نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رسائل النار: غارات إسرائيلية ترسم حدود التفاوض الجديد في سوريا - هرم مصر, اليوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025 05:51 صباحاً
هرم مصر -
دوّت الانفجارات في سماء حمص واللاذقية وتدمر، في مشهد مألوف لكنه هذه المرة يتجاوز تكرار الغارات السابقة. إذ تتشابك العملية مع مؤشرات سياسية وعسكرية ظهرت في الأسابيع الأخيرة، ما يمنحها دلالات أوسع من مجرد ضربة عابرة.
من جبل المانع إلى حمص واللاذقية
تتضح خلفية هذه الضربات في ضوء ما وقع قبل أسبوعين في جبل المانع بريف دمشق، حين نفذت إسرائيل عملية مركبة شملت قصفاً متكرراً وإنزالاً جوياً استهدف مواقع رادارية ومعدات مراقبة. بدت تلك العملية خطوة أولى في مسار أوسع: شلّ قدرات الرصد والإنذار، تمهيداً لضرب الدفاعات الجوية والمستودعات. وجاءت غارات التاسع من أيلول/سبتمبر الجاري لتُستكمل هذا المسار، في ما يشبه عملية تفكيك تدريجي للبنية الدفاعية السورية.
تمهيد إعلامي أم تحذير ميداني؟
قبل أيام قليلة من الغارات، صرّح الضابط الإسرائيلي السابق حنان جيفن عبر قناة i24NEWS أن "أحداثاً خطيرة ستقع قرياً في سوريا"، محدداً منطقتين معرضتين للفوضى: المناطق الكردية شرقاً والساحل السوري. توقّع أن يتكرر سيناريو السويداء، وربط ذلك بوجود قوات "خارجة عن سيطرة النظام الجديد".
بعد خمسة أيام فقط، جاءت الغارات لتضرب تقريباً في المحاور التي ذكرها، ما يجعل هذه التصريحات أقرب إلى تمهيد إعلامي لعمل عسكري لا مجرد تحذير عابر.
في السياق ذاته، برزت جماعة سرايا الجواد، التي كانت قد أعلنت عن نفسها قبل نحو شهر ونصف في فيديو تأسيسي شكرت فيه إيدي كوهين، لكنها عادت ونفّذت عملية جديدة عقب تصريحات جيفن مباشرة. ورغم أن العلاقة المباشرة بين الطرفين غير مثبتة، فإن التزامن بين تصريحات الضابط الإسرائيلي، ثم تحرك الجماعة، ثم الغارات، يثير تساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه التطورات حلقات في مشهد واحد جرى التمهيد له، أم مجرد مصادفات متتابعة جرى توظيفها في الخطاب.
تسريب سياسي أم هندسة تفاوضية؟
لم يقتصر المشهد على الميدان، بل تزامن مع جدل سياسي أثاره تسريب إعلامي إسرائيلي عن لقاء مرتقب بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر بوساطة أميركية،
هندسة بالنار وغياب الرد
هكذا، تبدو الغارات جزءاً من هندسة تفاوضية بالنار: استخدام للقوة من أجل تشكيل بيئة تفاوضية أكثر ملاءمة لإسرائيل وواشنطن.
ميدانياً، تراجع قدرة الجيش السوري على الرد الفعّال يمنح إسرائيل هامشاً واسعاً للتحرك بثقة، من دون خشية من رد ميداني مباشر. وهذا يعزز فرضية أن الضربات تُستخدم لإعادة تشكيل البيئة التفاوضية من طرف واحد، لا لاختبار النوايا أو جرّ رد عسكري مضاد.
رسائل مزدوجة: دمشق وأنقرة
تحمل الضربات رسائل مزدوجة: ضغط مباشر على دمشق وتحذير غير مباشر إلى أنقرة. فقد تم تداول تقارير عن استهداف معدات حديثة قيل إنها تركية، ما يعزز الانطباع بأن إسرائيل لا تكتفي بضرب البنية العسكرية السورية، بل تسعى أيضاً إلى فرملة تمدد النفوذ التركي. ترى تل أبيب أن "الكباش الإسرائيلي–التركي" يتصل بأمنها في الساحل والجولان، فيما تعمل أنقرة على تكريس حضورها عبر دعم الإدارة الجديدة والجيش الجديد في دمشق.
الرسالة الإسرائيلية الضمنية واضحة: أي محاولة لإعادة تشكيل القوة العسكرية السورية خارج الإطار المقبول إسرائيلياً ستُواجَه بمنهج التدمير الوقائي. وفي المقابل، قد تجد أنقرة نفسها أمام أثمان سياسية وميدانية لتمددها، لكنها قد تستغل التصعيد لتبرير تدخل أوسع أو لتعزيز تحالفاتها مع واشنطن، وربما الدفع باتجاه اعتراف دولي بالجيش السوري الجديد كبديل شرعي للنظام السابق.
مشهد متغير وقوى جديدة
في المشهد الإقليمي المتغيّر، خرجت إيران من الساحة السورية بعد سقوط النظام ولم تعد لاعباً مباشراً، فيما برزت قوى أخرى تسعى لملء الفراغ: تركيا التي ترسّخ وجودها عبر دعم الجيش السوري الجديد ونشر معدات عسكرية، والولايات المتحدة التي تستفيد من الضربات كهدية غير معلنة تمنحها ورقة ضغط إضافية وتُظهر قدرتها مع إسرائيل على رسم حدود النار قبل حدود التفاهم، وروسيا التي تكتفي بمراقبة المشهد من الساحل لتفادي الانخراط المباشر.
ما حدث في التاسع من أيلول ليس غارة عابرة، بل جزء من سلسلة عمليات متكاملة بدأت بإنزال المانع واستُكملت باستهداف حمص واللاذقية، ورافقتها تصريحات استباقية وتسريبات سياسية متضاربة، وظهور فاعلين جدد على هامش المشهد. بين النفي السياسي والانفجارات الميدانية، وبين الخرائط الديبلوماسية والحرائق المشتعلة، تدخل سوريا طوراً جديداً تختلط فيه رسائل النار مع حسابات السياسة؛ طور تُرسَم فيه حدود التفاوض المقبل بمدى الذخائر كما بمدى التفاهمات، وتتحول فيه السماء إلى خريطة تفاوض أكثر منها حدود سيادة.
0 تعليق