مطلق المشيئة إذا أراد شيئاً يقول له كُن فيكون.. فهو أوّلاً وأخيراً بشر من لحم ودم مهما حاول أن يضفى على نفسه أو أضفينا عليه من هالة أسطوريّة..

المقصود بالاغتيال الفاشل هو الاغتيال الذي يُصمّم ويُنفّذ ليفشل عن قصد وتخطيط مُسبقَين.. إمّا تخويفاً، أو ليكون هناك "خيار" و"فقّوس" في الهلاك والنجاة، أو تلميعاً لأسماء بعينها عندما تنبعث ناصعةً متوهّجةً محاطةً بعناية سماويّة مثل "طائر الفينيق" من تحت الركام!

في التاريخ العربيّ والإسلاميّ الحديث هناك أيضاً أمثلة على هذا النوع من الاغتيال، ولكن لا حاجة لذكرها هنا لأنّ ضرر ذلك أكبر من نفعه، ولأنّ فيه مصادرةً على المطلوب.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : في فلسفة الاغتيالات وأثرها: المقاومة تعلّمت من دروس التاريخ #عاجل - هرم مصر, اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 10:43 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق