نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عوامل فدرلة سوريا أو تقسيمها! - هرم مصر, اليوم السبت 13 سبتمبر 2025 10:33 صباحاً
هرم مصر -
جان صالح *
الوضع الحالي في سوريا يتجه نحو التقسيم لدويلات، أو ولايات فيدرالية، وذلك بسبب الانقسامات الداخلية، وعدم تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وتصاعد الصراع الجيوسياسي بين إسرائيل وتركيا، وكذلك الخطاب العنفي والطائفي تجاه الكرد والأقليات الدينية، وبسبب مسؤولية النظام عن مجازر الساحل والسويداء، وإمكانية ارتكاب الفعل نفسه بحق الكرد و"قسد" في المستقبل، إذ ثمة تحريض تركي للعشائر العربية ضد "قسد"، عبر الدفع بفصائل "الجيش الوطني" للهجوم على مناطق شمال شرق سوريا، لتصبح تحت سيطرة حكومة دمشق، وبالتالي من ضمن مناطق الهيمنة التركية.
إضافة إلى ما سبق، يثبت عدم وجود حالة وطنية تشاركية أن التغيير في سوريا هو بوابة التغيير في المنطقة، من خلال "مشروع الشرق الأوسط الجديد" أو النظام الإقليمي المُفضّل من الولايات المتحدة، بعد تراجع النفوذ الإيراني، وزيادة مشاركة دول الخليج العربي وتركيا، وتأهيل نظام سوري موال للغرب.
ولكي ينجح هذا المشروع من سوريا، تدرك إدارة الرئيس دونالد ترامب أنه يمكن ذلك بمنح الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع فرصة ذهبية ليثبت أنه يمكن أن يكون طرفاً، أو "أداة" للتغيير في المنطقة، من خلال تقاطع المصالح المشتركة. فالشرع يسعى لحكم سوريا مهما كان الثمن، ويعتقد أن الطريق يمر عبر التطبيع مع اسرائيل، وتقديم التنازلات الكثيرة، ودون مشاركة السوريين في التفاصيل. وبات الجنوب السوري بمثابة منطقة أمنية تسيطر عليها إسرائيل. وبعد مجزرة السويداء الدموية، وجدنا الدروز يطالبون بإقليم مستقل، وممر إنساني مع الجولان المحتل، وهذا نوع من الحكم الذاتي. هذا الإقليم سيتم ربطه مع شمال شرق سوريا. وهناك مطالبات علوية بإقامة إقليم الساحل بتوافقات مع روسيا ضمن مشروع الأقاليم الفيدرالية، الذي بات فكرة للنقاش في واشنطن. طبعاً ثمة مساعٍ داخل البيت الأبيض بالضغط على بنيامين نتنياهو لأجل الإسراع في التوصل لتوافقات أمنية استراتيجية مع الشرع، والتي ستمهد لإعلان التطبيع بين البلدين.
ولكن استراتيجية إسرائيل في سوريا تتجاوز مسألة التطبيع، وتعتبر أن الشرع لا يزال يفكر كـ"جهادي" لا يستطيع التخلص من فكر "القاعدة"، وأنه لا يمكن الثقة به في المستقبل بسبب هيمنة تركيا عليه، وأطماعها في سوريا، ولهذا السبب تفرض إسرائيل ما تريده على الشرع بدعم أميركي. ونتنياهو يريد نظام حكم في دمشق موالياً لإسرائيل، ويقبل بسوريا فيدرالية، لأن إسرائيل تجد أن نظاماً إسلامياً سلفياً مركزياً في دمشق هو خطر على مصالحها، وسيصبح امتداداً لتركيا وأجنداتها الخبيثة في المنطقة، وهذا بالطبع يغضب تركيا التي تسعى إلى أن تستفرد بسوريا، لتكون من ضمن مناطق نفوذها ضمن "الإسلام السياسي السني"، وتلعب دوراً إقليمياً مشابهاً لدور إيران.
ولكي ينجح مشروع الشرق الأوسط الجديد من سوريا، تعمل إدارة ترامب مع الأطراف الإقليمية لصياغة سوريا جديدة ومفيدة، لصنع صفقة السلام بين نتنياهو والشرع، وإمكانية الإعلان عن ذلك أثناء زيارة الشرع إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في 23 أيلول/سبتمبر الجاري. ودعمها للشرع هو امتداد لمخطط ضمان أن إيران لن تعود إلى سوريا ولبنان، وأن ضم سوريا إلى اتفاقيات ابراهام سيحقق مشروع واشنطن في المنطقة. وبالتالي يحقق ترامب ما يريده، وهو ضمان أمن اسرائيل ومصالحها، وجمع الحلفاء ضمن تحالف أميركي - شرق أوسطي جديد، وتحقيق حلمه في "نوبل السلام".
المفارقة أن الشرع يعتقد أنه يمارس السياسة بحنكة مع الفرقاء الدوليين والإقليميين، وأن بإمكانه أن يضع بيضه في السلة الأميركية، وإرضاء الأطراف الإقليميين في الوقت نفسه. ولكن هذه السياسة خطرة داخل حقل مليء بالألغام. فمهما استقوى الشرع بدعم واشنطن وتركيا والرياض، إلا أن سياساته الداخلية في سوريا تزيد من تمزيق المجتمعات السورية، وهيمنة المشايخ السلفيين ذوي الأيديولوجيات المتطرفة في الحياة السورية المتنوعة، ورفض العلمانية والليبرالية، في ظل تقارير عن صفقات مع فلول نظام الأسد من رجال أعمال وبرجوازيين ومجرمي الحرب، وتفشي الفساد داخل السلطة، وتخوين الأقليات، ووصف الكرد بـ"الانفصاليين"، وعدم الاعتراف بوجود قضية كردية في سوريا، وارتكاب جرائم ضد الانسانية بحق العلويين والدروز، والقيام بصفقات دولية وإقليمية مخالفة للقانون الدولي وللدستور السوري الذي ألغاه، واستمرار احتلال تركيا لمناطق سورية. وبالنتيجة نحن أمام مستقبل غامض لسوريا سيزيد من الشرخ والتمزق في ظل عدم وجود هوية وطنية، وحكومة انتقالية تشاركية ديموقراطية.
كاتب وباحث كردي سوري - واشنطن
0 تعليق