الأمّية الجديدة تغيّب القارئ العربي وتهدّد ثقافة الشعوب - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأمّية الجديدة تغيّب القارئ العربي وتهدّد ثقافة الشعوب - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 07:56 صباحاً

هرم مصر - يصادف الثامن من أيلول/سبتمبر اليوم العالمي لمحو الأمّية، مناسبة تُذكّر بتحديات التعليم والمعرفة في العالم الثالث، حيث تُحصي هذه الشعوب سنوياً أعداد مواطنيها غير القادرين على القراءة والكتابة. وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة الأمّيين، بينما تبقى معدّلات القراءة متدنّية للغاية، إذ يقرأ العربي في المتوسّط كتاباً واحداً فقط سنوياً أو أقلّ! هذا الواقع يعكس أمّيةً جديدة تؤثر على الوعي الجمعي وثقافة الشعوب، إذ يصبح المواطن منفصلاً بشكلٍ أو بآخر عن تاريخه وتراث بلده، وهو ما ينعكس على انتمائه، وطريقة تفاعله مع صنّاع القرار، ما يطرح تساؤلاً حول قدرة المجتمعات المحدودة المعرفة على المشاركة الفعّالة في بناء دولة والنهوض بها من أزماتها.

 

في هذا التقرير، تواصلنا مع الحبيب السائح، روائي وأكاديمي جزائري، ومحمد جبعيتي، روائي فلسطيني، وريم نجمي، إعلامية وروائية مغربية، والشاعرة الجزائرية نجوى عبيدات، لنناقش معهم تأثير الأمّية الجديدة على مستقبل الثقافة في العالم العربي. 

الحبيب السائح: "فعل القراءة يتأسّس على مشروع أمّة"

 لأني شاركت ضمن الجامعة الشعبية في الفعل نهاية السبعينيات لما كان محو الأمّية ضمن المشروع المجتمعي ذي التوجّه الاشتراكي من أجل رفع الغبن عن ملايين الجزائريين الذي حرمتهم فرنسا الاستعمارية من التعليم والتعلم وتلقي المعرفة باعتبار المشروع الاجتماعي لا يتحقق في ظلّ جهل العمّال والفلاحين والحرفيين بأساسيات التعامل ما تتطلبه الصناعة والفلاحة والحرف، أقول بصدق إنّ فعل محو الأمية لم يعصف به فحسب انهيار المشروع ولكن أيضاً ما ترسّب في عقلية الناس من خجل أن يعرف غيرك عنك أنك لا تقرأ ولا تكتب وقد يكون هو بحاجة إلى ذلك أكثر منك. فإنه وقع تحويل فعل محو الأمية إلى إدارة بيروقراطية لها "كوادرها" و"مدرّسوها" وبذلك تم توقيف المدّ الذي كان سائداً في الجمعيات غير الحكومية وفي المصانع والقرى الفلاحية "النموذجية". كان النموذج بالنسبة إليّ، هو التجربة العراقية الرائدة في محو الأمّية، وكذا بعض بلدان أميركا اللاتينية.

 

 

الروائي والأكاديمي الجزائري الحبيب السائح. (وكالات)

 

شخصياً، أتساءل كيف كان لحزب حاكم أن يقبل بين صفوفه ملايين الأمّيين دون أن يكون شرطه للمناضل فيه معرفته القراءة والكتابة. وهذا دوره، لذا كانت الأحزاب اليسارية تعتبر محو الأمّية من شروط بناء الفرد وتطوير المجتمع. اليوم، أمسى فعل محو الأمية من التاريخ. كان ذاك بالأمس! لعلّ لهذا علاقة ما، يمكن أن يشتغل عليها علم الاجتماع الثقافي، بهذه الحلقات من تجارب الانكفاءات على الذات تجاه القراءة. بمعنى أنه ليس هناك تراث يحيلنا على مقاومة الجهل بمعناه التعليمي؛ الأمر الذي ترتب عليه ظهور النموذج البشري المتمثل في الأب وفي الأم اللذين لا يقرآن وبرغم ذلك يبدوان لأبنائهما، في المدرسة وفي الثانوية والجامعة، طبيعيين وعاديين! هذا حين نتحدث عن أبوين متعلمين جداً وقد يكونان أستاذين أو مهندسين أو طبيبين أو مسؤولين ساميين في الدولة (أو على الأقل أحدهما). فكيف لا تغرس أمّية القراءة في وسط كهذا! فعل القراءة، بالمعنى المقصود في السؤال، يتأسّس على مشروع أمة يتحقق بالتخطيط والإنجاز والمتابعة، كما هو سائد في البلدان التي تعتبر القراءة جوهر وجودها لمعرفة نفسها ومن خلالها معرفة الآخر.    

 

محمد جبعيتي: "نعاني من أمّية أكثر فداحة!"

في اليوم العالمي لمحو الأمية، إذ يحتفي العالم بانحسار أميّة قراءة الحروف الأبجدية وكتابتها، فإننا نعاني في بلداننا العربية من أميّة أكثر فداحة، تتمثل في استهلاك المعلومات السطحيّة، والأخبار الكاذبة، وضعف القدرة على تحليل الواقع وقراءته قراءة سليمة وموضوعيّة، فقد باتت الشاشات الصغيرة مصدر معرفةٍ مجتزأة سريعة الزوال، فيما تراجع دور الكتاب. لقد أصبحت القراءة الجادّة عملة نادرة في زمننا، بعد أن كانت وسيلةً مهمّة لبناء الوعي والتفكير النقدي. إنّ ابتعاد الإنسان عن الكتاب، لصالح وسائل التواصل الاجتماعي التي تعيد صياغة رؤيته لنفسه والعالم، بطريقة ممنهجة، بحيث تجعله كائناً مشوّهاً ومستهلِكاً، سيقوده بلا شك إلى الوقوع في فخ الاستهلاك والتطرّف والانقياد خلف السائد. وهذا ما نعاني منه في عالمنا العربي من غياب العقل الناقد، المشتبك مع قضايا العالم. إذا أردنا أن نحمي مجتمعاتنا من الآفّات الفكريّة والنفسية، فلا بد لنا من أن نعيد الاعتبار للكتاب، والقراءة النقدية، والمكتبات العامة. محو الأمية لا يعني أن يكون الإنسان قادراً على تهجئة الحروف فقط، بل أن يحيا، وهو الأهم، بوعي وحرّية.

 

الروائي الفلسطيني محمد جبعيتي. (إنستغرام)

الروائي الفلسطيني محمد جبعيتي. (إنستغرام)

 

ريم نجمي: "الناشر ليس فاعل خير"
 قد لا تكون نسبة القراءة في العالم العربي عالية مقارنة بدول أوروبية أو آسيوية، لكن رغم ذلك لا أستطيع القول إن العرب لا يقرؤون. لو لم تكن هناك قراءة لما كان هناك نشر في العالم العربي. فالناشر ليس فاعل خير، هو رجل أعمال أيضاً ولو لم تكن هناك مبيعات لما استمرّ سوق النشر وتعدّدت الدور التي تتزايد سنوياً. هناك بعض الناشرين الذين يشتكون من قلة القراءة والبيع وقد لا يدفعون للكاتب مستحقاته، لكن عندما أسأل مثلاً الناشرين الأصدقاء على الأقلّ في ما يخصّ معرض الرباط للكتاب، أجد هناك رضى عن المبيعات. كذلك أصبحت هناك ظاهرة في العالم العربي سواء في المغرب أو مصر أو الأردن تتمثل في مجموعات قراءة، تشتري الكتب وتناقشها وأحياناً مع الكاتب. والنقاشات الدائرة في السوشيال ميديا في مجموعات قراءة افتراضية تظهر الإقبال على الكتب. صحيح أن هناك تحدّيات تتعلق بتقاليد القراءة وثمن الكتاب الذي يكون غالياً لفئات معينة لكن هذا لا ينفي وجود سوق للنشر والكتابة في العالم العربي. 

 

الإعلامية والروائية المغربية ريم نجمي. (إنستغرام)

الإعلامية والروائية المغربية ريم نجمي. (إنستغرام)

 

نجوى عبيدات: "التكنولوجيا غلّفت عقول أجيال بأكملها"
 من المؤسفِ أن تنتقل الشعوب من أمّيةٍ قديمة كانت تعرَّفُ بعدم معرفة القراءة والكتابة وغالباً كانت مصيراً حتمياً بسبب الاستعمار والفقر إلى أمّية أكثر خطورة، وهي أمّية مُختارة في عصر العلم والمعرفة والتكنولوجيا تتمثّل في مرض "تعفّن العقل"، من خلال تلقيه للومضات السريعة وتعوّده على ذلك، فالشخص المتعلم إن كان يعرَّف بأنه شخص أنهى مشواره الدراسي وحصل على شهادات علمية، قد يكون أمّياً في العصر الحديث إن كان غير قادر حتى على قراءة مقال طويل يحتوي على معلومات مركزّة. وتكاسل في البحث والتنقيب العميق من أجل الارتقاء بالفكر والوصول إلى الحقيقة، ولذلك نرى كيف تراجع وعي الشعوب وكيف أضحت شعوباً تشبه دمى المسرح يسهل التحكّم بها. وهكذا صرنا نصدّق أيّ شيء نراه حتى لو كانت المعلومات مغلوطة، فقط لأننا غير قادرين على البحث والتفكير، وغير قادرين حتى على الجلوس مع أنفسنا وقراءة أرواحنا فكيف لنا أن نقرأ العالم.

 

الشاعرة الجزائرية نجوى عبيدات. (إنستغرام)

الشاعرة الجزائرية نجوى عبيدات. (إنستغرام)

 

مع الأسف، صحيح أن التكنولوجيا الحديثة سهّلت علينا الوصول إلى المعلومة، ولكنّها غلفّت عقول أجيال بأكملها، وأثرت سلباً على أدمغة الناس من خلال تعليبها، فتراجعت قدرتهم على الاستيعاب والتحليل والفهم العميق. لذا ينبغي علينا ألّا نندهش حين نرى شعباً بأكمله لا يتحدّث إلّا عن سفاسف الأمور، فقد دُمّر مستوانا الفكري، وقدرتنا على توليد جيلٍ ينهضُ بالمجتمع نحو التطوّر. يقال: "إذا أردت تدمير شعب، دمّر مكتبته. لم يدمّروا مكتباتنا فقط، بل دمّروا عقولنا وأصبنا بمرض تعفن العقل". 

 

اقرأ أيضاً: استفتاء "النهار"- الروائي العربي بين النقد الأدبي والآراء السلبية

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق