نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بورتريه: رئيس الصين... العملاق, اليوم الاثنين 28 أبريل 2025 05:50 مساءً
نشر بوساطة فؤاد العجرودي في الشروق يوم 28 - 04 - 2025
وملامح الرئيس الصيني «شي جين بينغ» عن عظمة أمّة جذورها ضاربة في عمق التاريخ وبصماتها راسخة في مسار تطوّر المعارف الانسانية فهي منبت الفلسفة والفلسفة أم العلوم.
وكلما ارتفع منسوب الضغط والتوتر في هذه الحرب الكونية غير المسبوقة في التاريخ ستجد الرئيس الصيني كعادته هادئ الطبع قليل الكلام محتفظا بابتسامة خفيفة تعبّر عن قوة الثقة بالذات مثلما تمثل مصدر شعور بالاطمئنان لسائر الشعوب التائقة إلى التحرّر من ابتزاز وغطرسة ما يسمى الغرب الجماعي.
وعندما ينبس بكلمة فكأنه يسرد كتابا عميق المعاني مثل التصريح الذي أدلى به خلال جوته الأخيرة في دول جنوب شرق آسيا حين قال معلقا على حرب الرسوم الجمركية إن الولايات المتحدة لن تصل إلى أي مكان مشخصا بذلك الطور الذي وصل إليه الصراع بين العالمين القديم والجديد والذي يشير بكل وضوح إلى أن المعسكر الغربي دخل مرحلة «خبط الرأس في الجدار» بسبب انسداد سبل تصدير تناقضاته وأزماته الداخلية إلى الخارج فالسقوط الأخلاقي مقدمة للانهيار الشامل.
وربما زادت الخارجية الصينية في تعرية هذا الواقع عندما علقت على قرار ترامب بالقول إن «لعبة الأرقام الأمريكية ستصبح قريبا أضحكومة في العالم» مراهنة على حزمة الحقائق الموضوعية التي تشير إلى اختلال قوي في ميزان القوة المالية بين الصين التي تعد أكبر دائن في العالم والولايات المتحدة الغارقة في ديون تناهز 36 تريليون دولار والأهم من ذلك ارتباط الصناعة الأمريكية بما في ذلك التكنولوجيات الأكثر تقدما بخطوط الإمداد الصينية خصوصا أن بيكين تحتكر 70 بالمائة من الاحتياطي العالمي للمعادن النادرة.
وبالفعل أدى ثبات الصين في تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل تجاه الرسوم الأمريكية بشكل حازم وسريع إلى حالة غليان داخل الولايات المتحدة حيث راكمت أسواق المال خسائر ثقيلة وسجلت أسهم أعتى الشركات هبوطا حادا وهو ما فرض على ترامب كثيرا من الارتجال ليلوح مثل المهرّج الذي يقول شيئا في الصباح ليدحضه في المساء وهنا تكمن الخسارة الكبيرة للولايات المتحدة التي فقدت «المصداقية» حيث ستفكر الشركات والدول مستقبلا ألف مرة قبل أن تقرّر إرساء علاقات تجارية مع الولايات المتحدة التي أصبح التعامل معها بمثافة المقامرة في ظل عدم قدرتها على الالتزام بالمعاهدات الثنائية والمواثيق الدولية فحتى واعز الخوف من أمريكا آخذ في التفكك بفعل توسّع نزعة التحرر في العالم التي تستفيد بشكل أو بآخر من الرّادع العسكري الروسي والضمانة الاقتصادية والتكنولوجية الصينية.
بل إن الجولة التي قادت الرئيس الصيني مؤخرا إلى كل من ماليزيا وكمبوديا والفيتنام قد كشفت مدى التقدم الذي أحرزته البلدان التي ربطت علاقات شراكة قوية مع بيكين حيث تبلغ مبادلات الفيتنام مع الصين لوحدها نحو 100 مليار دولار سنويا أي ما يعادل خمسة أضعاف إجمالي الصادرات التونسية إلى الخارج وهو ما سيؤدي حتما إلى تسارع انخراط الدول في الشراكة الاستراتيجية مع الصين سواء على الصعيد الثنائي أو متعدد الأطراف من خلال عدة مسارات منها تحالف البريكس ومبادرة حزام وطريق المعروفة بطريق الحرير التي أطلقتها الصين في جوان 2012 وتمثل إطارا للتعاون الشامل يقوم على مبدأ «الازدهار المشترك» المستلهم من التجربة الداخلية الصينية حيث استطاعت الثورة الثقافية بقيادة الزعيم «ماوتسي تونغ» أن تصنع وعيا عاما يكرّس الالتزام المتبادل كإطار للعيش المشترك وأساس لتقاسم الرخاء أفرز شعبا عظيما يحيط قيمة العمل والجهد والتضامن بهالة قدسية ويرمز للانضباط ومجتمع النظام لدرجة أن الرئيس الصيني الحالي سقط عندما كان طالبا في الجامعة عدة مرات في اختبار الانضمام للحزب الشيوعي قبل أن يحرز هذا المنصب الرفيع.
وربما أطلقت الصين مبادرة حزام وطريق عام 2012 تعبيرا عن إدراك عميق بأن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة قد دخل في مستنقع لن يخرج منه بقيام أجندا الربيع العبري التي أحرقت المنطقة العربية بنيران الارهاب والتفكيك والتفقير وهيأت من ثمة شعوب الجنوب للبحث عن أفق جديد يخرجها من النفق المظلم والدموي لما يسمى الغرب الجماعي وهو ما أثر بعمق في حزمة المنعرجات جيوسياسية التي شهدها العالم خلال العشرية الأخيرة وبدأت باستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 ثم تسارع وتيرة تحرّر دول الجنوب من الهيمنة الغربية من خلال عدة تحولات منها قيام مسار 25 جويلية في تونس وظهور تكتل دول الساحل الافريقي الذي مضى إلى أبعد حد في القطع الراديكالي مع الغرب.
وفي الواقع تعود جذور الصراع القائم اليوم بين العالمين القديم والجديد إلى بداية تسعينات القرن الماضي حيث استطاع تحالف دول الجنوب زائد الصين أن يكسب معركة حاسمة في كواليس المنظمة العالمية للصحة من خلال إفشال كل مؤامرات الدول الغربية الهادفة إلى نسف الصناعات الدوائية الناشئة في بلدان الجنوب مثل الصين وتونس والمغرب ومصر والأردن بهدف تأبيد احتكار صناعة الأدوية والتلاقيح ومن ثمة ترسّخ الوعي بأن بلدان الجنوب قادرة على التخلص من الهيمنة الغربية بالتحالف مع الصين وإرساء علاقات فيما بينها تقوم على تشبيك القدرات في حين رضخت القوى الغربية للأمر الواقع وهو ما يعبّر عنه انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة العالمية للصحة وكأن ترامب أراد القول «ما الفائدة من المساهمة في تمويل منظمة لم تعد قادرة على تثبيت الهيمنة الغربية».
.
0 تعليق