نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل صار التقارب بين سوريا الشرع وروسيا ضرورة؟ - هرم مصر, اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 06:25 مساءً
هرم مصر - الصدامات بين السلطة الإسلامية الجديدة في سوريا والأقلية الدرزية في جنوب السويداء، مع ضربات إسرائيل لقوات الحكومة السورية، أجبرت دمشق على إعادة النظر في علاقاتها مع روسيا مرة أخرى. ففي الربيع الماضي كانت السلطات السورية تحاول دفع موسكو إلى الخروج من البلاد. أما الآن، ورغم استمرار عدم ثقتها بها، فإنها تبدو مستعدة للتفكير في نوع من توسيع الانتشار العسكري الروسي داخل سوريا، من أجل إقامة نوع من التوازن بين وجودها وتدخل إسرائيل العسكري فيها. فالصدامات الواسعة التي حصلت الصيف الجاري بين إسلاميين ودروز السويداء أظهرت مرةً جديدة دقة- أو بالأحرى هشاشة- موقع السلطات السورية الجديدة. كان ذلك التمرد الرئيسي الثاني الذي قامت به أقلية دينية. الأول كان تمرّد العلويين على النظام الإسلامي الجديد في سوريا. وقد دفعت الصدامات مع الدروز إسرائيل إلى التدخل دفاعاً عنهم، فنفذت هجمات على قوات الحكومة السورية.
هناك نقاط كثيرة تؤشر لاحتمال حصول مواجهات مسلحة أخرى. فالأكراد في الشمال حلفاء للولايات المتحدة. والقواعد العسكرية الروسية لا تزال في سوريا، فضلاً عن استمرار بقاء قوات "الدولة الإسلامية في سوريا" في الصحراء السورية. فدمشق لا تسيطر على أراضي سوريا كلها. وسوريا تبقى في أزمة غياب الدولة أو إنشائها. المتمردون الإسلاميون الذين تحوّلوا حكاماً لسوريا فشلوا في اكتساب ثقة المجتمعات الإتنية والدينية. عبّر ذلك عن نفسه بانفجار العنف. هذا كله يدفع حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى إعادة تقويم سياستها الخارجية. ففي النصف الأول من السنة الحالية، كانت روسيا تُدفع ببطء إلى الخروج من سوريا. فالسلطات في الأخيرة ألغت الاتفاقات القديمة التي وُقّعت مع الكرملين في أثناء ولاية الرئيس السابق بشار الأسد، والتي نجحت في المحافظة عليه وعلى نظامه في البلاد نحو عقد من الزمن، رغم عنف أعدائه والثائرين عليه الذين صاروا في السلطة اليوم في دمشق. في هذا المجال يمكن ذكر إخراج الفرقة العسكرية التي كانت تدير مرفأ طرطوس الإستراتيجي وإنهاء طبع العملة السورية الرسمية في روسيا. وقد طاول الضغط أيضاً القواعد العسكرية الروسية في سوريا، إذ شددت دمشق مراقبة الذين يقتربون منها أو يتعاملون معها، فضلاً عن أنها تعرّضت أحياناً لهجمات مسلحة.
متى اتخذت علاقة روسيا وسوريا الشرع اتجاهاً جديداً؟ تفيد معلومات باحث أميركي جدّي أن العلاقات الثنائية بين البلدين اتخذت منحى جديداً. فقد وصل وفد سوريا إلى موسكو ضم وزيري الدفاع والخارجية مرهف أبو قسرة وأسعد الشيباني. لم يكتفِ الأخير بالاجتماع فقط بنظيره الروسي سيرغي لافروف، إذ استقبله أيضاً الرئيس بوتين. على الفور وصفت وزارة الخارجية السورية الزيارة بالتاريخية، وبعد ذلك بقليل بدأت تظهر إشارات على تغيّر ما في العلاقات الروسية - السورية. في مطلع شهر آب/أغسطس الماضي، وللمرة الأولى منذ سقوط الأسد ونظامه في سوريا، استأنفت القوة العسكرية الروسية فيها دورياتها حول مدينة القامشلي في شمال شرق البلاد.
لاحقا، نشرت تقارير أن البوليس الحربي الروسي بدأ يسيّر دوريات في المقاطعات الجنوبية للبلاد أيضاً. الهدف الرئيسي من ذلك موازنة الحضور الإسرائيلي في سوريا وتقليص كثافة العمليات العسكرية الإسرائيلية. بدا أيضاً أن هناك انفراجاً ما في العلاقات الاقتصادية، إذ قال لافروف بعد اجتماعه بالشيباني إن موسكو ودمشق ستراجعان الاتفاقات القديمة بينهما. وفي نهاية شهر آب نشرت "رويترز" أن سوريا الجديدة غيّرت رأيها وموقفها السابق من عدم طبع عملتها الجديدة في روسيا. أما الهدف الرئيسي من التقارب الجديد بين دمشق وروسيا فهو محاولة إيجاد نوع من التوازن مع إسرائيل.
منذ انتهاء السنة الأخيرة وسّعت إسرائيل الأراضي التي تسيطر عليها في هضبة الجولان، ونفّذت ضربات جوية منتظمة لأهداف حكومية في سوريا. حتى الآن لا تمتلك الحكومة السورية ما يمكّنها من مواجهة التدخل العسكري الإسرائيلي. وهي تحاول تقليص التوتر بالإشارة إلى احتمال تطبيع العلاقات مع إسرائيل. الطريقة العسكرية الحاسمة التي تتصرّف بها إسرائيل في غزة ولبنان وإيران واليمن تضيف إلى شعور الخطر، الذعر في سوريا، ولا سيما بعد تنفيذها عمليات قتل لشخصيات رئيسية في سوريا وإيران وخارجهما.
والواقع أن روسيا في أيام نظام الأسد تعرّضت كقوة مقيّدة للعمليات العسكرية في سوريا، سواء بوجودها العسكري فيها أو بتنفيذها عدداً من العمليات. طبعاً حاولت القوات الروسية تجنّب الصدامات المباشرة مع إسرائيل وسمحت لها بتدمير أهداف إيرانية وأخرى موالية لإيران. لكنها تدخلت في الوقت نفسه أحياناً لإسقاط صواريخ إسرائيلية قرب قواعدها في سوريا. يبدو أن السلطات الجديدة في سوريا تريد أن ترى روسيا تستأنف هذا الدور مع دوريات في جنوب البلاد. ربما لا تعارض إسرائيل ذلك لاعتبارها الحضور الروسي وسيلة لإبقاء سوريا مفتتة ولتقليص نفوذ تركيا فيها. إلا أن الخوف من تدخل إسرائيل لا يعني أن القيادة السورية الجديدة جاهزة لإعادة النفوذ الروسي إلى بلادها على النحو الذي كان عليه. لكن الظروف ووضع دمشق غير القوي لا تسمح لها بأن تكون على علاقات سياسية مع موسكو. ومعلوم أن انشغال الأخيرة بحرب أوكرانيا لا يسمح لها بتخصيص اهتمام أكبر وموارد أكثر في دول أخرى، فضلاً عن أن حكام سوريا الجدد لا يحبّذون علاقة حارة مع موسكو، هي التي كانت تقصفهم يوم كانوا ثواراً.
هل يؤثر التقارب مع روسيا على علاقة سورية الشرع وأميركا؟ العقوبات الغربية الضخمة على روسيا قد تجعله مكلفاً لسوريا. ورئيسها ترامب يدفع في اتجاه تطبيع بين إسرائيل وسوريا. ولا يمكن التكهن منذ الآن بواقعية هذا الأمر. ولكن إذا حصل فسينتفي سبب عودة الحرارة إلى علاقة دمشق بموسكو.
0 تعليق