سمير جعجع يرفع السقف في يوم القداس: استعادة الدولة من سطوة السلاح! - هرم مصر

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سمير جعجع يرفع السقف في يوم القداس: استعادة الدولة من سطوة السلاح! - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 05:30 مساءً

هرم مصر - محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية

في لبنان، لا تمر المناسبات الدينية من دون أن تتحول إلى منابر سياسية. وفي بلد تتقاطع فيه الرمزية الروحية مع الصراع على الهوية والشرعية، أطلّ رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، خلال القداس السنوي لشهداء المقاومة اللبنانية، بخطاب بدا أشبه بإعلان موقف وطني ـ سياسي شامل، يتجاوز الإطار الفئوي والطائفي، ليدخل في صميم معركة الدولة ضد السلاح غير الشرعي.

كلمات جعجع هذه المرة لم تكن مجرد تذكير بمظلومية الحرب الأهلية أو استعادة لمواقف ثابتة ضد حزب الله، بل جاءت لتعلن مرحلة جديدة من المواجهة السياسية، عنوانها رفع سقف المطالب إلى أقصاه: تسليم السلاح للدولة. في بلد تآكلت فيه المؤسسات، وانحرفت فيه موازين القوى، بدا خطاب جعجع وكأنه محاولة لإعادة رسم الحدود بين "الدولة" و"الدويلة".

أولاً: القداس يتحول إلى منصة سياسية

لم يكن اختيار جعجع للقداس السنوي صدفة. هذا اليوم هو في الوجدان المسيحي ـ القواتي مناسبة لتخليد ذكرى "شهداء المقاومة اللبنانية". لكن جعجع أدرك أن هذه المناسبة الدينية ـ الروحية تمنحه شرعية إضافية، ليتحدث من موقع "الشاهد على التاريخ"، لا مجرد زعيم سياسي.

من هذا المنطلق، جاءت عباراته حادة وصريحة: "سلاح حزب الله لا يحمي الشيعة بل يحتمي بهم، ولا يؤمن مصالحهم بل يغرقهم في مخاطر وجودية". العبارة لم تكن مجرد انتقاد، بل طعناً مباشراً في السردية التي يكررها حزب الله منذ عقود: أن سلاحه وُجد لحماية الطائفة الشيعية والدفاع عنها.

جعجع قلب المعادلة رأساً على عقب: الطائفة ليست المستفيدة، بل هي رهينة. والسلاح ليس درعاً، بل عبئاً وجودياً.

ثانياً: من النقد إلى المواجهة

منذ سنوات، لم يتوقف جعجع عن انتقاد "الدويلة"، لكنه هذه المرة اختار رفع السقف. لم يكتفِ بالدعوة إلى "حوار حول السلاح" أو إلى "دمج في استراتيجية دفاعية"، بل ذهب مباشرة إلى القول: "أقصر طريق لإخراج إسرائيل من الجنوب هو نزع سلاح حزب الله".

في هذه العبارة إدانة مزدوجة: أولاً، أن السلاح لم يعد أداة ردع بل أداة استدعاء للحروب. وثانياً، أن غياب الدولة لا يحرر الأرض، بل يفتح الباب أمام الاحتلالات والوصايات.

بهذا الخطاب، انتقل جعجع من مربع "الناقد السياسي" إلى مربع "المواجه العلني". وضع نفسه في موقع من يقول: إما الدولة أو اللاشرعية. إما مؤسسات رسمية أو سلاح عابر للحدود.

ثالثاً: خطاب موجّه إلى الشيعة مباشرة

اللافت أن خطاب جعجع لم يُصغ بطريقة "مسيحي في مواجهة حزب شيعي"، بل كرسالة وطنية شاملة. توجه مباشرة إلى اللبنانيين الشيعة قائلاً: إن مقولة أن تسليم السلاح يعني نهاية الطائفة "هراء وافتراء". هذه الجملة المفتاحية تنطوي على جرأة، لأنها تخاطب وجدان طائفة اعتاد الحزب أن يحتكر تمثيلها.

كأن جعجع يقول: لا تخافوا من الدولة، فهي لا تلغيكم. الخطر الحقيقي يكمن في اختزالكم في بندقية حزب، وربط مصيركم بمغامرات عسكرية قد لا تتفقون عليها ولا تستفيدون منها.

هذا الخطاب يحمل في طياته محاولة لفك الارتباط بين "الشيعة" كجماعة وطنية، وبين "حزب الله" كتنظيم مسلح. وهي محاولة تحتاج إلى وقت، لكنها تمثل بداية شق في جدار الاحتكار.

رابعاً: رفض الحرب الأهلية.. ولكن

رغم لهجة التحدي، حرص جعجع على التأكيد أنه لا رغبة لديه ولا لدى القوات اللبنانية بالعودة إلى الحرب الأهلية. قال بوضوح: "لا حرب أهلية في لبنان. إن حصلت من طرف واحد، فليكن".

في هذه العبارة تناقض مقصود: هو لا يلوّح بالسلاح، لكنه يعلن الصمود.لا يدعو إلى مواجهة طائفية، لكنه يضع خطاً أحمر: لا يمكن أن تستمر سيطرة حزب الله بلا مقاومة سياسية ـ شعبية.

الفرق كبير بين الدعوة إلى الحرب وبين الاستعداد لعدم الخضوع. وجعجع يعرف أن أي حرب أهلية جديدة ستكون كارثية على لبنان كله، مسيحيين ومسلمين، لكنه يدرك أيضاً أن الاستسلام لمعادلة السلاح يعني موت الدولة قبل اندلاع أي رصاصة.

خامساً: أبعاد خارجية للخطاب

خطاب جعجع لا يمكن قراءته فقط في الإطار الداخلي. فلبنان اليوم يعيش وسط صراع إقليمي ـ دولي يتجاوز حدوده: إيران مقابل الولايات المتحدة، سوريا في حالة إعادة تموضع، إسرائيل في حرب مفتوحة مع غزة، والخليج في حالة ترقب دائم لدور الحزب.

في هذا السياق، بدت رسالة جعجع أيضاً موجهة إلى الخارج: لا تراهنوا على أن حزب الله هو "حامي لبنان". الحقيقة، بحسبه، أن الحزب يجعل لبنان رهينة، ويضعه في مواجهة لا تنتهي مع إسرائيل، ويمنع أي مشروع إصلاح أو استقرار.

بهذا المعنى، خطاب جعجع ليس فقط إلى الداخل اللبناني، بل إلى المجتمع الدولي أيضاً، ليقول: إذا أردتم لبنان مستقراً، فعليكم دعم مشروع الدولة لا مشروع الدويلة.

سادساً: العودة إلى التاريخ - متلازمة السلاح والدولة

منذ استقلال لبنان عام 1943، كان السلاح دوماً مشكلة في وجه الدولة. من الميليشيات الفلسطينية في السبعينيات، إلى الميليشيات اللبنانية في الحرب الأهلية، وصولاً إلى سلاح حزب الله بعد اتفاق الطائف.

الطائف نصّ بوضوح على حلّ جميع الميليشيات وتسليم سلاحها إلى الدولة. لكن حزب الله استُثني بذريعة "المقاومة"، فبقي السلاح خارج إطار الشرعية. ومنذ ذلك الحين، تكرّس ازدواج في السلطة: دولة ضعيفة، وسلاح قوي.

اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على الطائف، يبدو أن جعجع يريد إعادة النقاش إلى أصله: لا استقرار ولا سيادة مع بقاء هذا الاستثناء.

سابعاً: معركة الشرعية والهوية

في جوهره، خطاب جعجع ليس مجرد سجال مع حزب الله، بل هو إعلان أن معركة لبنان اليوم هي معركة "شرعية". هل لبنان دولة ذات سيادة كاملة؟ أم هو ساحة لصراعات إقليمية تديرها ميليشيا مسلّحة؟

هنا، يضع جعجع نفسه في موقع من يدافع عن الهوية اللبنانية، لا فقط المسيحية. فالشرعية، كما يقول، لا تُبنى إلا على قاعدة واحدة: سلاح واحد تحت سلطة واحدة.

ثامناً: ماذا بعد الخطاب؟

قد يسأل البعض: وماذا بعد؟ هل يملك جعجع وحزبه القدرة على فرض هذا الطرح؟ الواقع أن ميزان القوى في لبنان لا يسمح حالياً بنزع سلاح حزب الله بالقوة. لكن أهمية الخطاب تكمن في إعادة فتح النقاش العلني، وفي تذكير الداخل والخارج بأن هناك قوى سياسية ترفض الاستسلام.

بكلام آخر، جعجع لا يملك حلاً سحرياً، لكنه يملك القدرة على رفع الصوت، وكسر حاجز الخوف، وطرح السؤال المحرّم: إلى متى يبقى السلاح خارج الدولة؟

تاسعاً: بين خطاب جعجع وخطاب البطريرك الراعي - التقاء على السيادة

منذ سنوات، يرفع البطريرك الماروني بشارة الراعي شعار "الحياد الإيجابي" كخلاص للبنان من محاور الصراع الإقليمي والدولي. دعا مراراً إلى إعادة تثبيت هوية لبنان كدولة محايدة، لا تنخرط في حروب الآخرين ولا تُستخدم ساحة لتصفية حساباتهم.

في خطابات الراعي، يتكرر السؤال: كيف يمكن للبنان أن يكون دولة رسالة، وهو أسير سلاح غير شرعي يجرّه إلى محاور لا يريدها؟

خطاب جعجع الأخير جاء متناغماً مع هذا الطرح، وإن كان أكثر مباشرة وحدّة. الراعي يستخدم لغة روحية ـ وطنية جامعة، تركز على الحياد كمبدأ. أما جعجع، فترجم هذا المبدأ عملياً: لا حياد ولا سيادة مع وجود سلاح خارج الدولة.

الراعي يطرح الإطار: لبنان بحاجة إلى حياد يعيد إليه دوره التاريخي. جعجع يطرح الأداة: تسليم السلاح للدولة هو الطريق إلى الحياد والسيادة.

هكذا، يمكن القول إن الخطابين يلتقيان عند جوهر واحد: أن لبنان لا يُبنى بالاصطفاف في محاور ولا بالتحكم عبر سلاح فئوي، بل باستعادة الدولة المركزية القادرة.

وإذا كان خطاب الراعي يُراد له أن يكون صوت الكنيسة، فإن خطاب جعجع هو صوت السياسة. لكن الاثنين يعكسان حاجة واحدة: تحرير لبنان من الارتهان.

في النهاية، ما قاله سمير جعجع في يوم القداس هو أكثر من موقف سياسي. هو إعلان أن لبنان لا يمكن أن يعيش بهوية مزدوجة: دولة ودويلة. أن الشرعية لا تتجزأ. وأن الطوائف، مهما اختلفت مصالحها، تحتاج إلى مظلة الدولة لا إلى وصاية السلاح.

قد يختلف خصومه مع توقيت الخطاب أو مع حدّته، وقد يرد حزب الله بخطاب مضاد يعتبر أن "المقاومة" خطاً أحمر. لكن الواقع أن جعجع نجح في وضع يده على جوهر الأزمة اللبنانية: غياب الدولة الفعلية بسبب سلاح موازٍ لا يخضع لها.

رفع السقف اليوم ليس مغامرة، بل محاولة للقول إن لبنان، بكل طوائفه، لم يعد يحتمل هذا الاستثناء التاريخي. فإما أن يعود السلاح إلى حضن الدولة، وإما أن يبقى لبنان دولة معلّقة بين حياة وموت

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق