الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء في لبنان: فرصة للإصلاح أم واجهة جديدة للمحاصصة - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء في لبنان: فرصة للإصلاح أم واجهة جديدة للمحاصصة - هرم مصر, اليوم السبت 13 سبتمبر 2025 08:33 صباحاً

هرم مصر - المحامية ميرنا الحلبي

 

بعد أكثر من عشرين عاماً على صدور القانون 462 لعام 2002، الذي نصّ على إنشاء هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية والفنية، جاء الإعلان عن تشكيل هذه الهيئة أخيرًا ليفتح باب النقاش مجددًا حول مستقبل القطاع. فالقانون منحها صلاحيات واسعة تشمل منح التراخيص، تنظيم التعرفة، مراقبة أداء مؤسسة كهرباء لبنان، وحماية المستهلك، أي أنه أرسى الإطار القانوني لفصل القرار التنظيمي عن القرار السياسي ومنع الوزير من الانفراد بالسلطة أو ممارسة الكيدية أو خدمة المصالح الضيقة. لكن السؤال الأهم يبقى: هل سيُترجم هذا التعيين إلى إصلاح فعلي، أم أنّه سيبقى خطوة شكلية سرعان ما تُفرغ من مضمونها؟

 

 

في جوهر الأمر، الهيئة الناظمة يمكن أن تشكّل نقطة تحوّل تاريخية. فإذا التزمت باستقلاليتها وطبّقت القانون كما هو، ستكون قادرة على فرض الشفافية والمساءلة، وضبط التعرفة بطريقة عادلة، وتشجيع دخول القطاع الخاص ضمن قواعد واضحة. كما تكتسب الهيئة أهمية إضافية مع قانون الطاقة المتجددة الموزعة رقم 318/2023، إذ تقع على عاتقها مسؤولية إصدار القرارات الإجرائية والمعايير التقنية لتطبيق القانون، بما في ذلك تحديد مواصفات الأنظمة، شروط الربط بالشبكة، وآليات حماية المستهلك وضمان العدالة في توزيع الأعباء والفوائد. بمعنى آخر، نجاح أو فشل مسار الطاقة المتجددة الموزعة مرتبط بشكل مباشر بقدرة الهيئة على القيام بدورها بفعالية واستقلالية، ما يجعلها مفتاحًا ليس فقط لإصلاح الكهرباء التقليدية، بل أيضًا لقيادة التحوّل نحو طاقة نظيفة ومستدامة.

 

لكن في المقابل، يلوح دائمًا خطر الانحراف نحو السيناريو الأسوأ. فإذا جرى تعديل القوانين لتقليص صلاحياتها وإبقاء القرار الفعلي بيد الوزير، أو إذا تُركت الهيئة من دون تمويل وصلاحيات تنفيذية، فإنها ستتحول سريعًا إلى واجهة مؤسسية بلا فاعلية، تُستخدم لتجميل صورة السلطة من دون أي تغيير حقيقي. في هذه الحال، سيستمر الفساد والهدر كما هو، وستفقد الهيئة المصداقية محليًا ودوليًا، ما يعني ضياع فرصة الإصلاح مجددًا وخسارة الدعم الخارجي.

 

إلى جانب هذه التحديات السياسية، يبرز عامل آخر لا يقل خطورة يتمثّل بارتباط الهيئة بوزارة المال من حيث التمويل. فالهيئة، رغم استقلاليتها القانونية، تحتاج إلى موارد مالية ثابتة تُمكّنها من أداء مهامها. وإذا بقيت ميزانيتها خاضعة كليًا لإرادة وزارة المال، أو جرى تعطيل اعتماداتها وتأخيرها، فإن استقلاليتها ستبقى شكلية. فغياب التمويل الكافي يعني شلّ قدرتها على التوظيف، مراقبة الأداء، أو حتى إطلاق المبادرات الإصلاحية. بهذا المعنى، وزارة المال قد تتحول إلى نقطة تحكم أساسية في عمل الهيئة: إمّا داعم يكرّس استقلاليتها من خلال تخصيص موارد شفافة ومستقرة، وإمّا أداة ضغط تُستخدم لتقييدها وإفراغها من مضمونها.

 

من هنا، تكمن أهمية المرحلة المقبلة في اختبار الإرادة السياسية ومدى استعداد القوى الحاكمة لاحترام استقلالية الهيئة وتمكينها من القيام بدورها. فالخيار واضح: إما أن تكون الهيئة الناظمة نموذجًا جديدًا للحوكمة الرشيدة يعزز الشفافية والمنافسة ويحمي المواطن من الاستغلال، أو تتحول إلى نسخة أخرى من مؤسسات مُفرغة من مضمونها، تُدار بالولاءات والمحاصصة وتُبقي القطاع رهينة الانهيار. بين هذين الخيارين، يتحدد مستقبل الكهرباء في لبنان، بل ومستقبل الثقة بالدولة ومؤسساتها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق